لم يخل تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، من ردود فعل نبهت إلى تداعيات القرار على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الأورويية، وعلى الداخل الأوروبي نفسه، فهل يفعلها ترامب، وماذا سيكون رد فعل أعضاء الاتحاد ال27، وهل بإمكانهم تحمل تبعات هذا القرار؟
لقد أعلن دونالد ترامب دون مواربة إنه ينوي فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، فقد قال يوم الجمعة الماضي لصحافيين في المكتب البيضاوي «هل سأفرض رسوما جمركية على الاتحاد الأوروبي؟ تريد الإجابة الصادقة أم أعطيك إجابة سياسية؟ حتما. لقد عامَلَنا الاتحاد الأوروبي بشكل فظيع للغاية». وما بين التصريح والتطبيق تبقى كل الاحتمالات مطروحة في المستقبل القريب.
الاتحاد الأوروبي..
الرد سيكون حازما !
بعد التصريح الذي أدلى به ترامب الجمعة للصحافيين، حول عزمه فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، شدد هذا الأخير يوم الأحد، على أن رده سيكون «حازما»، مع تنديد بروكسل بفرض واشنطن رسوما جمركية على وارداتها من كندا والمكسيك والصين.
وبالفعل، نفذ الرئيس الأميركي السبت تهديده بمهاجمة الشركاء التجاريين الرئيسيين الثلاثة للولايات المتحدة، الذين يمثلون معا أكثر من 40% من واردات بلاده، بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على المنتجات التي مصدرها كندا والمكسيك، ورسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على المنتجات المستوردة من الصين.
وتقول بروكسل إنها حاليا تأمل تجنب نزاع تجاري مع ترامب من خلال التفاوض.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية إن «الاتحاد الأوروبي يأسف لقرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين».
ونبهت المفوضية إلى أن «الرسوم الجمركية تحدث اضطرابات اقتصادية غير ضرورية وتزيد من التضخم. وهي ضارة بجميع الأطراف».
وقال المتحدث إن «الاتحاد الأوروبي سيرد بحزم على أي شريك تجاري يفرض رسوما غير منصفة وتعسفية على بضائعه».
وتابع «في الوقت الراهن، لا علم لنا بأي رسوم إضافية تم فرضها على منتجات الاتحاد الأوروبي».
ولفت إلى أن التكتل ملتزم بالرسوم المنخفضة «لتعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي في إطار نظام تجاري قوي ومبني على قواعد».
وجدد المتحدث التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي بعلاقته التجارية والاستثمارية مع الولايات المتحدة، واصفا إياها بأنها «الأكبر في العالم».
وقال إن «أمورا كثيرة على المحك»، مشددا على وجوب «أن يسعى كلا الطرفين لتعزيز هذه العلاقة».
ولا يخفي ترامب خصومته مع الاتحاد الأوروبي، ويتهم التكتل بأنه يعامل الولايات المتحدة «بكثير من عدم الإنصاف» في التجارة.
وتصاعدت التوترات على خلفية إصراره المتكرر على سعيه لضم غرينلاند من الدنمارك العضو في الاتحاد الأوروبي.
في العام 2018، خلال ولايته الرئاسية الأولى، فرض ترامب رسوما جمركية على صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى الرد بالمثل.
بناء على ذلك، درست أوروبا مدى أشهر سيناريوهات عدة للتأكد من جاهزيتها لأمر كهذا، في حال قرر ترامب إطلاق نزاع تجاري جديد مع التكتل.
ويشدد دبلوماسيون ومسؤولون في الاتحاد الأوروبي على أن الموقف موحد وعلى أن لديهم الوسائل لمواجهة أي تدابير لترامب، لكن خبراء يشيرون إلى تشققات محتملة في حال زاد ترامب ضغوطه.
وتبدي ألمانيا القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا والتي ستشهد هذا الشهر انتخابات تبدو مشحونة وسط تباطؤ لاقتصادها، حساسية كبيرة على الرسوم الجمركية.
ومن المرجح أن يحاول ترامب استغلال المصالح المتضاربة أحيانا بين دول الاتحاد الأوروبي لتأليبها بعضها ضد البعض الآخر.
بالفعل لقد باشر قادة أوروبيون التقرب منه، وعلى رأسهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني.
وكتب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الأحد أن «حرب رسوم جمركية لا تخدم أحدا»، مشيرا إلى وجود أفكار لدى إيطاليا لحماية شركاتها وإلى أن روما ستكون وسيطا مع واشنطن.
ويعول مسؤولون أوروبيون على قدرتهم على إقناع ترامب بعدم زيادة الرسوم الجمركية. هذا الطرح اعتبرته بروكسل مفيدا للجانبين إذ من شأنه أن يساعد التكتل في تعويض انقطاع الإمدادات من روسيا واسترضاء سيد البيت الأبيض.
ويطالب ترامب الاتحاد الأوروبي بشراء مزيد من النفط والغاز الأميركيين، كما يشتكي من أن التكتل لا يستورد كميات كافية من السيارات والمنتجات الزراعية الأميركية.
ومن المتوقع أن يناقش قادة الاتحاد الأوروبي تهديد الرسوم الجمركية الذي يلو ح به ترامب، مع التركيز على قضايا الدفاع.
ففي حين يدعم الجيش الأميركي الأمن الأوروبي من خلال حلف شمال الأطلسي، يخشى حلفاء الولايات المتحدة المتوجسون من روسيا من تبدد هذا الدعم في حال أثارت تطورات ما حفيظة ترامب.
فرنسا تأمل في توازن قوى»
تجاري مع واشنطن
في الوقت الذي لا تزال الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منقسمة بين موقف «دفاعي» يميل إلى شراء المنتجات الأميركية مثل الغاز الطبيعي المسال أو الأسلحة في محاولة للهروب من نزاع تجاري مع إدارة ترامب، أو نهج أكثر «هجومية» يميل إلى اتخاذ تدابير انتقامية محتملة، اعتبر وزير الصناعة الفرنسي مارك فيراسي أن أوروبا يجب أن «تفترض شكلا من أشكال توازن القوى» في مواجهة تهديدات دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية.
وفي هذا الإطار، قال فيراسي غداة فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية بنسبة 25% على المنتجات الآتية من كندا والمكسيك، و10% إضافية على المنتجات المستوردة من الصين، إن «المفاوضات التجارية مع دونالد ترامب يجب أن تتخذ شكلا من أشكال توازن القوى».
وفي ما يتعلق بتهديد الرئيس الأميركي بفرض تعريفات جمركية على الاتحاد الأوروبي أيضا، أضاف الوزير الفرنسي «من الواضح أنه سيتوجب علينا أن نرد»، مشيرا إلى أنه ينتظر قرارات الإدارة الأميركية.
واعتبر فيراسي أنه «حتى يكون الرد فعالا، يجب أن يركز على المنتجات المهمة بالنسبة للطرف الآخر وللبلد الذي تتفاوض معه»، مضيفا أنه «يجب أن يكون، كما يقولون، شديدا، أي أن تكون له تداعيات على الاقتصاد الأميركي، حتى يكون هناك تهديد ذو صدقية في المفاوضات».
وتابع وزير الصناعة الفرنسي «علينا أن نتوقف عن السذاجة»، داعيا إلى «حماية أفضل لصناعتنا» من خلال تنفيذ «قانون شراء المنتجات الأوروبية» من أجل إعطاء الأولوية للمنتجات المصنعة في أوروبا.
وأضاف أن «التحدي الذي نواجهه هو البقاء متحدين، والاستفادة من القوة التي يمنحنا إياها هذا الاتحاد، أي السوق المشتركة التي لا تستطيع الولايات المتحدة الاستغناء عنها».
وقال مارك فيراسي أيضا «ينبغي ألا نبدأ بتقديم التنازلات، وينبغي ألا نبدأ بالقول إننا سنشتري المزيد من المنتجات الأميركية على هذه الجبهة الصناعية أو الزراعية أو تلك».
خطة أوروبية لاعطاء دفع» للاقتصاد لمواجهة تهديدات ترامب؟
بالموازاة مع هذا الجدل، كشف الاتحاد الأوروبي النقاب عن خطة طال انتظارها لتحديث النموذج الاقتصادي الأوروبي، في حين يسعى التكتل لمواكبة التقدم في كل من الصين والولايات المتحدة.
ويأتي نشر «خارطة الطريق لاستعادة التنافسية» في بداية الولاية الثانية لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، لإحداث تغيير في توجه بروكسل لتكون أكثر ملاءمة للأعمال التجارية.
وقالت فون دير لايين خلال مؤتمر صحافي لعرض خارطة الطريق «نحن بحاجة إلى إعادة تشغيل محرك أوروبا الإبداعي» متعهدة بأن يظل الاتحاد ملتزما بتحقيق أهدافه الطموحة لخفض الكربون مع الحد من التنظيم غير الضروري للشركات أيضا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية «أريد أن أكون في غاية الوضوح: يبقى الاتحاد الأوروبي ثابتا على مسار تحقيق أهداف الصفقة الخضراء دون أدنى شك».
وشددت على أنه لا مجال للتخلي عن الالتزامات البيئية «للصفقة الخضراء، ولا سيما الحياد الكربوني للاتحاد الأوروبي. «الأهداف راسخة: يجب أن نحققها بحلول العام 2050».
ولفتت إلى أنه «من الأهمية بمكان ومن الضروري تحقيق ذلك».
وفي مواجهة تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية وصعود الصين السريع في القطاعات الصناعية والرقمية الرئيسية، تتعرض الكتلة المكونة من 27 دولة لضغوط لتسهيل الأمور على شركاتها.
وتأمل في العودة إلى السباق من خلال تنفيذ التوصيات التي قدمها العام الماضي المسؤولان الإيطاليان السابقان إنريكو ليتا وماريو دراغي.
وكان تركيز المفوضية الأوروبية مؤخرا على تغير المناخ وأخلاقيات قطاع الأعمال، سببا في تذمر العديد من الشركات بدءا بالتنظيم المفرط الذي يؤدي إلى تفاقم تكاليف الطاقة المرتفعة وضعف الاستثمارات.
ووعد نائب رئيسة المفوضية ستيفان سيجورنيه «بصدمة تبسيطية لا تؤثر على الأهداف البيئية».
وستتم مراجعة عشرات القوانين لتخفيف العبء الإداري، ولا سيما نص رمزي حول واجب يقظة الشركات تجاه المقاولين من الباطن، وآخر حول التقارير الاجتماعية والبيئية، أو لائحة ريتش لحماية صحة الإنسان من المخاطر المرتبطة بالمواد الكيميائية.
وسيتم إنشاء فئة جديدة من الشركات متوسطة الحجم لتخفيف العبء التنظيمي لحوالي 30 ألف شركة، وفقا للنص.
ومن المقرر إنشاء نظام قانوني أوروبي، يختلف عن الولايات القضائية الوطنية للدول ال27 الأعضاء، للسماح للشركات المبدعة بالاستفادة من مجموعة واحدة منسقة من القواعد بشأن الإفلاس وقانون العمل والضرائب.
وتواجه أوروبا تكاليف طاقة أعلى بكثير من منافسيها الدوليين بعد أن أدت الحرب في أوكرانيا إلى قطع إمدادات الغاز الروسي الرخيص.
وقالت فون دير لايين أمام حشد من نخب العالم في منتدى دافوس، إنه على الكتلة «مواصلة تنويع إمداداتنا من الطاقة» و»توسيع مصادر توليد الطاقة النظيفة» بما في ذلك الطاقة النووية التي كانت من المحرمات في بروكسل.
وتوصي خارطة الطريق أيضا بتسهيل اتفاقات شراء الطاقة طويلة الأجل وتعزيز الاستثمار في شبكة الطاقة لتحسين النقل والتخزين.
ومن شأن «المساعدات الموجهة والمبسطة» أن تشجع على إزالة الكربون من الصناعة، حيث يأمل سيجورنيه أن تكون الأولوية «لتخضير أكبر 100 موقع لانبعاث ثاني أكسيد الكربون» وتمثل وحدها أكثر من نصف الانبعاثات الصناعية في أوروبا.
وتنص الخطة أيضا على إنشاء علامات لتحفيز الطلب على المنتجات منخفضة الكربون – مثل الفولاذ «الأخضر» الذي تحرص عليه بروكسل لكن الطلب عليه منخفض بسبب تكاليفه الباهظة.
ومن المقرر وضع خطط محددة للقطاعات المتعثرة مثل المواد الكيميائية والصلب والسيارات.
ويرغب الاتحاد الأوروبي في أن تأخذ هيئة مراقبة المنافسة التابعة له في الاعتبار الحاجات الاستثمارية الضخمة لشركات التكنولوجيا عند تقييم عمليات الدمج.
حاليا ينصب التركيز على التأثير المحتمل على الأسعار، وهو ما يعيق إنشاء الشركات الأوروبية العملاقة.
وتدعو الخطط إلى «مبادئ توجيهية منقحة لتقييم عمليات الدمج» تعطي وزنا كافيا «للإبداع والقدرة على الصمود والمنافسة الاستثمارية في قطاعات استراتيجية معينة».
ولتقليص الاعتماد على الصين والدول الأخرى للحصول على التربة النادرة والمواد الخام، يريد سيجورنيه أن يتم استخراج المزيد منها في أوروبا.
وقال المفوض إنه تلقى 170 مشروعا لاستثمار التعدين أو بحثيا – والتي غالبا ما تواجه معارضة محلية بسبب آثارها البيئية – وتعهد «بتسهيل» إصدار التصاريح.
ويخطط أيضا لإنشاء منصة «للشراء المشترك» للمواد الخام الحيوية وتطوير شراكات دولية لتعزيز خطوط الإمداد للتكنولوجيا الخضراء مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والرقائق والمكونات الصيدلانية.
كما تم ذكر «التفضيل الأوروبي في المشتريات العامة» لقطاعات والتكنولوجيا الحيوية.
بعد أكثر من ثلاثة عقود على إنشائها، لا تزال السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي مشتتة في ما يتعلق بقطاعات مثل الاتصالات والطاقة والدفاع، حيث تعيق القواعد الوطنية المختلفة القدرة التنافسية.
وتعد «إزالة الحواجز المتبقية» من الأولويات الواردة في مسودة «خارطة الطريق».
ويأتي توحيد أسواق رأس المال الأوروبية ـ وهو الأمر الذي تعثر لفترة طويلة بسبب المصالح الوطنية المتنافسة ـ على رأس القائمة.
وفي حين تعتمد أوروبا عملة موحدة، فإن شركاتها الناشئة تظل غير قادرة على مجاراة حملات جمع الأموال الضخمة لمنافساتها في الولايات المتحدة.
ولمعالجة هذه المشكلة، وعدت فون دير لايين في دافوس بإنشاء «اتحاد الادخار والاستثمار الأوروبي».