عندما نتحدث عن الأيام الجميلة للموسيقى العصرية المغربية يطالعنا علم من أعلامها الذي بصم بمداد من ذهب على مجموعة من القطع الغنائية التي لازالت تهز المشاعر وتلامس العواطف، و يتعلق الأمر بالفنان الكبير فتح الله المغاري الذي انطلق في بداية حياته الفنية كشاعر غنائي إلى جانب الراحل الطيب العلج و حسن المفتي والبتولي و غيرهم، هؤلاء الذين أبدعوا في كتابة الأشعار الزجلية، فكان الفنان المغاري عندما يكتب لا ينطلق من فراغ، فكل أزجاله منبثقة من الواقع المعيش ومن العشق والحرمان والفشل أحيانا في لقاء الحبيب الذي يخلف وراءه سوى الذكريات الجميلة، ولعل أغنية «كاس البلار» التي كانت بداية لانطلاقاته الفنية، هذه الأغنية الجميلة التي أبدع في تلحينها الموسيقار الراحل عبد الرحيم السقاط، حيث وضع ألحانها في تناغم مع الخامات الصوتية للفنان فتح الله المغاري، والأغنية تحكي قصة عاشق لمحبوبته، تلك العشيقة التي كانت تغيب وبدون عذر عن حبيبها، الذي يظل حائرا ولا يدري أي اتجاه وأي مكان يجدها فيه، وكان يدرك أن عشيقته الرائعة لها معجبون كثر، وتنتهي القصة الطريفة، بذكريات مرة، مرددا الشاعر فيها «ياكاس سومك غالي والناس ماتعنى بيك..، كلها يقول ديالي واللي شرب فيك يخليك».
وليست أغنية «كاس البلار» هي الأغنية الوحيدة التي استغل فيها فتح المغاري الرمز، بل إن كل أغانيه هي قصص جميلة تخلف شعورا مفعما بالأحاسيس الجياشة عند سماعها.
وبقدر ما أبدع المغاري في وضع الكلمات والأشعار الزجلية بقدر ما أبدع في مجالي التلحين والغناء، فله «ريبرتوار» حافل بالروائع من بينها «الصنارة» ومحال البال ينساك» و«امغيارة» التي تؤديها لطيفة رأفت وأغنية «ولله ما انتا معانا» وغيرها من الروائع.
ولد فنانا بفاس أطال لله عمره، وحصل على الباكالوريا سنة 1958، ولما تخرج من المدرسة الإدارية التحق بإحدى المؤسسات الخاصة، حيث أصبح إطارا بها، وعاش طفولته بحي فاس الجديد الشعبي وسط عائلة تهتم بالموسيقى و التراث الصوفي، الشيء الذي جعله يبدع في تلحين الأغنية الدينية الرائعة، «ارجال لله وكذا أغنية «لله على راحة لله» اللتين لقيتا إقبالا جماهيريا منقطع النظير.
ورغم ما قدمه هذا الفنان الرائد للأغنية المغربية العصرية، فان الإهمال يطاله، ولاتدرج أغانيه المصورة على شاشات القنوات التلفزية الوطنية إلا لماما، مما جعله يكاد يكون منسيا في الأوساط المغربية وخاصة في فئات الشباب.
فرحمة بفنانينا الكبار، وليعمل مسؤولو البرمجة على إدراج أغانيهم واستدعائهم في السهرات الفنية التي تقدم كل أسبوع سواء في القناة الأولى أو القناة الثانية تكريما لهم ورحمة بأذواقنا الفنية.