الشريف عازفا لجيل جيلالة .. مولاي عبد العزيز الطاهري عازفا للمشاهب
وبوجميع يقود الغيوان وجيلالة ولمشاهب
نعود بجمهورنا الكريم في هذه السلسلة الرمضانية، إلى بعض من المسارات التي عاشتها الأغنية الغيوانية، والتي إما مرت دون انتباه أو ستسرد لأول مرة، وهي مسارات ومحطات ندونها على لسان رواد المجموعات، والذين منهم من انتقل إلى دار البقاء ومنهم من مازال
بين ظهرانينا يتمم الرسالة والمسير…
عاشت المجموعات الغنائية المغربية، كما يعرف الجميع، إكراهات ومطبات، فبعيدا عما تطرقنا إليه سابقا من مشاكل خارجية كانت تعترض هذه الفرق وتضطر لمواجهتها ومجابهتها، كانت هناك إكراهات أخرى داخل المجموعات نفسها تدفعها إلى البحث عن الطريق الأسلم كي تعالجها، ضمانا لاستمرارية المسير ومواصلة في شق الطريق، خاصة وأن أعضاءها محترفون ولا دخل مالي لهم سوى عملهم داخل مجموعاتهم، كما أنهم كانوا يعون بأنهم بصدد تثبيت نوع غنائي جديد في الساحة الفنية، وهو النوع الذي جوبه كثيرا من لدن من كانوا يرون أنه مجرد موجة عابرة، وأن أصحابه لن يصمدوا طويلا، لذلك لم بكن أمام أعضاء هذه الفرق سوى التسلح بالعزم والصبر وكثرة الإنتاج حتى يفندوا اعتقادات من يعارضوا تجربتهم الشبابية تلك، والتي أخذت في الانتشار والاحتضان من طرف الجمهور، ولمواجهة الإكراهات الداخلية التي تكون أحيانا عبارة عن خصومات أو ملل أو مشاكل إدارية كان أعضاء هذه المجموعات لا يجدون إلا بعضهم البعض للإنقاذ ولمعاودة النهوض من جديد…
هنا سنقف عند بعض المناسبات التي اضطرت كل مجموعة للجوء لعناصر فرقة أخرى، من أجل الالتزام مع المتعهدين أو لسد فراغ ما.
في سنة 1973، كان الأستاذ عبد السلام الشرايبي، وهو كما يعرف المتتبعون للساحة الفنية، كاتب مسرحي وفنان وممثل، وهو بالمناسبة من ألف وأخرج مسرحية «الحراز» في نسختها الأولى، والتي لعب أدوار شخوصها الرئيسية أعضاء فرقة الوفاء المراكشية، على رأسهم عبد الجبار لوزير ومحمد بلقاس ومحمد الشحيمة بالإضافة إلى مولاي عبد العزبز الطاهري، الذي لعب دور الفتى الأول وغيرهم، قلت كان عبد السلام الشرايبي قد تكلف بتنظيم جولة فنية بالجزائر، فالرجل كان معروفا جدا في الساحة، وكانت له علاقات كبيرة على مستوى العالم العربي، الجولة كان سيشارك فيها الفنان الكبير عبد الهادي بلخياط ومجموعة لمشاهب بالإضافة إلى الفنان أبو الصواب الذي سيقدم الوصلات التنشيطية، مجموعة لمشاهب في تلك الحقبة كانت في البدايات، وتضم الشريف لمراني والباهري محمد والباهري احميدة بالإضافة إلى الفنانة الطروبة سعيدة بيروك، ومعلوم أن الأستاذ البختي مؤسس الفرقة إلى جانب الشريف كان تابعا لسلك التعليم، أما الشريف لمراني فقد كان موظفا بشركة «كارنو»، ومن أجل السفر كان ولابد من الحصول على موافقة إدارتيهما بشكل مكتوب، حتى يتسنى لهما مغادرة التراب الوطني، وهو ما لم يحصل، لتجد الفرقة نفسها أمام مشكل كبير، إذ هناك التزام تجاه المنظمين وهناك رجل يكنون له احتراما خاصا، وهو عبد السلام الشرايبي الذي سيتسببون له في مشاكل إن لم تسافر الفرقة إلى الجزائر ، فما كان من الجميع إلا الالتجاء إلى الفنان المبدع مولاي عبد العزيز الطاهري الذي كان إبانها ضمن مجموعة ناس الغيوان، فهم يعرفون الرجل جيدا خاصة الشرايبي الذي اشتغل معه، وسبق أن قدمه للطيب الصديقي الذي كان بصدد إعادة إخراج مسرحية «الحراز» ، الأخير الذي أوكل للطاهري مهمة الإشراف على تلقين أعضاء الفرقة التي ستمثل مع الصديقي تلك المسرحية الأغاني الملحونية التي سيؤدونها، أما بالنسبة للبختي والشريف فبدورهما يعرفان أن الطاهري فنان متعدد ويعد من ركائز الغيوان، ويعلمان جيدا أنه عازف جيد، وهو من أدخل «السنتير» للفرقة، حتى أضحى من البصمات التي تخلق الخصوصية المغربية حتى تتفرد عن شبيهاتها التي ظهرت في كل أقطار العالم في تلك الفترة، أما بالنسبة لحميدة ومحمد الباهري وسعيدة، فهم من أبناء مراكش، أي من المدينة التي ينتمي إليها عازفهم الذي سيعوض الشريف خلال هذه الجولة الفنية، وسبق أن رأوا أعماله المسرحية في شبيبة الحمرا وكوميديا، كما أنهم سبق أن تأثروا بالفرقة التي أسسها إلى جانب بوجميع وعمر والعربي وعلال والسعدي، وهي ناس الغيوان، لذلك أسسوا قبل التحاقهم بالمشاهب مجموعتهم الخاصة، وهي «طيور الغربة»، من جانبه لم يتردد الفنان الطاهري في تلبية دعوة أصدقائه بل تفهم الإكراه الذي هم بصدده فحمل آلة «موندولين» صغيرة، ورافق المجموعة إلى الجزائر حيث قاموا بجولة هناك، وكانوا يقدمون للجمهور كشكولا من الأغاني، من ضمنها أغنية «هاواهاوين» لمجموعة لمشاهب، والتي كتبها ولحنها حميدة الباهري، وأغنية «شوف ليك من غير الكاس» التي كتبها الأستاذ بولمان ولحنها أيضا حميدة الباهري، بالإضافة إلى أغاني من «ريبيرتوار» ناس الغيوان وجبل جيلالة .
كانت فرقة جيل جيلالة، هي المجموعة الوحيدة التي تبدو أكثر تنظيما وأكثر انضباطا، لكن في الحقيقة، وعلى غرار باقي المجموعات الغنائية، كانت تعيش شروخا بين الفينة والأخرى، ولكن أعضاءها لم يكونوا يصرحون بذلك، كما أن علاقتهم مع الإعلام كانت محدودة جدا رغم صداقاتهم مع عشرات الصحفيين. مولاي الطاهر، من جهته، يعتبر أن ما يحصل بين أفراد الفرقة هو شأن داخلي ولا داعي ليطلع عليه المحبون، مادامت العلاقة بينهم وبين هؤلاء تتجسد في الإبداع وإنتاج الأغاني التي تطرب.
خلال الجولة التي قامت بها المجموعة إلى المشرق العربي، ستنقسم الفرقة إلى قسمين بسبب خلاف مادي محض، الفريق الأول يضم محمد الدرهم وحميد الزوغي ومحمود السعدي، فيما يتشكل الفريق الثاني من مولاي الطاهر وعبد العزيز الطاهري وسكينة وعبد الكريم ومحمد مجد. وهو الفريق الذي كان عليه الاعتماد على نفسه لكي ينجز أغاني جديدة ويواكب السهرات الفنية المقامة هنا وهناك. في هذه المرحلة، ولأن المجموعة لم يعد لها عازف، سيتم الالتجاء إلى الشريف لمراني عازف فرقة المشاهب، كما سينضم في بعض السهرات الفنان الشادلي من فرقة المشاهب أيضا، وفي هذا الإطار أذكر شهادة الشريف خلال مذكراته التي نشرناها بجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، والتي أكد فيها بأن عبد الكريم ومولاي الطاهر حباهما لله بصوتين يعدان من أروع الأصوات التي عرفها، وبأن العمل مع جيل جيلالة ممتع لأن أعضاءها بسطاء ولا تجد معهم أية مشكلة، خصوصا في ما يتعلق بالجانب الفني، وأبدى الشريف لمراني، في مذكراته تلك، التي سبقت وفاته بأيام، إعجابه الكبير بجيل جيلالة. ومن بين السهرات التي شارك فيها الشريف لمراني والشادلي مع مجموعة جيل جيلالة، تلك التي أقيمت في مكناس رفقة عزيزة جلال في سنة 1976، بمناسبة صعود فريق النادي المكناسي لكرة القدم إلى القسم الوطني الأول. خلال الانشقاق الأول، يقول مولاي الطاهر، لم يكن للفرقة فلس واحد، فقد عادت من الشرق العربي بجيوب فارغة رغم النجاح الذي حققته هناك، لهذا الغرض كان على أفرادها العمل من جديد لكسب القوت أولا وضمان استمرار الفرقة داخل الساحة الفنية ثانيا. في هذا السياق المظلم، يقول مولاي الطاهر، لحسن الأقدار وجدنا صديقا يحبنا وهو مصطفى الناصري، الذي منحنا أحد الكبانوهات بمنطقة زناتة وظل يُطعمنا ويرعانا لمدة شهر ونصف، وهي المدة التي كنا نُعد فيها ألبوما جديدا.. (يتبع في الحلقة القادمة)…