حبل الود القصير ينقطع مجددا .. الجزائر تستدعي سفيرها في فرنسا بعد تدخل باريس لإجلاء معارضة للنظام فرت إلى تونس

لم تمر سوى أقل من ستة أشهر على زيارة إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، التي رافقها صخب إعلامي كبير ورهان أكبر على « التوجه إلى المستقبل» وإرساء « شراكة استراتيجية»، حتى عادت العلاقات بينهما إلى التوتر مرة أخرى، مما يؤشر على انهيار الرهانات التي علقها كل طرف على الطرف الآخر، لخدمة أجندته الخاصة.
ففي حلقة جديدة من مسلسل التوتر القائم بين البلدين منذ عقود، أعلنت الجزائر استدعاء سفيرها لدى فرنسا «للتشاور» بسبب ما سمته بـ»عملية الإجلاء السرية» للناشطة والصحافية أميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا مساء الاثنين الماضي.
وتعود وقائع هذه القضية إلى يوم الجمعة الماضي، عندما تمكنت الناشطة والمعارضة الجزائرية أميرة بوراوي، والتي تحمل أيضا الجنسية الفرنسية، من دخول التراب التونسي بسبب ملاحقتها من طرف النظام الجزائري، حيث كانت ممنوعة من مغادرة البلاد.
وكانت أميرة بوراوي قد حاولت عدة مرات مغادرة الجزائر في الأشهر الأخيرة لزيارة ابنها المقيم في فرنسا، لكن دون جدوى، كما ذكر موقع إذاعة «راديو إم» الجزائرية حيث قدمت برنامجا سياسيا منذ سبتمبر الماضي.
وحاولت الناشطة الجزائرية مغادرة تونس باتجاه فرنسا، قبل أن يتم توقيفها، ونقلت وكالت فرانس برس عن محاميها التونسي هاشم بدرة قوله إن موكلته «اعتقلت عندما كانت تحاول السفر إلى فرنسا بجواز سفرها الفرنسي»، حيث وضعت قيد الحبس الاحتياطي لتمثل، الاثنين الماضي، أمام القاضي الذي أطلق سراحها وقرر تأجيل قضيتها إلى يوم 23 فبراير.
وعلى الرغم من قرار الإفراج، أضافت الوكالة، تم نقلها إلى مركز شرطة حدودي لترحيلها إلى الجزائر العاصمة في الساعة السابعة مساء نفس اليوم.
وفور هذا الإعلان، احتج محاميها الفرنسي، فرنسوا زيميراي، وهو سفير سابق لبلاده في الدنمارك، حيث ذكر أن»موكلتي تعرضت لمحاولة خطف واحتجاز من جانب بعض سلطات إنفاذ القانون في تونس بناء على طلب السلطات الجزائرية».
وأضاف «أعلنت بعد ظهر اليوم أنني لن أتردد في تقديم شكوى لدى نيابة باريس بتهمة الخطف والاحتجاز إذا لم يتم الإفراج عنها فورا، علما بأن القانون الفرنسي ينص على اعتبار الاعتقال التعسفي من جانب سلطة إنفاذ القانون جريمة. وهذا يندرج في اختصاص المحاكم الفرنسية حين يتم ارتكاب هذه الجريمة في الخارج بحق مواطن فرنسي».
وأكد زيميراي أن «الخارجية الفرنسية مستنفرة جدا وهذا أمر جيد»، وهو ما أكدته مصادر متطابقة، حيث أعلن على إثر ذلك أن أميرة بوراوي حصلت على حماية من القنصلية الفرنسية في تونس.
وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، أن أميرة بوراوي «تم استقبالها لبضع ساعات في السفارة الفرنسية» قبل الحصول على «إذن من الرئيس التونسي قيس سعيد بالذهاب إلى فرنسا»، وهو ما حصل، عندما أعلن الاثنين أنها تمكنت أخيرا من ركوب طائرة متجهة إلى فرنسا مساء.
قضية الناشطة أميرة بوراوي، التي فجرت من جديد الخلاف بين الجزائر وفرنسا، أعادت العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر، كما حدث في أكتوبر 2021 ، عندما قامت الجزائر آنذاك باستدعاء سفيرها للتشاور بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول عدم وجود أمة جزائرية قبل 1830، بعد احتلال فرنسا للمنطقة التي كانت خاضعة للنفوذ العثماني.
وحاولت الجزائر، التي وجدت نفسها محاصرة بعد تدهور علاقتها مع إسبانيا عندما أعلنت مدريد تأييدها لمغربية الصحراء، أن تعيد الدفء إلى علاقتها مع فرنسا، التي تعاني أيضا من انحصار نفوذها بمستعمراتها السابقة في إفريقيا، وقام ماكرون في غشت الماضي بزيارة الجزائر على رأس وفد كبير يضم 90 شخصا ما بين وزراء ورجال أعمال وشخصيات أخرى، تلتها زيارة أخرى لرئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن ضمن وفد ضم 16 وزيرا، حيث أعلن حينها عن محاولة» إعطاء زخم جديد للمصالحة بين البلدين».
غير أن كل هذه الشعارات الرنانة، حكم عليها مرة أخرى أن تظل في خانة الأماني، وبرأي عدد من المتتبعين فإن « المصالحة» التي سعى إليها البلدان كانت محكومة بمصالح متباينة، أملتها تحولات ظرفية، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، ولن تستمر طويلا.
من جهة أخرى، كشف قرار الرئاسة الجزائرية باستدعاء سفيرها لدى فرنسا عن تناقض صارخ، إذ لم تتخذ نفس الموقف بخصوص تونس، التي، وبحسب صحيفة لوموند، أمر رئيسها بالسماح لها التوجه إلى فرنسا رغم معارضة الجزائر.
فبعد أن أذعنت السلطات التونسية لضغوط الجزائر وأوقفت أميرة بوراوي استعدادا لترحيلها إلى الجزائر، عادت لتخضع لضغوط من هم أقوى، وسمحت لها بالتوجه إلى فرنسا بأمر من الرئيس قيس سعيد.
وفي مسرحية لإرضاء الجانب الجزائري، قام الرئيس التونسي، بعد أقل من 24 ساعة، بإقالة وزيره في الخارجية عثمان الجرندي، وعلى الرغم من أنه لم يعلن عن أسباب هذه الإقالة المفاجئة، والتي طالت لأول مرة وزارة سيادية، إلا أن المتتبعين ربطوا بينها وبين قضية أميرة بوراوي، وأن قيس سعيد استعمله ككبش فداء، لإرضاء الجزائر، رغم أنه وكما سبقت الإشارة، كان وراء قرار السماح لها بالسفر إلى فرنسا.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 10/02/2023