حكاية لشهرزاد أم شهريارية تتعرّى لسكاكين القدر؟

في أجدد منجز انتقى له الشاعر المغربي عبّاس سمامي عتبة واشية جدّا، فوسمه بليل عينيْ شهرزاد مغازلا باخضراره الأبدي، تتحقّق سيمفونية العشق الجاني،مثلما ينسج خيوط سمّها وحي شهرزاد القصيدة؛شهرزاد الملاذ.
هذه الجنحة الإبداعية المُثقلة بتبعات ذات تسكن الظلال فقط، تنتهك قواميس العشق،متلمّظة معسول عزلة الكائن تستدرجه متاهات ليل الحكاية التي لن تكون سوى تثوير الوظيفة الشّهرزادية في قلب يكاد عشبه يشتعل تلقائيا؛ أو لعلّها  تلكم اللوحة التجريبية التي نعتها صاحبها بكونها أكثر من مجرد بوح؛ تجريبية ما بعد سؤال الصمت ،جاءت لتشاكس بسهلها الممتع الممتنع.
يبدو أن عباس سمامي نذر باكورة أعماله إلى أمنية تعمّد أن يتركها مفتوحة  الحواشي، وقابلة للخرق،كي يُلقي فيها الشيطان من لعنة الأنوثة، حين ضاقت بالذات المبدعة خارطة الصمت قد نتوّسم فيه جميعنا، صيرورة الحكي وقول كل شيء نيابة عنّا،وهي قصدية ذكية مبشّرة بفصول تسويف تشويق التلقّي لحين تكتمل الأدائية الشهرزادية في ترع كل هذا الفراغ، كلنا نعي تمام الوعي بأن  الصمت في كثير من الأحيان،يظلّ أرحم وأرقّ على قلوبنا من ليال تطول، تقسو علينا الوحدة في غياهبها، بأن نُحرم فيها سلال فواكه مجالس أنس حميمي منسي صانعه الأول، خيال شهرزاد.
لعبة ليس يتقن دور الإمساك بخيوطها المتفلّتة،الفائضة بأسرار الوجود، عدا قرين هذا الرمز ينهض من رماده،ناثر في الجرح ورد الحياة التي تلوّنها بحربائيتها  المتّفق عليها ،أسطورة شهرزاد ، تراقص أطيافها اللحظة الهاربة بِصمتنا كأنما تحاول انتشالنا من خواء مفترس يبدأ صامتا، يتآكل دواخلنا نواة نواة لحين تستيقظ الحلمية فينا،ملوّحة بأسباب النجاة ، محرّرة في مكنون الذات المنعزلة، ذلكم القرين الأنثوي الذي نزعم توهما أنه المعادل لشهرزاد الحكاية ،لكن بدينامية وجدانيات مقنّعة ومُرواغة نسلّم بها ، تغزل على مقاسات جنون العاشق، البوح المختلف جملة وتفصيلا،تطّرد في رشق عشاقها بسرديات الألف ليلة وليلة،تُجوّد تصاعديا، بما يليق ومكاشفة كواليس آدميتنا المذبوحة بالعقلية الشهريارية ومدى منسوب تدخلها في طبيعة تستعير نبضها من أنوثة ساحرة وطاغية متأخّرين ندرك كم أن عودنا إلى فردوسية طقوسها مذيّل بالحاجة إذ تفرضها علينا الجراحات.
ففي حضرة عروس المثاليات والهلاميات هذه،والتي تكنّى شهرزاد، نلعق جراحاتنا متلذذين، كي نحصد الكاريزما والمناقب البطولية المخوّلة لنا قطف قلوب اللواتي نهوى.نختزلهنّ في شهرزاد المقيمة في الوعي والذاكرة.
يكفي أن نتأمل الشذرات التالية، كي نستشفّ حاجتنا إلى القصيدة الشهرزادية المترنمة بأوجاعنا كعشاق خذلهم صمتهم ولم يرو ملء جمرة الحياة والجرح، نيابة عنهم وهم التّعساء ،اللّواعج الدّفينة ، ولم يترجم مخبوء القلب وقد رشقت زجاجه حماقات الصبابة فصيّرته شظايا بلّورية مرشوشة بدم الحرف الذبيح :
[وهذا المساء
شهرزاد
كيف بات متعبا
ينزف دما
من فرط الشوق
من أثر الأرق
وحرف أسود
إذ يهابه الورق.].
………..
[قلت
خبريني شهرزاد
كيف ينام
هذا الليل
القادم متعبا
في عينيك
كل مساء
وأنت عطشى
لإصطياد أصغر فرح ممكن
ضدا
على تعنت هذا القدر.]
………..
[مند الأزل
كنت عاشقا
لعينيك
شهرزاد
ولم أزل].
……….
[دعيها
شهرازاد
تنغلق على شرفاتها
تفاصيلك
الملتاعة
بعشق أسطوري
سطرته الأيام ].
………..
[مرا
يندلق صباحك
شاحبا
يترصد التفاصيل المهترئة
يهرق كل سخافات
عالم مهووس بالخطيئة].
…………
[هذا القلب
الذي كان سكناك
لم ترحميه ولم ترحميني
ها هنا أقف
على ناصية الجرح
أرتل قصائد عشقي
«أولاد عبو» وحدها
تكلفت
أن ترمم ما تبقى مني].
………..
[لكنني احتاج عهدا منك
ألا تحرقيني بذكرياتي
بذكرياتك
أو تتركيني
ها هنا كئيبا
وحيدا ألوك الذكرى
وحيدا أحترق…].
………..
[تقول شهرزاد:
أنت أنبل
أنت أجمل
لا تهرب
لا ترحل
أو تترك قمرك
في الظلمة الحالكة
عنوة يأفل.].
……….
[خيول الليل
تلك التي تترك حوافرها
لتشتعل ثلجا في الرأس
تجنح هاربة جهة الجنوب].
………
[وأنت معي صديقي
رتق أخر جرح في صدرك
أخر حرف جريح في سطرك].
………
[سوف لن أشعل النور
هذا المساء
كفاك أن تكوني عندي كل النساء].
……….
[يا قلبها الدامي
رجاء لا تبك
ارحمها
رويدك
إنها في عذابي
في اغترابي ].
……….
[أنا الخارج من متاهة
الداخل أخرى
عن طواعية
يكاد يبلغ الشوق بي كل مبلغ
يكاد يفتك بي
وتأبى عيناك شهرزاد.].
من إلى حانة شهرزاد، وقد أثبتّ أيها الشاعر الجميل ،دغدغة لا يمكنها أن تمرّ على متلقّي ديوانك، بردا وسلاما،عبرها أتحت لمرايا الروح مغازلة دراما العشق الممنوع، وسجّلت انفلاتة سحرية فجّرت لها ينابيع المعنى الإستطيقي،حدّ تضوّع الدّفق ،دامغا بتجريبية الذات المحاصرة ، في غفلة ربما، تعبر فخاخ الصمت اللعين العاجز عن قول كلّ ما نريد، قفزا ملائكيا إلى دنياك الموازية تلبسها رمزية شهرزاد وهي تقول بينيها حكايات وحكايات مُلهمة مضمّدة لجراحات الشعراء العشاق.
وإذن… وردة لقلبك الذبيح، وأنت تغتصب بياض العمر، ترصّعه بأطياف المدعوة شهرزاد،تغريينا من خلال هذا القول الشعري، أن نطلّق الصمت،ونهشّم أنياب خلوتنا بحضور شهرزاد القصيدة والملاذ،علّنا نسرق منّا لأنفسنا المجهدة مكابدة ساديتها، صيدا ثمينا سميّه الفرحة مهما تك صغيرة وربما مزدراة.
طوبى لك يا نورس» أولاد عبو» بكهذه شهرزادية ليس تولد إلاّ في قلب شاعر عاشق مجنون،لا … بل هي اللسان الآخر لشهريارية سلالة القيسيّين تتقاذفهم دروب الهيام وتنكأ جراحاتهم مضارب الخذلان ،وتقهرهم كؤوس العطش دوارة مع الشوق المسافر في العيون.
شهريارية تواجه عارية سكاكين القدر، تدوّن حارثة سراب الحكاية ، تهدل بشفة تعبق بأقاحيها:
«هنا خمّارة الصعاليك النبلاء..
وهذا بعض ما استطاعته، أعين شهرزاد، تقطّر شهد الذاكرة،توقد ثلج الأنامل فتسقي عشب قلب قيس الذابل.».

*»ليل عينيك شهرزاد» ثاني إصدارات الشاعر بعد باكورته: «ليت الصمت يكفيني».
*أولاد عبو مسقط رأس الشاعر.


الكاتب : احمد الشيخاوي

  

بتاريخ : 27/09/2018