محاولات لشرب القهوة
كانت قارورة المعقم الكحولي موضوعة على منضدة المقهى، استعملتها دون أن أقتنع بجدواها، لم أقتنع قط بجدواها، ثم جلست بعد ذلك أنتظر إحضار قهوتي.
رأيت النادل قادما في اتجاهي وبين يديه طلبي.
انتبهت إلى أنه لم يعد يضع القناع الواقي، أردت أن أظهر له امتعاضي من ذلك، وضع فنجان القهوة أمامي بلا مبالاة وانصرف.
خلعت الكمامة وتهيأت لأرشف رشفة من القهوة.
مر أمامي أحد الباعة المتجولين، توقف حول طاولتي وأخذ يحثني على اقتناء شيء ما، اضطررت إلى إعادة الكمامة إلى موضعها، وأمرته بأن يغلق فمه ويذهب.
انصرف دون رد فعل، فخلعت الكمامة في الحال ورفعت الفنجان متلهفا لشرب القهوة.
أحد ما بالقرب مني عطس في اللحظة نفسها، التفت لأرى إن كان يضع القناع الواقي على الأقل، عطس من جديد، اللعنة! وضعت الفنجان من يدي بسرعة وأعدت الكمامة إلى موضعها.
كان يجب علي أن أنتظر طويلا. لا بد أن نثار عطسه عالق بالهواء المحيط بي، من غير المستبعد أن يكون محتويا على الفيروس الوبائي.
كنت حائرا، هل أخلع الكمامة وأشرب القهوة دون أن أعبأ بأي شيء؟
قررت هذه المرة أن أحمل فنجاني وأذهب للجلوس على رصيف المقهى: هناك مقعد فارغ، هناك مسافة أمان وهواء طلق.
شعرت بقليل من الاطمئنان، خلعت الكمامة وأنا أرفع في الآن نفسه فنجان القهوة متعطشا لرشف الرشفة الأولى.
يد ما تمتد في اتجاهي، صاحبها يريد أن يسلم علي، أشار بيدين مرتبكتين إلى قطع السكر المتبقية فوق الصحن، انحنى عليها.
سارعت إلى إعادة الكمامة إلى موضعها ولبثت أنظر إلى فنجان القهوة دون أن أقوى على الاقتراب منه.
صراخ
كان أحد الممثلين الفكاهيين قد توفي منذ عدة سنوات، لكننا لا ندري ما الذي جعل أحد رواد المقهى يتذكره ويتحدث عنه إلينا طويلا.
توقف أمامنا وأخذ يصرخ:
«بلقاس ليس ممثلا فكاهيا، كان باستطاعته أن يؤدي أدوارا تراجيدية وقد أداها بالفعل، لكن لا أحد انتبه إلى ذلك، لقد رأيته في عدة مشاهد وهو يؤدي هذه الأدوار بإتقان شديد، صدقوني بلقاس ليس ممثلا فكاهيا..».
استمر يصرخ، لاحظت أنه لم يكن يرتدي الكمامة.
اطمأننت إلى أن كمامتي كانت موضوعة بإحكام فوق أنفي وفمي.
انصرف ذلك الشخص وهو يواصل الصراخ.
أردت حينها أن أستمر في تناول القهوة، فحذرني الشخص الجالس بالقرب مني بصوت صارخ:
«إياك أن تنزع الكمامة الآن، لا شك أن الفيروس الوبائي قد تناثر من فمه، وهو اللحظة عالق في الهواء حولنا، يجب أن ننتظر قليلا..».
مرت بضع دقائق، اطمأننت خلالها إلى أن الفيروس الوبائي لا بد أن يكون قد تلاشى بعيدا عنا، فرفعت الكمامة عن وجهي، راغبا في مواصلة تناول القهوة قبل أن تبرد.
في تلك الأثناء، توقف أحد الأشخاص أمامنا بغتة وبدأ يصرخ.. كان لديه شيء كثير ليقوله لنا، ولم يكن يضع كمامة على وجهه.
المصعوقون
لم أنتبه للوهلة الأولى إلى مصدر الصوت الحاد المزعج الذي كان يتكرر عدة مرات في كل ساعة.
لاحظت أن أحد الجالسين في المقهى، كان يرفع رأسه ويصوب نظره في اتجاه محدد، كلما صدر ذلك الصوت الحاد.
نظرت بدوري إلى الاتجاه نفسه:
كان هناك قفص، تتخلله أسلاك مضيئة، سأعلم أنه يجلب الذباب ويصعقه ويرديه قتيلا في الحال.
وكان ذلك الصوت الحاد، صوت صاعقة الذباب الكهربائية
صرفت نظري عن مصيدة الذباب، وما هي إلا ثوان معدودة حتى صدرت فرقعة أخرى.
التفت إلى الجالس على مسافة مني، وصحت:
– ذبابة أخرى تصعق.
سوى الكمامة فوق فمه وأجاب:
!- احنا صعقتنا كورونا من شحاااال هاذي