حلت يوم الجمعة 30 غشت 2019، الذكرى 30 لرحيل أحد أهرامات اﻷغنية المغربية والعربية وأحد رموزها الذين أثروا الحياة الفنية بأعمالهم الخالدة، الموسيقار أحمد البيضاوي، الذي يعد رائد الغناء المغربي وهرمه، ومؤسس نهصة اﻷغنية المغربية، واسمه أحمد بنشهبون، رأى النور سنة 1918 بالبيضاء، وهناك تضارب فيما يخص تاريخ ميلاده، حيث مصادر أخرى تقول إنه ولد عام 1909، منذ نعومة أظافره وهو يسمع أي شيء يعجبه، يسمع الموسيقى سواء كان مصدرها الكمان، الناي، “مند لين”، الغيطة، أو أي شيء فيه الموسيقى ينجذب إليه، وكان كذلك يستمع إلى اﻷسطوانات، الفونوغراف، ويحاول أن يقلد كل شيء، حيث كان يهوى التقليد، ورغم أن والده كان يرفض ويمنعه من ممارسة حرفة الغناء إلى درجة أنه كسر عوده، فقد ركب التحدي واستمر في مساره الفني، ولقي تشجيعا من أحد أقاربه، الذي استأجر له آلة العود، كما كان له تكوين ديني وأدبي، حفظ القرآن واﻷحاديث، وكان عصاميا في التعلم، شغوفا بقراءة الكتب ويحفظها، وأصر على أن يكون موسيقيا، باحثا في أصول اﻷغنية العربية، يتميز بذاكرة قوية، ويعزف على آلة العود ببراعة، وكانت له قوة هائلة على مستوى العزف على هذه اﻵلة.
مع مطلع الثلاتينات، أسس جوقا سماه التخث ضم 4 أعضاء، وأصبح أمهر العازفين، وكان استدعاه المغفور له محمد الخامس سنة 1938 للجوق الملكي، وأعجب به، واستفاد من تجربة الفنان المصري الكبير مرسي بركات، ورسم خطا خاصا به في التلحين والغناء، وفي الجانب السينمائي، أدى قصائد ﻷمير الشعراء أحمد شوقي في فيلم بعنوان “الصب العليل”، من بينها “قلبي بوادي الحمى”، فيلم نال إعجاب الملك محمد الخامس، ثم فيلم آخر تحت عنوان “دموع اليتيم”، وفيه غنى “ياحبيبي أفق”، للشاعر السوري أنوار العطار. سنة 1947 ترأس الجوق الملكي بعد وفاة مرسي بركات، وفي سنة 1952 أسس جوقا إذاعيا يحمل إسم “جوق راديو المغرب للطرب العصري”، التابع للإذاعة المغربية، وبعد أحداث 20 غشت 1953، غاب البيضاوي عن الساحة الفنية، ليعود مباشرة بعد حصول المغرب على اﻹستقلال للجوق العصري، ثم رئيسا للجوق الوطني الذي تأسس سنة 1959، وظل على رأسه إلى سنة 1964، ليتولى مهمة رئيس قسم الموسيقى، ومسؤولا عن لجنة اﻷلحان والكلمات في اﻹذاعة الوطنية إلى حين وفاته.
أحمد البيضاوي رصيد غنائي وموسيقى غني. ارتبط ألبيضاوي ثقافيا بالمشرق العربي، وتعامل مع الشعر العربي الفصيح، وفتح بالمغرب باب التعامل مع هذا الشعر، واتجه بأسلوبه في الغناء نحو القصيدة الفصحى والموشحات اﻷندلسية، حتى اعتبر ملك القصيدة، التي مال إليها، وكان يختار أصعبها، ويرتاح فيها، وكان ينتقي اﻷجود، كان مدرسة وأسطورة الغناء المغربي والعربي، بحر أنغام، علامة، خزانة غنية، كما كان يعرف عنه أنه كان صارما في قبول اﻷعمال التي لا تتوفر فيها الجودة، مما جعل مجموعة فنانين يتذمرون منه، وبقي وفيا لمبدأ اﻹرتقاء بالفن، وكان محقا وعلى صواب.
أدى و لحن خلال مشواره الطويل الحافل، العديد من القصائد الرائعة لشعراء من المشرق والمغرب، فإضافة لأحمد شوقي وأنوار العطار السالف دكرهما، غنى قصيدة انتظار للشاعر المصري علي محمود طه، “كم بعثنا مع النسيم سلاما” للشاعر الدكتور صبري التجريدي، “أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعه” للشاعر أبي العلاء محمد، “حبيبي تعالى” ﻹلياس فرحات، القطعة الدينية “البردة” للإمام البصيري، “ذكرى خلاصي” لوجيه فهمي صلاح.. ومن أشعار إبن زيدون، (أضحى الثنائي بديلا من تدانينا، ياغزالا، باعدت باﻷعراض)…، وطنيا أدى مجموعة قطع لشعراء مغاربة، ندكر “أنشودة الحب” للزعيم الوطني علال الفاسي، “ياصاحب الصولة والصولجان” لمحمد بن الراضي، عبد الفتاح القباج ( هذا حبيبي ) محمد حكم ( ياحبيبا) عثمان جوريو (سائلوا عنه المعالي) محمد بلحسين (قل لمن صد و خان، نشيد التحرير.. ) إضافة إلى أغاني عديدة، منها،( ياللي غايب عن عيوني، يابائع اللؤلؤ، بسمة اﻷمل، ماللمدام تديرها عيناك، شفتاك..).
كما غنى من ألحانه مطربون مشارقة منهم، هدى سلطان، فايزة أحمد، سعاد محمد وكذا مطربون مغاربة .
إعجاب المشارقة بالبيضاوي، في أواخر خمسينيات القرن الماضي وخلال حفل أقيم بفاس بحضور الموسيقار فريد اﻷطرش، قام البيضاوي بالعزف على العود وأثناء عزفه أمسك فريد بيده وقال “ياعزيزي أحمد كدبي ظني فيك لم أكن أظن أن بشمال إفريقيا عازف عود مثلي، لكنني وجدتك”، وقبله على جبينه، وفي حفل فني أقيم بمصر بحضور موسيقيين كبار كلهم عزفوا، ولما عزف البيضاوي على العود أعجبوا به، وقالوا كلهم عواد، وقام القصبجي وأهداه عوده.
وبعد مسار زاخر بالعطاء الفني، انتقل البيضاوي إلى عفو الله يوم 30 غشت 1989، تاركا رصيدا غنيا من الروائع الغنائية، ترصع الخزانة الوطنية والعربية، والتي ستظل خالدة مدى الزمن.