نعيد نشر الحوار/ السيرة التي سبق نشرها في فبراير 2010.
قضى الحبيب الشرقاوي ستين سنة من العمل الوطني والسياسي، منذ أن انخرط في حزب الاستقلال سنة 1950 وكان قد مضى عليه 18 سنة. وكان طبيعيا أن يلتحق بمدرسة الوطنية لأن والده رحمه لله كان أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، كما كان رحمه لله صديقا لكبار القادة الاستقلاليين وواحدا منهم .. الحبيب الشرقاوي، الذي يعرف الكثير من المناضلين أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، والرجل الامين والمتكتم، يفتح قلبه للاتحاد الاشتراكي ليرحل بنا عبر ذكرياته منذ ايام الشهيد المهدي الى مغرب الناس هذا، مرورا بسنوات الجمر وبالمعتقلات وبالاسرار السياسية … وبقضايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
– الأخ الحبيب الشرقاوي أبدأ معك من مداخلتك الأخيرة في المجلس الوطني(5/6دجنبر2009) حيث تحدثت عن الذكرى الخمسينية لتأسيس الإتحاد، بما يفيد أن تاريخ الإتحاد ليس صورا فقط، ومع ذلك كان التخليد إيجابيا. لكن بدا لك أن الطريقة التي تم بها التخليد لم تكن جيدة . سؤالي كيف يعيش الأخ الحبيب هذه الخمسينية اليوم؟
– قلت إن تخليد الذكرى كانت تخليدا ناقصا، لأن تجربة الإتحاد تجربة كبيرة، فهناك الكثير من الناس عاشوا تلك الفترة.
وكان مُهما لواستدعوا وأدلوا بشهاداتهم قي لقاءات وندوات حتى يتعرف الشباب المغربي عن تاريخ الحزب .أما تختزل الذكرى هكذا في بعض الصور فأمر غير كاف. وقبل التطرق لذكرياتي خلال 50 سنة الماضية سأشير بإيجاز لتجربتي الاستقلالية، ذلك أني ترعرعت في أسرة استقلالية. فوالدي رحمه لله، الحاج الحفيان الشرقاوي، كان من الموقعين على عريضة الاستقلال سنة 44، وقتها تعرفت على بعض الإخوة القياديين أمثال عبد الكريم الفلوس،عثمان جوريو، صالح الشرقاوي، محمد المدور، خلال اللقاءات والتجمعات التي كان ينظمها حزب الإستقلال.
– انخراطك في حزب الاستقلال، أظن أنه كان سنة 1947؟
– أنا من مواليد 1932 وعشت كما قلت أحداث 1944 والتحقت بالحزب سنة 1950.
– كان الالتحاق طبيعي، عادي؟
– كان على الملتحق أداء اليمين فقط، فاليمين حينئذ كانت له قيمة، وليس كما هو عليه اليوم حيث لحقه التزوير هو الآخر.
– وعلى يد من أديت اليمين؟
– على يد الحاج عثمان جوريو الذي توفي مؤخرا (بداية دجنبر2009).
– من قادك للانخراط في حزب الاستقلال؟
– العائلة هي التي قادتني للإنخراط. وبعد حركة الانتفاضة في 25 يناير1959 قاطعني والدي ولم يعد يتكلم معي.
– ربما كان يعتقد أن مكانك الطبيعي هو حزب الاستقلال؟
– لذلك بقي، رحمة لله عليه ،على موقفه مني إلى أن أدركته الموت سنة 1961. لقد ترك ما حدث سنة 1959، شئنا أم أبينا، أثرا نفسيا بالغا على نفسه، وتفهمت موقفه جيدا ورد فعله. ففي تلك الفترة كان الإخلاص في الانتماء السياسي .لم يكن الفرد يغير انتماءه أربع أو خمس مرات في السنة كما نشاهده الآن في الساحة السياسية.
– ماذا عن الجماعة الأولى التي بدأت العمل معها في حزب الاستقلال؟
– كنت أجتمع مع الإخوة محمد المدور ومع عبد الكريم الفلوس الذي درست على يديه، وكذلك مع صالح الشرقاوي، وهو بالمناسبة عمي وقد توفي في حادثة سقوط طائرة بحي دوار الدوم سنة 1961 . كما كنت ألتقي ببعض القادة الاستقلاليين الذين كانوا يزورون والدي في البيت، منهم السي محمد اليزيدي الملقب ببوشعيب والفقيه الغازي وكذلك الحاج أحمد بلافريج والذي كان يتردد كثيرا على بيتنا في حي مارسا، وبالطبع كان يتناول الغذاء أو العشاء مع العائلة لدرجة أن والدي كان يطلب رأيه في نوع الأطعمة التي يرغب أكلها. فكان جوابه رحمه لله: كل من دب وطار وعام. لم أكن أجالسهم دائما، ولكن عندما أجالسهم أستمع إلى أحاديثهم. والحقيقة كانت أحاديث عن الوطنية طبعت عمل الحزب في تلك الفترة، وتوج هذا العمل الوطني بالمقاومة فيما بعد بالحصول على الاستقلال. والحقيقة أن حزب الاستقلال لعب دورا مهما في توعية المغاربة وفي نشر قيم الأخلاق.
– ماهي ذكريات السي الحبيب عن سنوات الإنخراط في حزب الاستقلال؟ وعن علال الفاسي؟
– لم يسبق لي أن اجتمعت مع المرحوم علال الفاسي. لكن ما كنت أسمعه عنه من القادة الآخرين وخاصة من أصدقائه، بل ومن خصومه أيضا، أن الرجل كان دائما يسعى وبإخلاص لتحقيق الوحدة الوطنية، وحينما احتد الصراع سنة 1959 داخل الحزب كان السي علال مصمما على وحدة الحزب و مصرا على عدم تشتيته.
– وعلاقتك بالشهيد المهدي بن بركة، هل عملت معه قبل أم بعد 1959؟
– بالنسبة للشهيد المهدي فقد اشتغلت بجانبه بعد الانتفاضة. كنت أعمل موظفا بوزارة الخارجية، وطردت منها بعد إضراب 20 دجنبر1961 إذ كنت الكاتب العام للنقابة، وطرد معي مجموعة من الإخوة أذكر منهم محمد الصويري، حسن إسماعيل، مصطفى اعمارة، محمد الذهبي، عمر بلكورة،أحمد الشاوي شفاه لله، وأحمد الشرقاوي وعبد الصمد الكنفاوي رحمهما لله. وأفتح قوسين لأقول أن الحاج أحمد بلافريج هو مؤسس وزارة الخارجية وجلب لها أحسن الأطر المغربية آنذاك جعلها تنبض بالحيوية والنشاط.
ومن عايش مثلي أو اطلع على أجواء العمل بالوزارة آنذاك وقارنها بما أصبحت عليه اليوم، لا شك أنه سيشعر بإحباط كبير. طردت إذن، فطلب مني الشهيد المهدي أن أعمل في المقر المركزي للحزب بالرباط الكائن بالمامونية قرب محطة «لاستيام» .والتحقت بالمقر مع مجموعة أخرى أذكر منهم الأخ عبد الحفيظ الرفاعي والأخ محمد الجوهري والمناضل الفد عبد الواحد بنونة، اخ الشهيد محمد بنونة، كما كان يشتغل معنا من فترة إلى أخرى كل من الأخوين عبد الفتاح سباطة وعمرو العطاوي رحمهما لله.
– كيف عاش السي الحبيب أحداث 1959 وتأسيس الجامعات المتحدة لحزب الإستقلال؟
– طبعا حضرت التجمع الذي ترأسه الشهيد المهدي بن بركة في قاعة الغرفة التجارية والذي سهر على تنظيمه الإخوة: عبد الفتاح سباطة ،اعمرو العطاوي ومحمد الحيحي رحمهم لله جميعا.
كان تجمعا حاشدا على غرار التجمعات التي عقدت في جميع المدن المغربية ومن تنظيم مقاومين وغيرهم. وقد رفض المهدي رفضا باتا أن تخاض معارك مع الطرف الآخر حول المقرات الحزبية. فأول مقر عثرنا عليه كان في زنقة بيلي قرب المقر الحالي لوزارة الصحة، واتخذته اللجنة الادارية بالرباط مركز نشاطها تحت رئاسة الشهيد المهدى بن بركة، وتأطير الاخوة الطيب بنعمر والمرحوم الهاشمي بناني والذي كان يعمل كذلك في الواجهة النقابية، وإخوة آخرين كثيرون.منهم الاخ مولاي المهدي العلوي، محمد الحيحي، وهكذا بدأ النشاط الاتحادي بمدينة الرباط بعد ذلك اتخذنا بناية كانت في السابق أوطيل موجود بزنقة الصحراوي بشارع الجزاء (شارع محمد الخامس اليوم) مقرا لفرع الرباط.واسسنا مكتب الفرع مع الاخوة محمد البدراوي، الحاج ادريس بن بركة والمقاوم إدريس فرشادو والمقاوم الحاج أحمد العوفير، تشكلت النواة الأولى التي سهرت على تأسيس فرع الإتحاد الوطني بمدينة الرباط.
– الملامح الأولى لأزمة حزب الاستقلال ظهرت قبل أم بعد حكومة أحمد بلافريج؟
-الأزمة بدأت مع تنصيب حكومة الحاج أحمد بلافريج وتفاقمت بعد ذلك.
– لم يكتب لحكومة بلافريج أن تعمر طويلا وتكونت حكومة جديدة برئاسة عبد لله ابراهيم. ألم تكن هناك نية في تشكيل حكومة بقيادة علال الفاسي؟
– نعم كانت محاولة.
– غضب علال الفاسي كثيرا. أصحيح أنه كان يأمل في أن حكومة تحت قيادته من شأنها تخفيف أو تبديد الخلاف داخل الحزب؟
– نعم. ولكن لا يمنع أن بعض الخلافات كانت وراءها نزوعات ذاتية. ومن المؤكد أن هذه الذاتيات تركت أثرا عميقا في النفوس.
– تكليف الراحل علال الفاسي جاء بعد استقباله من طرف الملك. والبعض يقول أن نسف هذا التكليف جاء أيضا من القصر؟
– نعم قيل هذا الكلام كثيرا، وكان رائجا، واعتقد أن ولي العهد آنذاك لعب دورا كبيرا ليبقى الخلاف على أشده داخل حزب الاستقلال ، وهو الذي كان كذلك وراء تأسيس الحركة الشعبية في تلك الفترة.
– يناير1953 عُقد اجتماع سري فقط لبعض أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال تحت رئاسة علال الفاسي وأحمد بلفريج بهدف تغيير قوانين الحزب.معلوماتك عن هذا الاجتماع؟
– ليس لدي معلومات في الموضوع.
– يوم 25 يناير1959 أعلنت الانتفاضة باسم الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال. باعتقادك هل كانت انتفاضة ضد بعض قادة حزب الاستقلال أم أن نية الانفصال عنه كانت المحرك الأساس؟
-لا أنفي وجود بعض الممارسات لبعض القيادات. لكن في الوقت نفسه، أتذكر تصريحا أدلى به المهدي بن بركة لجريدة لوموند الفرنسية عن الانتفاضة، أحد عناوينه البارزة تقول: (إنها موجة عميقة لقلب الهياكل العتيقة داخل حزب الاستقلال تتجاوز الأشخاص ومن بعيد). معناه أن المسألة ليست مرتبطة بأشخاص ولكن بخط سياسي.
– هل كانت هناك مساعي حميدة لتوحيد الرؤيا ورأب التصدع؟
-أعتقد أن الأستاذ المناضل أبو بكر القادري، أطال لله في عمره، هو القادر على الإجابة عن هذا السؤال.
– وماذا عن عبد الرحيم بوعبيد الذي لم يكن متحمسا لما يجري؟
– فعلا عبد الرحيم لم يكن متحمسا لجهة الانفصال ولم يلتحق بالانتفاضة إلا بعد 25 يناير1959 .
– وهل أعلن موقفه صراحة وعلنا؟
– تماما. فقد عبر عن رأيه بعد الانتفاضة خلال التجمعات الحزبية.
– يوم 24 دجنبر1958 تشكلت حكومة عبد لله ابراهيم، كيف عشت الحدث، وماذا عن دور عبد الرحيم بوعبيد في هذه الحكومة؟
– لقد لعب عبد الرحيم بوعبيد دورا كبيرا كوزير للاقتصاد والمالية رغم العراقيل التي كانت موجودة حينها. وتجلى عمله في عدة مشاريع اقتصادية ومالية وإحداث عدة مؤسسات اقتصادية.
– في فاتح مارس 1959 عقدت الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال ندوة وطنية انبثقت عنها كتابة عامة مكونة من خمسة أفراد، محمد البصري كاتبا سياسيا، المهدي بن بركة كاتبا في التنظيم، عبد الرحمان اليوسفي كاتبا مكلفا بالدعاية والأنباء، الدكتور بلمختار أمينا للمال والحسين أحجبى محافظا للوثائق. ألم يلاحظ غياب اسم أي وزير ضمن هذه التشكيلة ..
– كانت كتابة عامة، لكن مؤقتة.
– أسماء البصري، بن بركة، اليوسفي كانت معروفة لدى الناس. من يكون الدكتور بلمختار؟
– لم يسبق لي أن تعرفت عليه و لا أدري من أتى به.
– وبالنسبة لمحافظ الوثائق الحسين أحجبي؟
– الحسين أحجبي كان يمثل الاتحاد المغربي للشغل، أي المحجوب بن صديق.
– صحيح أنه وجهت دعوة لجميع الأحزاب للانضمام إلى التنظيم الجديد، وهل تتذكر بعض الأسماء التي استجابت؟
– بالفعل وجهت تلك الدعوة، وانضمت عناصر كان أبرزهم عبد لله الصنهاجي، أحمد بنسودة وعبد الهادي بوطالب وآخرون.
وكان المهدي بن بركة يرمي من وراء ذلك جمع أكبر عدد الوجوه السياسية.
– الملاحظ أن هذه العناصر الوافدة من أحزاب أخرى لم تبق طويلا في الإتحاد الوطني؟
– بكل تأكيد. فطبيعي أن يكون أمرهم كذلك. فمثلا السيدان عبد الهادي بوطالب وأحمد بنسودة كان يصعب عليهما الاستمرار في العمل في صفوف الاتحاد، أضف إلى ذلك الضغوط التي مورست عليهما من أعلى هرم النظام.
– وماذا عن تنظيم الحزب آنذاك؟
– سوف أتكلم عن تنظيم الرباط. كانت هناك فروع عديدة يلتئم كتابها في اطار اللجنة التنظيمية لإقليم الرباط. وكانت كل الاجتماعات تمر في جو من الحماس والجدية وفي غياب الذاتية.
وكان للمهدي دور كبير داخل تنظيمات الرباط والذي كان حريصا على حضور اجتماعاتها وترأسها، فقد كانت له قدرة كبيرة على الحركة. غالبا ما يترأس اجتماعا بالرباط وبعد الظهر يؤطر أربعة أو خمسة اجتماعات في عدة أقاليم وفي نفس اليوم.
– وعلى الصعيد الوطني كان المناضلون يعملون في جماعات حزبية في الأحياء وكذا في تنظيمات قطاعية داخل الاتحاد المغربي للشغل؟
– تماما. وكان التنسيق بين التنظيم الحزبي والنقابي يتم عبر خلايا الموظفين. مثلا كمسؤول في الفرع كنت أتصل بالعديد من القطاعات في الوظيفة العمومية، المالية، المعادن الاشغال العمومية …
– في إطار التسلسل الزمني، ويوم 13 مارس1959 تقدم المرحومان علال الفاسي وأحمد بلافريج برفع دعوى قضائية لدى محكمة الدار البيضاء لمنع الجامعات المتحدة من حمل اسم «حزب الاستقلال».ما مصير تلك الدعوة؟
– لم يصدر أي حكم في تلك القضية، وتسارعت وتيرة الأحداث وأسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. في الشهر الموالي عقدت الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال تجمعات حاشدة في أرجاء البلاد يوم 5 أبريل 1959 ورفعت خلاصات وتوصيات تلك التجمعات في شكل ملتمس إلى الملك محمد الخامس.هل كان رد أو جواب من قبل الملك؟ لم يصدر أي رد فعل من الملك. وأرى أن الأمر طبيعي للدور الذي كان يقوم به ولي العهد.
– هل كان هناك شعور لديك ولدى المناضلين أن الملك يتعاطف مع المنتفضين؟
– ساد هذا اعتقاد بين الناس. مواكبة لما كتبته جريدة التحرير حينها، جاء في أحد عناوينها أن هذا الاتحاد الوطني يحظى بثقة الملك والشعب، لأنه جاء استجابة لإرادتيهما. هل كان هذا الشعور لدى المناضلين والمواطنين؟ نعم لم يكن هذا الأمر مستبعدا. رفع شعار «لا حزبية بعد اليوم».
– هل يعني أن لا انتماء لحزب الاستقلال باعتبار أن أعضاء حزب الاستقلال كانوا يسمون أنفسهم بالحزبيين؟
– لاأظن ذلك. يحكى أن عبد الرحيم بوعبيد سأل مرة المهدي بن بركة عن رفعه لذلك الشعار في نفس الوقت الذي يؤسس فيه حزبا. ما حكي غير صحيح.
– كيف تم اختيار اسم «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»؟
– (ضاحكا) لماذا؟ ألا يعجبك هذا الاسم؟
لقد تقدم مجموعة من الإخوة بعدة اقتراحات واستقر الأمر في النهاية على الإتحاد الوطني للقوات الشعبية.
– هل تذكر بعض المقترحات؟ بالتدقيق؟
– لا أتذكرها.
– انطلق الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، كيف عشت أجواء المؤتمر التأسيسي؟
– عقد المؤتمر التأسيسي في شتنبر1959 بالدار البيضاء، لم أحضره، لكن تابعت أشغاله حيث كنت ساهرا على المداومة بمقر الحزب. عبد الرحيم بوعبيد التحق بالانتفاضة وحضر المؤتمر التأسيسي.
-هل تم إقناعه. مثلا من طرف المهدي بن بركة؟
عندما اقتنع عبد الرحيم التحق بالانتفاضة. ذكر أن العلامة مولاي محمد بن العربي العلوي، المستشار بمجلس التاج، كانت له علاقة جيدة مع الملك محمد الخامس،
– هل لعب دورا ما بين الملك وقيادة الجامعات المتحدة؟
– نعم لعب بن العربي العلوي رحمه لله، دورا هاما بين الطرفين.
وعلاقاته المتميزة بالملك محمد الخامس لم تمنعه من تقديم استقالته من مجلس التاج مباشرة بعد اعتقال اليوسفي والبصري ومحاكمة جريدة التحرير سنة 1959 على إثر نشر افتتاحية عنوانها: الحكومة مسؤولة أمام الشعب، كل ذلك أياما قبل إقالة حكومة عبد لله إبراهيم.
– ما هي ذكرياتك عن مولاي العربي العلوي؟
– بما أن منزله كان قريبا من منزلنا، كنت أزوره أحيانا. فالعلامة والمناضل كان بسيطا في حياته ، خفيف الروح وصاحب نكتة أيضا.
رحمة لله عليه.
– وذكرياتك عن الأستاذ عبد لله ابراهيم؟
– سأحكي لك واقعة. كنت أعمل بوزارة الخارجية وكانت ترد عليها كل الصحف إلا جريدة التحرير. فطلبت من الإخوان أن يزودوني بعشرين أو ثلاثين نسخة، أقوم بعد ذلك بتوزيعها على رؤساء الأقسام بالوزارة وعلى بعض الموظفين. بُلغ عبد لله إبراهيم بذلك، وكان حينها وزيرا للخارجية، واستدعاني إلى مكتبه واستفسرني عما قمت به.
فقلت ما بُلغت به صحيح، لكن لا أدري سبب عدم وجود جريدة التحرير من بين الجرائد التي ترد على الوزارة. فكان رده أن علي أن أتوقف عن تكرار مثل هذا العمل.
بطبيعة الحال، لم أتوقف عن توزيع الجريدة داخل الوزارة. ولم يتم استدعائي من طرفه مرة أخرى.
– متى التحقت بالعمل في وزارة الخارجية؟ ستة أشهر بعد تأسيسها. فالوزارة أسست في شهر أبريل 1956 والتحقت بالعمل فيها في شهر نونبر من نفس السنة. كيف تم هذا الاختيار؟ وهل لوالدك دور؟
– كما أسلفت كانت تجمع بين والدي والسيد أحمد بلافريج علاقة صداقة متينة، من المؤكد أن تأثيرها كان واضحا. وبمجرد ما أن فاتح والدي صديقه في أمري، أرسل في طلبي وألحقني بالوزارة التي، كما أسلفت، كانت تضم أطرا مغربية من المستوى العالي جدا، أذكر من بينهم الأستاذ أمحمد بوستة الذي كان يشغل منصب مدير الديوان ،محمد الجعيدي الذي كان رئيسا للديوان، المهدي زنطار، السنوسي، مولاي أحمد الشرقاوي، مولاي أحمد العراقي ،الأمين بنجلون، عبد اللطيف الفيلالي المشرف على القسم القانوني ..
– كيف كانت تتحرك وزارة الخارجية في ذلك الوقت؟
– رغم صعوبات البداية كان عمل وتحرك الوزارة في المستوى. وأكرر مرة أخرى أن الفضل يرجع للأخ أحمد بلافريج الذي يمكن القول أنه طبعها بطابع خاص. فقد كان دبلوماسيا محنكا. هذه هي الحقيقة.
– هل التقيت به في إطار عملك بوزارة الخارجية؟
– لا ولكن كنت دائم الزيارة لبيته.
– ومع عبد لله ابراهيم؟
– باستثناء اللقاء الذي جمعني به عندما استدعاني في قضية توزيع الجريدة.لكن كنت التقي به خارج إطار العمل وأحيانا بمقر الحزب.
– بعد إضراب 1961 طردت ومعك آخرون من العمل. ماذا فعلت؟
– كنت ألتقي مع بعض الإخوة المطرودين مثلي من الوزارة. وكان همنا وضعية الأعوان الذين شملهم الطرد.
فالمساعدات التي كنا نجمعها لهم لم تكن كافية. وبصفتي الكاتب العام للنقابة توجهت مع المكتب النقابي لمقابلة الكاتب العام، المحجوب بن الصديق بالدار البيضاء. واستقبلنا بمكتبه بمقر الاتحاد المغربي للشغل وشرحنا له موضوع الزيارة.
فرد علينا قائلا (أنتم الموظفون من بينكم من يغير بذلته ثلاث مرات في اليوم وتقومون بالإضراب؟ أنا لا يهمني هذا الأمر. أنا قاعد بالطابق السابع). بعد الإضراب، وباستثناء السند الحزبي، لم نجد أي سند من النقابة إلا من طرف المناضل الهاشمي بناني رحمه لله، والذي آزرنا بقوة وسيؤدي غاليا ثمن مساعدته لنا، إذ تكلف الجهاز النقابي بتسخير مجموعة للاعتداء عليه ليلا وأمام منزله،ونجا من موت محقق بفضل أضواء سيارة تقودها فرنسية كانت تمر بالقرب من مكان الاعتداء. فر المعتدون وتركوه في حالة يرثى لها.
– منذ إضراب 1961 لم يعد أي وجود لأي تنظيم نقابي بالوزارة؟ نهائيا. هل مورست عليكم ضغوط قبل تنفيذ الإضراب؟
– مورست علينا ضغوط من طرف الكاتب العام للوزارة وكذلك من طرف كاتب الدولة في الخارجية السيد العربي العلمي. لقد خضنا إضرابا فقط للمطالبة بقانون أساسي لموظفي وزارة الخارجية، وتم طرد العديد من الموظفين، بعضهم أرجع لعمله لما عاد أحمد بلافريج للوزارة. في هذا الصدد أتذكر أن الحسن الثاني زار مقر الوزارة بعد الاضراب حيث وعد العاملين بها بصياغة قانون أساسي مادام هو مطلبهم، ثم التفت إلى عبد السلام حجي والذي رجع لوظيفته بعد أن كان قد شارك في الإضراب وطرد – مخاطبا إياه: (إيوا، السي عبد السلام، كيف جاتك الخدمة مع الحكم الفردي؟)
– بالنسبة لعلاقاتك واتصالاتك مع أعضاء القيادة هل كانت سهلة، سلسة..؟
– قلت سابقا كانت لي اتصالات عديدة مع الشهيد المهدي بن بركة في ذلك الوقت، أما مع عبد الرحمان اليوسفي فقد توطدت العلاقة بيننا بعد خروجنا من السجن، إذ شاركنا نفس المعتقل بالمعاريف بالدارالبيضاء عام 1963.
– وبعد خروجه من السجن لم نكن نفترق إلا نادرا حيث كان يزورني باستمرار في منزلنا بحي مارسا. لماذا اعتقلت؟ وكيف كانت ظروف الاعتقال؟
– الاجتماع قوات الأمن بقيادة السفاح علي بن قاسم الذي هدد بتكسير باب المقر إذا لم نُسلم أنفسنا. خرجنا، وامتطينا سيارات الشرطة الواحد تلو الآخر ثم نقلنا جميعا إلى مقر الاعتقال. الغريب في الأمر أن الشهيد عمر بنجلون، بادر فاصطحب معه صحفيا من وكالة رويتر للأنباء الذي كان حاضرا معنا، متابعا لأشغال اجتماع اللجنة المركزية، ولولا هذه المبادرة لكانت التهمة الموجهة للمجتمعين أكبر وأخطر.
فمخطط البوليس، المعد سلفا قبل الهجوم، كان عبارة عن سيناريو محبوك يقضي الإتيانَ بأسلحة نارية وإخراجنا من المقر مع تلك الأسلحة.
حضور ذلك الصحفي أنقذنا من ذلك المخطط الجهنمي. نقل المجتمعون إذن إلى مركز الشرطة بالمعاريف، من بينهم عبد الرحمان اليوسفي، وكذلك عبد الرحيم بوعبيد الذي أفرج عنه بعد نصف ساعة. ودام اعتقالنا بالضبط شهرا وخمسة أيام، تم عزل عبد الرحمان عن بقية المعتقلين التي كانت تضم العديد من وجوه المقاومة المعروفين أمثال العربي الفكيكي، إبراهيم تروست، الحبيب الفرقاني .. كذلك اعتقل الإخوة محمد اليازغي، عابد الجابري، محمد بنسعيد والأستاذ حميد كريم الذي كان المسؤول على إدارة الحزب بمقر الكتابة العامة.
– على ذكر المقاومين، شهدت السنوات الأولى بعد الاستقلال تصفيات وإعدامات في حق بعضهم؟
– أقول المسؤول الأول عن كل تلك التصفيات والإعدامات هما: الجهاز البوليسي والمخابرات وقد ذهب ضحية تلك التصفيات الجسدية عدد من المقاومين رحمهم لله. بالمناسبة، عندما تولى محمد الغزاوي، مديرية الأمن الوطني، عمل على ضم عدد من المقاومين للعمل في الأجهزة الأمنية، فمثلا الشخص الذي كان يقودنا من وكر الاعتقال إلى قبو التعذيب بدرب مولاي الشريف لم يكن سوى المتنبي الذي كان مقاوما معروفا.
– وماذا عن المقاوم عباس لمساعدي وما كان يروج لحظة اغتياله؟
– شخصيا تحدثت مع العديد من المقاومين الذين عايشوا الحدث عن كثب، وأكدوا لي أن لا علاقة للمهدي بن بركة بذلك الاغتيال. كما أكدوا أن تصفيته تمت من قبل الجهاز البوليسي والمخابرات، عملا على تسخير المقاوم كريم حجاج وإغرائه بالحصول على عدة امتيازات، وذلك لاغتيال المقاوم الفذ عباس لمساعدي. الجذير بالذكر أيضا، ولطمس حقيقة ما جرى، قام الجهاز البوليسي بعد ذلك بتصفية كريم حجاج. فالمقاوم لمساعدي رفض اتفاقيات «إيكس ليبان» وكان يصر أن لا مفاوضات إلا بالتحرير الكامل للمغرب.
فتمت تصفيته وروجت دعاية كاذبة للتغطية عن تلك الجريمة الشنيعة.
– ماذا عن انتخابات سنة1960؟
– أجريت انتخابات بلدية وقروية قبل إقالة حكومة عبد لله ابراهيم، وللحقيقة فقد كانت انتخابات نزيهة وحصل الإتحاد الوطني على رئاسة مجالس الكثير منها، والشأن نفسه بالنسبة للغرف المهنية، حيت فاز برئاسة غرفة الدار البيضاء الأخ محمد منصور، شفاه الله، وفاز السليماني بالرئاسة في الرباط الخ..
-كيف عشت تلك اللحظة؟
– سأروي لك قصة، ذلك أن أحد الفضوليين ذهب عند والدي وقال له: إن ابنك يرقص فرحا بمقرالاتحاد.حقيقة كنت بالمقر ولم أكن أرقص، لكن فرح الاتحاديين كان قويا وكبيرا.
– حين تمت إقالة حكومة عبد لله ابراهيم هل أعطي تفسير أو أسباب لذلك؟
– قيل إن الحكومة كانت جد مقربة من الملك محمد الخامس وأن ولي العهد لم يكن مرتاحا لذلك التقارب فقط، بل كان يعد العدة للإطاحة بتلك الحكومة.
– بعدما طردت من الوظيفة، بلا شك وقع انقلاب في حياتك، هل تفرغت كليا للعمل الحزبي وكيف التحقت بإدارة الحزب؟
– سبق وأن ذكرت، طردت وبقيت شهورا بدون عمل، والشهيد المهدي بن بركة هو الذي اقترح علي العمل بإدارة الحزب. لكن قبل ذلك، ذهبت مع بعض الإخوة المطرودين للبحث عن عمل بالدار البيضاء ووجدناه، فعملنا بمدرسة لحلو والتي كان يديرها عبد القادر الصحراوي رحمه لله،وعينت بادارة المدرسة ،وكان من بين العاملين أساتذة شملهم الطرد أيضا. بعد ثلاثة أشهر من العمل لم نتوصل بأجورنا، خضنا إضرابا آخر وطردنا مرة ثانية. في هذا الصدد، من واجبي أن أنوه بالدور التي لعبته زوجتي، لآلة مليكة، التي لم تكتف بمشاركتي محن الطرد ومخلفاته المادية والنفسية فقط، بل كان لقدرتها الكبيرة على الصبر والثبات الأثر الكبير على نفسي، مكنتنا من تجاوز الكثير من العقبات ومن تكسير العديد من عوامل الإحباط، ومكنتنا أخيرا من تجاوز تلك المرحلة الصعبة وظروفها بأقل الخسائر.
– هل بدأ الخلاف داخل الإتحاد الوطني سنة 1961؟
– صحيح، وتأجج بعد ذلك.
– وماذا عن حكاية اغتيال ولي العهد؟
– كان ذلك سنة 1960. وأتذكر أن الأخ محمد منصور، شفاه لله، كان متوجها من البيضاء إلى الرباط، فإذا بأربع سيارات تحاصره من كل جانب، وتم نقله مباشرة إلى مكتب محمد لغزاوي مدير الأمن الوطني، وبمجرد أن لمح الأخ منصور فاجأه قائلا: ما هذا السي محمد؟ تريدون قتل ولي العهد؟ ضحك الأخ منصور ردا على ما سمعه. والحقيقة أن الحكاية افتعلت ومؤامرة محبوكة من طرف النظام.
وكانت مناسبة أخرى لتصفية أربع مقاومين كبار منهم المقاوم الزناكي، حمو الفاخري…، الذين اعدموا ليلة صدور العفو العام في حق محمد البصري،عمر بنجلون ومومن الديوري وباقي المعتقلين.
– ما وقع سنة 1963 أكان مؤامرة أخرى على الإتحاد الوطني؟
– أنا أرفض رفضا باتا مقولة المؤامرة المزعومة سنة 63 ولأقول، بل نعم كانت هناك أسلحة وخطط للمؤامرة.. لكن لم يكتب لها النجاح.
– يقول حميد برادة أن الفقيه محمد البصري كان يعد لعمل مسلح دون علم من المهدي بن بركة؟
– حميد برادة قال كذلك أن الفقيه البصري كلفه باغتيال الحسن الثاني كأنه كان ينام بجانبه
– وعن الفاتورة التي أداها الاتحاديون جراء هذه المحاولة؟
– لقد أدى الحزب ثمنا مرتفعا. تم اعتقال عدد كبير، وأعدم الكثير وتشردت عائلات عديدة.. في هذا الصدد،ما يؤلمني كثيرا، أن بعض الإخوة سامحهم الله كانوا بجانب الفقيه البصري، عاشوا وشاركوا في تلك الأحداث وبعد ذلك انتقدوه، وهو شيء محزن حقا. بالمقابل أتذكر أن الوحيد الذي قام فيما بعد، بنقد ذاتي حول تلك الأحداث وأمام أعضاء المكتب السياسي هو الأخ محمد الحبيب الفرقاني رحمه لله، وصرح أنه في تلك الفترة بدا لنا أنه الطريق الوحيد الذي يمكن السير فيه وسرنا فيه. لكن تبين لنا فيما بعد أننا كنا على خطأ.
– تتذكر بلا شك موقف الحزب من دستور1962؟
– قاطعناه كحزب.
– وماذا عن التعبئة لذلك؟
– كانت التعبئة شاملة وكبيرة.
– قبل اتخاذ قرار مقاطعة الدستور، هل سبقته اقتراحات أو اقتراح بدائل أخرى؟
– في الحقيقة اجتمعت القيادة وصاغت القرار الذي يجب اتخاذه ثم عرضته على القواعد الحزبية التي استجابت لهذا القرار.
فكانت تلك التجمعات كبيرة وحاشدة أيام الحملة، وأتذكر الأجواء التي مر بها ذلك التجمع بالرباط والذي ترأسه عبد لله إبراهيم الذي كتب افتتاحية بالجريدة ما زالت صالحة لحد الساعة والتي اختار لها كعنوان: المغرب خارج القانون.
– سنعود بك قليلا إلى الوراء. كان محمد الخامس يحظى بتقدير واحترام خاص من لدن المغاربة لمواقفه ، كيف عشت الأجواء المصاحبة لخبر وفاة الملك يوم 26 فبراير1961؟
– لا أخفيك أن كل المغاربة تأثروا لموت محمد الخامس وبدون استثناء، لا سيما وأن موته جاء مباغتا وظروف موته كانت غريبة ، ذلك أن العملية التي أجريت له كانت بسيطة.
أصبح ولي العهد ملكا بعد وفاة والده. وفي 13 مارس1961 قدم وفد اتحادي برئاسة عبد الرحمان اليوسفي، مذكرة للملك الجديد. الملاحظ أنها تحمل توقيع عبد الرحمان اليوسفي.
المذكرة وقعها الأخ عبد الرحمان اليوسفي بلا شك نظرا لغياب القادة الآخرين. وهنا أذكر قصة لا يعرفها إلا قلة من الناس.صادف يوم وفاة محمد الخامس أن كان المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي العلوي بفرنسا، وبينما هم يتحدثون عن الأوضاع في المغرب على متن سيارة يقودها الأخ المهدي العلوي، قال لهما عبد الرحيم: المصيبة هي أن يموت محمد الخامس. بعد ساعات كان نص البلاغ الذي ينعي فيه موت الملك بين أيديهم.
– ما رد القصر على مذكرة الاتحاد الوطني؟
– لا شيء.
سنة بعد رفع المذكرة الاتحادية، صرح الملك لراديو بلجيكا أن لا شيء لدى المعارضة قوله لي.
جواب عبد الرحمان اليوسفي جاء في جريدة التحرير تحت عنوان بارز: هذا ما قلناه للحسن الثاني وها هي مقترحات المعارضة. ثم أعاد نشر المذكرة من جديد.
– إذن كان تجاهل مطلق لمذكرة الاتحاديين؟
– بالفعل لأنه في تلك السنة كان الحسن الثاني قد مسك بكل مقاليد الحكم ووضعها بين يديه بدون أي منازع.
– إلى حدود هذا التاريخ، هل كانت هنا اتصالات سرية بين الملك وقادة الاتحاد؟
– حينها لم تكن هناك أي اتصالات.
– في هذه الفترة، هل كان هناك نقاش حول البدائل غير شعار أن هذا النظام لا يستقيم إلا بزواله..؟
– منذ 1961 كانت اللغة الاتحادية عنيفة، وأتذكر أنه بعد إضراب 1961 كتب في أحد المانشيتات: الحكم المطلق يخرج عن طور رشده، وغيرها من العناوين البارزة. بالمناسبة وفي تلك الحقبة كنت جالسا مع الأخ محمد اليازغي وبمنزله، فدخل علينا والده رحمه لله، وكان موظفا بسيطا في وزارة العدل، والتفت إلى السي محمد متسائلا: يا ولدي هل ما تكتبونه في الجريدة وراءه «شي حاجة»؟ أجابه ولده: نعم فلدينا رصيد ودعم من الشعب المغربي. دقق الأب سؤاله أكثر: لا…. هل هناك «شي صح»؟. كان الجواب سلبيا، فتوجه إلينا السائل مخاطبا: إنكم تسودون قلوب الناس. وانصرف.
– حضرت أشغال المؤتمر الثاني للحزب سنة 1962 وبأي صفة؟ باسم فرع الرباط؟
– حضرت المؤتمر بصفتي مسؤولا في إدارة الحزب.
– هل تمت الإشارة لظروف إقالة حكومة عبد لله إبراهيم في ذلك المؤتمر؟
– لم يتم التطرق لذلك.
– نعود من جديد لتقرير المهدي بن بركة، الاختيار الثوري؟
– حضر المهدي المؤتمر الثاني الذي انعقدت أشغاله بالدار البيضاء وترأسه مولاي العربي العلوي، المهدي بن بركة لم يقدم تقريره، بل قدم بديلا عنه التقرير التنظيمي. بطبيعة الحال الجناح النقابي كان وراء تغييب تقرير الاختيار الثوري من وثائق المؤتمر.
– هل كرس المؤتمر الثاني الخلاف داخل الحزب؟
– أكثر من ذلك تفاقم الخلاف. فعبد لله إبراهيم كان ساخطا على ما وقع سنة 1963 وعبر عن ذلك علانية. شخصيا، وبعد خروجنا من الاعتقال اقترح علي صديقي محمد الصويري، أن أقضي بعض الأيام على الشاطئ. صادفت ذات صباح، عبد لله إبراهيم وهو يتريض، وبعد تبادل السلام، فاتحته في موضوع الاعتقالات التي كانت لا زالت مستمرة حتى الساعة. جوابه كان (أنا أشتغل في الوضوح) وأكمل طريقه.
– كيف عشتم أيام الاعتقال سنة 1963؟
– كانت فيه غرائب. أذكر وقد مرت يومان كاملان على الاعتقال قال لي الأخ محمد بنسعيد المحامي، علينا أن نطلب مقابلة الدفزيونير. قلت له لماذا؟ قال مرت 48 ساعة القانونية على اعتقالنا. أجبته هل تعتقد أنك في الدنمارك. وإذا أردت أن تمكث هنا سنتين فعليك أن تقابل الدفزيونير وحدك.
– من كان معكما أيضا؟
– كان بجانبي في الزنزانة الأخ اليازغي، وعبد الحميد كريم الذي سيتولى وزارة السياحة فيما بعد، وكان ينام بجانبي.
والزنزانة كانت عبارة عن قاعة كبيرة ضمت مجموعة كبيرة من المناضلين. في الأخير نقلنا من المعاريف إلى درب مولاي الشريف، وهناك كان التعذيب .. في لحظة ما فقدت الوعي وأرجعوني لكوميسارية المعاريف. أمام حالتي تلك بدأ الأخ اليازغي في الاحتجاج والصراخ ،فنودي على سيارة إسعاف لتحملني إلى المستشفى. كان هناك تعذيب. لكن تعذيب 1973 كان أكثر وأشد من التعذيب الذي تعرضنا له سنة 1963 . وقد نال نواب اتحاديون نصيبهم من التعذيب كذلك، من بينهم مولاي المهدي العلوي، عبد الواحد الراضي ومحمد منصور.
– شارك الاتحاد في الانتخابات التشريعية سنة 1963 بعدما قاطع دستور1962 . كيف نُظمت الحملة الانتخابية؟
– المهدي كان هو المشرف عليها، واشتغلت أنا والمرحوم إبراهيم النظيفي بمركز الحزب على تنظيم الحملة الانتخابية على المستوى الوطني. وأتذكر هنا أن المهدي سلم لنا 14 مليون سنتيم، وبهذا المبلغ فقط نظمت الحملة الانتخابية على الصعيد الوطني ،وكانت النتيجة فريق برلماني، الحق يقال أنه لعب دورا رياديا توج بتقديمه ملتمس الرقابة. وكان لي الشرف لحضور اجتماعات فريق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمجلس النواب، التي كان يترأسها الاخ عبد الرحمان اليوسفي والمرحوم المقاوم حسن صفي الدين.
– وعن الأجواء التي مرت فيها الحملة الانتخابية؟
– التعبئة كانت على صعيد المغرب بأسره. فالمقاهي كانت تغص بالمواطنين لمتابعة مراحل الحملة، وشاركت جماهير حاشدة في التجمعات التي عقدت بالمناسبة.
أثناء الحملة، استعمل الاتحاد وسيلة جديدة في الدعاية عبارة عن اسطوانة سجل عليها شعارات الحزب وخلف صوت القارئ لتلك الشعارات يسمع نشيد ملحن يبتدئ بـ: لله أكبر على كل معتد.. ويختم بـ:قولوا معي لله أكبر على كل معتد.
– ما قصة هذا النشيد؟
– لا أعرف من أتى بهذا النشيد، فقد كان الأخ بوجندار رحمه لله هو المسؤول على الجانب الدعائي.
– بعد حملة الاعتقالات والمحاكمات سنة1963 توجه عدد كبير من المناضلين للجزائر؟
– نعم أعداد كبيرة قررت أن تغادر المغرب.
– هل راودتك للحظة فكرة مغادرة المغرب؟
– لا أبدا.
p أو فاتحك أحد في شأنها؟
nn لا أبدا.
-انضاف المغادرون للمغرب إلى أعداد الاتحاديين الذين كانوا يتابعون دراستهم في فرنسا، الجزائر، مصر وسوريا..وجود كل هؤلاء في الخارج، هل سيكون له وقع على الاتحاد الوطني فيما بعد؟
— بكل تأكيد.
ظهرت نتائج الانتخابات التشريعية إذن… نعم وحصل الاتحاد على 28 مقعدا بالبرلمان رغم القمع والرعب ورغم وجود مناضلين كثيرين في السجون، ولولا ذلك لحصل الاتحاد على أكثر من 28 مقعدا. أثناء الحملة بدا أن هناك مدا واسعا وحقيقيا للإتحاد، وتعاطفا كبيرا وملموسا من الشعب المغربي. فمثلا كانت هناك معارضة قوية ضد ترشيح شخص في سيدي يحيى الغرب خوفا من عدم تصويت السكان على الاتحاد ، فخاطبنا الشهيد المهدي قائلا:إذا رشحت قطا في هذه الدائرة فسيفوز الاتحاد بهذه الدائرة الانتخابية. والحق كان للحزب رصيد شعبي كبير، تبدد وضاع فيما بعد للأسف الشديد. .
– تذكر أسماء بعض النواب الفائزين؟
— الدكتور عبد اللطيف بنجلون الذي أصبح رئيسا للفريق الاتحادي، عبد الواحد الراضي، أيضا المقاوم بن الظاهر عن مدينة الدار البيضاء.محمد منصور، عبد الرحيم بوعبيد، عباس القباج، محمدالتبر، عبد القادر الصحراوي وآخرون..
– وبالنسبة لحزب الاستقلال؟
-كذلك كان له فريق بالبرلمان بقيادة عبد الخالق الطريس رحمه لله.
– هل كان هناك تنسيق بين الفرقين؟
– نعم كان هناك تنسيق بينهما.
– بقي مناضلون آخرون في السجون .من كان له الدور البارز في المحاكمات؟
– نعم فالمحاكمات كان قد بدأت وصدر حكم الإعدام في حق الفقيه البصري، الشهيد المهدي بن بركة، عمر بنجلون، مومن الديوري وفي غيرهم أيضا. وكان الدور البارز في المحاكمات للمحامين من بينهم عبد الرحيم بوعبيد، عبد الكريم بنجلون، محمد التبر والمعطي بوعبيد.
– أثناء التحقيق والمحاكمة سُألتم عن الفقيه البصري، عن السلاح، عن التمويل؟
– تركز الاستنطاق أساسا حول السلاح ومصادر التمويل..
– واتهمتم بالتعامل مع دولة أجنبية كذلك؟
– نعم.
– هل سُجن الفقيه البصري معكم في مكان واحد؟
– لا الفقيه محمد البصري اعتقل بعد اعتقالنا وبالصدفة .ذلك أن شرطيا رأى الفقيه يمزق بعض الأوراق في الشارع، فأثار انتباهه وشك في أمره دون أن يتعرف عليه. ثم اقتاده إلى الكومسارية وهنا فقط تم التعرف على أن المقبوض عليه هو الفقيه محمد البصري.
– كيف كانت علاقتك بالفقيه البصري؟
– الحقيقة كانت لمحمد البصري قوة جذب هائلة.
– هل حاول استمالتك لجانبه؟
– حاول ذلك لكن بدون جدوى. كان يعتقد رحمه لله أن ما يفكر فيه سيتم بسهولة والحال أن الكيفية التي اشتغل بها ومع لن تؤدي إلا إلى الفشل.
– توطدت علاقتك مع عبد الرحمان اليوسفي بعد الخروج من السجن؟
– نعم ابتداء من تلك الفترة.
– رأي عبد الرحمان اليوسفي في الفقيه البصري؟
– كان لعبد الرحمان اليوسفي إحساس شديد أن محمد البصري وعمر بنجلون ومومن الديوري سيتم إعدامهم.وقد سيطر عليه هذا الشعور أياما عديدة ولم يعد يفكر إلا في هذا الأمر.
– هل قاسمك هذا الشعور؟
– ذات مرة عبر لي عن خوفه الكبير أن يعدم الثلاثة.ولم يهدأ باله إلا بعد صدور العفو عنهم. ولما غادر الثلاثة السجن تم استقبالهم بمنزلنا بحي مارسا.
– ماذا تتذكر عن محاولة اغتيال المهدي بن بركة سنة 1962؟
– المهدي بن بركة رفقة الأخ المهدي العلوي كانا متوجهين على متن سيارة إلى الدار البيضاء، وفي الطريق اقتربت سيارة أخذت تزاحم سيارتهما وتدفع بها إلى حافة الطريق.
– كيف قرأ المناضلون تلك الحادثة؟
– أنها محاولة تصفية المهدي بن بركة. انقلبت السيارة عدة مرات، وأصيب الراكبون بجروح ورضوض.
-قبل هذه المحاولة، هل كان المهدي مراقبا أومتابعا؟
– دائما وباستمرار، كان مراقبا ومتابعا من طرف الجهاز الأمني، وكنا نشاهد يوميا عناصر الأمن أمام منزل الفقيد المهدي بحي ديور الجامع بالرباط.
– بعد ذلك قرر المهدي بنبركة مغادرة البلاد. قبل أن يسافر، هل اتصل بك وأنت في إدارة الحزب؟
– غادر المهدي المغرب بالضبط في يونيو1963 ، وقبل ذلك التقى بنا في إدارة الحزب وأعطى توجيهاته فيما ينبغي القيام به كإدارة. وأخبرنا أنه سيسافر. وشهرا بعد مغادرة بن بركة بدأت حملة اعتقالات واسعة ومن جديد.
– عندما كان بالمنفى، هل كان يتصل بكم؟
nn لا لم يكن يتصل.
p لماذا؟ لأسباب مادية أم قرار منه؟
nn لا، في الخارج كانت له اهتمامات أخرى، وكان دائم التنقل.
– ألم تلتق به في الخارج؟
– لن أكذب عليك. لم أسافر إلى الخارج ولم أتعرف على باريس إلا سنة 1976 .
– كيف تلقيت نبأ اختطاف الشهيد المهدي بن بركة، وأين كنت ذلك اليوم؟
– كنت بمقر الحزب واتصل بي الأخ عبد الواحد الراضي الذي كان أول من أخبرني أن المهدي تم اعتقاله.قلت له المهدي معروف..
– كيف؟
– أجاب أن المهدي اعتقله شرطيان. قررت المبيت بالمقر ذلك اليوم وبدأت الأخبار ترد علينا وبعد اتصال الأخ اليوسفي، تبين لي أنه اختطاف وليس اعتقال. وطوال تلك الليلة كانت الأخبار ترد على المقر وبشكل مسترسل. ويومان أو ثلاثة بعد عملية الاختطاف، تناول السفير الفرنسي روبير جيل طعام العشاء مع عبد الرحيم بوعبيد ،فأخبره السفير بأن معلومات المخابرات الفرنسية تقول أن جثة المهدي رميت في بحيرة فونتني لو فيكونت والبحث جار للعثور عليها. وكانت أول رواية تصلنا من مصدر فرنسي. حقيقة، كان الشهيد مهددا بسبب نشاطه السياسي داخل البلاد وفي الخارج أيضا. عشنا أياما عصيبة وأيام اضطراب، لم يكن هناك رد فعل نظرا للخوف الذي هيمن على نفوس الناس. حاولنا تنظيم مظاهرة أمام المقر، شاركت فيه أنا والأخ اليازغي بمعية حوالي عشرين فردا فقط . فرقتنا الشرطة بسهولة.
– قبل الاختطاف، هل كانت اتصالات بين الملك والاتحاد الوطني؟
– نعم كانت اتصالات مع مبعوث الملك إدريس المحمدي رحمه لله الذي كان يتصل يوميا بعبد الرحيم بوعبيد بمنزله بسلا. والغريب، أن النظام كان يجري مع الاتحاد مفاوضات للمشاركة في الحكومة وفي نفس الوقت كان يخطط لعملية اختطاف الشهيد المهدي بن بركة.ومباشرة بعد الاختطاف نشرت المحرر افتتاحية عنوانها مسؤولية الحكومة المغربية والفرنسية, فجاء نهار الغد جواب الحكومة المغربية في بلاغ للديوان الملكي يقول بهذه الوقاحة (إنه لم يسبق ان اجري ادريس المحمدي مفاوضات مع عبد الرحيم بوعبيد).
– متى بدأت هذه المفاوضات؟
-بعد أحداث مارس 1965.
– وأنت بإدارة الحزب كيف كنت تتوصل بالأخبار عن أحداث مارس1965؟
– أحداث مارس كانت أقرب إلى انتفاضة قام بها الطلاب، واكبها قمع ورعب جعل الخوف يسيطر على بعض الإخوان تماما كما وقع سنة1981 التي سنتحدث عنها فيما بعد. كنت أتابع الأخبار التي تأتينا من الدار البيضاء، أساسا عن طريق الأخ محمد الحبابي الذي كان وقتها مدير جريدة ليبراسيون، وكان يمركز كل المعلومات حول الانتفاضة ويزودنا بها ، ثم نرسلها للقيادة وللأقاليم وللإخوة المعتقلين في السجون.
– أهم نشاط تضامني قمت به كمسؤول حزبي بعد اعتقالات 1963؟
– عند ماغادرت السجن مع مجموعة من المناضلين سنة 1963، تركنا الكثير منهم في المعتقلات وصدرت فيهم بعد ذلك أحكام متفاوتة، وتم نقلهم بعد ذلك للسجن المركزي بالقنيطرة. فكرت كثيرا في أمرهم مع بعض الإخوان، أذكر منهم الحاج إدريس بن بركة وبوشعيب الحجام، ممحد فرج، حسن السقاط والحاج أحمد العوفير رحمه لله..،وانصب اهتمامنا على مسألة تزويدهم بالمواد الغذائية .لهذا الغرض كنا نعقد ثلاثة أو أربعة لقاءات أسبوعية مع العائلات والتي كانت تمدنا بالمؤونة، ويتكلف أحدنا وبشكل دوري بحملها لسجن القنيطرة، إلى أن تم الإفراج عن جميع المعتقلين. وأذكر كذلك أنه بعد إطلاق سراح الجميع، وكان على رأسهم الفقيه محمد البصري، نظمنا بمنزلنا بحي مارسا حفل استقبال، يصعب وصفه، نظرا للحماس الكبير الذي خُصص للمفرج عنهم من قبل المناضلين وعائلاتهم. في آخر سنة 1983، عين إدريس السلاوي رحمه لله وزيرا للمالية، وكان مدير ديوانه الأخ والصديق سيناصر بلعربي، شفاه لله. كان بلعربي عضوا في اللجنة الادارية للإتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى أن عُزل منها بقرار من الشهيد المهدي بنبركة. اتصل بي أخي وصديقي بلعربي هاتفيا وحدد لي موعدا لزيارته بمكتبه بوزارة المالية سنة 1964 . تم اللقاء وعرض علي الالتحاق بالعمل بالوزارة.فعلا التحقت بهذه المؤسسة وعملت بإدارة الأملاك المخزنية.كنت أقضي بعض الأوقات هناك،بينما كنت أتواجد باستمرار في مقر الحزب. إذن بعد أحداث الدار البيضاء وعملية اختطاف الشهيد المهدي بن بركة والمفاوضات التي جرت وقتئذ مع القصر، تبع تلك الفترة جمود سياسي وآخر حزبي .ضَعنا في أجواء تلك الفترة. كما قلت سابقا سيطر الخوف على النفوس بسبب القمع المسلط في تلك الآونة، وحاولت مع الأخ محمد اليازغي ربط الإتصال ببعض المناضلين والمتعاطفين مع الإتحاد الوطني وكذلك مع بعض كبار الموظفين، تحديدا، لجمع أكبر عدد من المعلومات حول قضية المهدي بن بركة . بدأت الحركة تدب رويدا رويدا داخل تنظيمات الحزب بالرباط ومعها بدأ المواطنون يلجون مقرات الحزب.
– هل شعرتم بحقيقة الوضع التنظيمي للحزب؟
– فعلا، وبدأ التفكير في الخروج من حالة الجمود التنظيمي، واتخذت عدة مبادرات، منها مبادرة الأخ السي عبد الرحيم بوعبيد لبناء وحدة سياسية بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والإتحاد المغربي للشغل غداة هزيمة الجيوش العربية سنة1967 واعتقال المحجوب بن الصديق. كان رد فعل المناضلين عنيفا اتجاه تلك المبادرة، لقناعتهم أن تلك الوحدة لن تؤدي في نهاية المطاف إلى أي نتيجة.وأمام تصميم السي عبد الرحيم انضبط المناضلون للقرار.وانطلقت اجتماعات بالرباط بين القيادتين السياسية والنقابية بدار مارسة والتي حضرها عن جانب النقابة كل من عبد الغني برادة ومحمد بهيج وعن حزب التقدم والاشتراكية عمر الفاسي… سرعان ما توقفت تلك الإجتماعات وتم تجميدها بعد ذلك.
– هل شعرتم وقتها أن الاتحاد الوطني أصبحت فيه ثلاثة اتجاهات أو تيارات: اتجاه سياسي وآخر نقابي والثالث قرر نهج العمل المسلح؟
– العمل المسلح لم يبدأ في تلك الفترة، بل انطلق التفكير فيه من قبل الفقيه محمد البصري بعد سنة1960 غداة توتر العلاقة بين المعارضة والقصر الملكي. بعد فشل الوحدة اتجه المناضلون للعمل السياسي الحزبي إلى أن جاءت محاكمات مراكش التي كان لها تأثير كبير على عملنا. ومع بداية السبعينات ظهرت بوادر حملة قمع جديدة للاتحاديين، لا سيما بعد تنصيب برلمان أوفقير. وتُوجت تلك الحملة باعتقالات ومحاكمات عديدة كان آخرها اعتقالات ومحاكمات 1973، في ظل فترة حرجة من تاريخ المغرب عرفت محاولتي انقلاب عسكري سنتي 1971و1972 .
– هل شملتك اعتقالات 1973 وفي أي ظروف وماذا عن أيام الاعتقال؟
– حضرت اجتماع الكتابة الإقليمية بالرباط بمنزل الأخ شوقي بنعزو مع كل من الإخوة عبد الواحد الراضي، محمد الناصري، بوعنان، محمد الحيحي رحمه لله وآخرون. اعتقل الأخ بنعزو شوقي بعد الاجتماع. وحوالي الساعة التاسعة و45دقيقة مساء زارني شقيقه،ا لأخ حسن بنعزو، بمنزل أصهاري بحي أكدال، فأخبرني باعتقال شوقي وطلب مني الاستعداد للاعتقال أيضا. فطلبت من زوجتي إعداد بعض الملابس ومنها الجلباب لأن الطقس كان باردا. بعد ساعة أو ساعة ونصف من زيارة الأخ حسن قَدمت فرقة من البوليس، مكونة من خمسة أفراد بقيادة بنغموش ،هجمت على بيت أصهاري وفتشوه تفتيشا دقيقا، ثم أخذوني إلى مخفر البوليس. وفي طريقنا بدأت عملية الإذلال لتحطيم معنوياتي.بعد ذلك أدخلت زنزانة والتي ولجها مفتش يدعى شخمان وكان يعرفني. فسألني إذا كان بيتي قد فتش أجبته بنعم، ثم أردف قائلا:وهل وجدوا شيئا ما؟ نظرت إليه صامتا. فهم الجواب وانصرف. في مخفر البوليس سمعت أن الأخ عبد لله الشرقاوي يوجد من بين المعتقلين، ورأيت الأخ العربي الشتوكي رحمه لله في مكتب التحقيقات. في الصباح الموالي بدأ الاستنطاق في مكتب التحقيق وتعرضت لتعذيب شديد وتركزت الأسئلة حول السلاح وعن التمويل ومصادره الخ .. وحسب ما رواه لي الإخوة المتواجدون معي، فقد استغرق التحقيق معي لمدة 12 ساعة متواصلة وأنا معلق من رجلَيٌ. وأذكر كذلك أن بعد حصة التعذيب هذه، جيء بالأخ محمد الحبابي. وكان يُستنطق طيلة اليوم ويغادر المخفر في المساء، ثم يستأنف استنطاقه في اليوم الموالي. وعندما سألوه عن الفقيه البصري أجابهم بأن تاريخ الرجل يجب أن يُدرَس في المدارس والجامعات. وذات يوم حملت له زوجته طعام الغذاء عبارة عن طبق من دجاج، فطلب من الحارس أن يُسلم بعضا منه لي. فرفض الحارس القيام بذلك متذرعا أن لديه أوامر صارمة بمنع تلقي الحبيب الشرقاوى أي طعام من الخارج. فما كان من الأخ الحبابي إلا الإمتناع عن تناول طعامه تعبيرا منه عن تضامنه معي. ولما لم يجد البوليس أي تهمة لإلصاقها بي ، تم الإفراج عني بعد أيام. وفي الصباح الموالي للإفراج زارني أخي محمد الحبابي ،وأمام الحالة الصحية السيئة التي كنت عليها حملني إلى عيادة مونيي بالرباط حيث مكثت 10 أيام لتقي العلاج، وقد صارحني الطبيب مونيي أنني كنت سأحسب في عداد الموتى لو استمر تعذيبي فقط لساعتين إضافيتين. كذلك زارني إخوة كثيرون من بينهم الأخ عبد الرحيم بوعبيد والذي تأثر بالغ التأثر لوضعيتي، وكانت تلك أول مرة أرى فيها عبد الرحيم على هذه الحالة. والجدير بالذكر أن الدكتور مسواك رحمه لله هومن تكلف بدفع جميع مصاريف العلاج للمصحة. شيئا فشيئا بدأت أستعيد عافيتي، لكن الجو في البلاد كان جوا مشحونا: اعتقالات ومحاكمات وطرود ملغومة ..
– ماذا عن الطرد الملغوم الذي توصل به الأخ محمد اليازغي في يناير1973؟
– يوم توصل الأخ اليازغي بالطرد الملغوم كنت بالمنزل. وحوالي الواحدة ظهرا زارني عضوين من اللجنة الادارية للحزب، وأخبراني أنهما توجها لزيارة الأخ اليازغي فوجدا سيارة للبوليس جاثمة أمام منزله .سألت هل دخلتما المنزل؟ أجابا بالنفي.فورا ارتديت جلبابا وقصدت منزل الأخ اليازغي، حاول البوليس منعي من الدخول ، فلم أبال بهم ووجدت نفسي داخل المنزل. فلاحظت أن زوجة الأخ اليازغي قد تم نقلها لمنزل والدها المجاور ، كما لاحظت أن قطع زجاج النوافذ كانت تملأ المكان. قضيت تلك الليلة وحدي بالمنزل.وكانت الأخبار حول صحة اليازغي تأتيني من زوار بيته. وكان في مقدمة الزوار الأخ عبد الرحيم بوعبيد. كذلك كان من أول الزائرين للأخ اليازغي بالمستشفي الزعيم علال الفاسي رحمة لله عليه. حالة الأخ اليازغي الصحية لم تشفع له، فاعتقل سنة 1973 ونقل إلى مركز الشرطة. فكرت مع بعض الإخون في الأمر. فاتصلت بابن عمي وكان يعمل في ديوان وزير الداخلية محمد بنهيمة مقترحا نقل الأخ اليازغي للمستشفى. وهو ما تم فعلا في اليوم الموالي لذلك الاتصال.
– ماذا عن الطرد الملغوم الذي توصل به الأخ محمد اليازغي في يناير1973؟
– يوم توصل الأخ اليازغي بالطرد الملغوم كنت بالمنزل. وحوالي الواحدة ظهرا زارني عضوين من اللجنة الادارية للحزب، وأخبراني أنهما توجها لزيارة الأخ اليازغي فوجدا سيارة للبوليس جاثمة أمام منزله .سألت هل دخلتما المنزل؟ أجابا بالنفي.فورا ارتديت جلبابا وقصدت منزل الأخ اليازغي، حوال البوليس منعي من الدخول، فلم أبالي بهم ووجدت نفسي داخل المنزل. فلاحظت أن زوجة الأخ اليازغي قد تم نقلها لمنزل والدها المجاور، كما لاحظت أن قطع زجاج النوافذ كانت تملأ المكان. قضيت تلك الليلة وحدي بالمنزل. وكانت الأخبار حول صحة اليازغي تأتيني من زوار بيته .وكان في مقدمة الزوار الأخ عبد الرحيم بوعبيد. كذلك كان من أول الزائرين للأخ اليازغي بالمستشفي الزعيم علال الفاسي رحمة لله عليه. حالة الأخ اليازغي الصحية لم تشفع له، فاعتقل سنة 1973 ونقل إلى مركز الشرطة. فكرت في الأمر. فاتصلت صحبة ألأخ رشيد بن عبد لله بابن عمي كان يعمل في ديوان وزير الداخلية محمد بنهيمة مقترحا نقل الأخ اليازغي للمستشفى. وهو ما تم فعلا في اليوم الموالي لذلك الاتصال. المشاكل الأخرى عدا الاعتقالات والمحاكمات؟ بعد الاعتقالات والمحاكمات، وجدنا أنفسنا أمام عدة مشاكل من بينها تراكم ديون كراء مقر الحزب، الكائن بزنقة الزقطوني، التي وصلت وقتها إلى حوالي 5 ملايين سنتيم. الأمر الذي دفع شركة باليما، مالكة المحل، للإتصال بالأخ عبد الرحيم بوعبيد. هذا الأخير اتصل بي وطلب مني تسليمه مفاتيح المقر. فنبهته إلى أن عقد البيع محررفي اسم المرحوم عبد الفتاح سباطة، فكان رد عبد الرحيم، رحمه الله، أن علي تسليمه المفاتيح فورا. وسألته عن مآل الوثائق الحزبية وأرشيفه، طلب مني أن أتدبر الأمر. وبالفعل سلمته المفاتيح، بعدما كنت قد اتصلت بأحد المناضلين كانت بحوزته سيارة كبيرة من نوع سطافيط، وبواسطتها نقلت الوثائق وآلة رونيو إلى منزلنا بمارسا. المشكل المترتب عن ذلك كان هو البحث عن مقر جديد . كلفني الأخ اليازغي بالبحث عنه في عمارة قيد البناء من لدن مؤسسة السي جي إي. استخبرت في الأمر وعثرت على شقة صالحة أن تكون مقرا للحزب، لكن كان يجب دفع حوالي 10000درهم على دفعتين، وفي ظرف ستة أشهر فقط، مع دفع سومة كرائية شهريا. لم يكن المال متوفرا لأداء ذلك المبلغ. فقصدت موظفا ساميا، رحمه لله، وفاتحته في الأمر. وفي نفس اليوم بعث لي بنصف المبلغ دفعته كتسبيق. وبعد 6 أشهر كنا أمام نفس المأزق، فعاودت الاتصال بنفس الموظف السامي والذي لم يبخل علي وعلى الحزب بالنصف المتبقي. هكذا أصبح المقر الجديد للإتحاد بشارع تمارة بالرباط، وهو المقر الذي تم فيه الإعداد للمؤتمر الإستثنائي الذي عقد في يناير 1975 ، وفيه أيضا نظمت حملة الإنتخابات البلدية والقروية سنة 1976 . وفي نفس المقر أيضا صدمنا بخبر اغتيال الشهيد عمر بنجلون في دجنبر1975، ومنه توجهت لمنزل الفقيد يوم اغتياله وحضرت تشييع جنازته في ذلك الموكب الرهيب بالدار البيضاء.
– كيف عشت ظروف منع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1973؟
– الحكومة التي كان يرأسها أحمد عصمان هي التي اتخذت قرارا بمنع الحزب بتعليمات من أعلى. اتصل بي الأخ عبد الرحيم وأخبرني أن البوليس سيتوجه لمقر الحزب قصد تفتيشه ووضع الشمع الأحمر على الباب، وطلب مني أن أتوجه للمقر صحبة عضوين من اللجنة الادارية من المستحسن أن يكون بينهما محام. اتصلت بثلاثة إخوة، لكن بدون جدوى . فانتقلت لوحدي إلى المقر وطلبت من الحارس الأخ عمر الباز فتح الباب الذي كانت فرقة البوليس، بقيادة عبد القادر لكناوي، على وشك تحطيمه. فُتح الباب وأخذ البوليس العديد من الوثائق ثم جرى تشميع الباب واصطحبتهم لمركز الأمن للتوقيع على المحضر. أمام هذا الوضع كنا ننظم الاجتماعات بالمنازل ويحضرها الأخوة عبد الرحيم بوعبيد، محمد الحيحي، العربي الشتوكي وعبد الرحمان بنعمرو.
– وماذا بعد رفع قرار المنع؟
– رفع قرار المنع في أواخر سنة 1974 nn، وعُهد إلي أمر فتح مقر الحزب بشارع تمارة بعدما استرجعناه. فتحنا المقر المغلق لأكثر من سنين. لم أجد لا ماء ولا كهرباء. فما كان علي إلا الاتصال بمدير الوكالة محمد برادة رحمه الله. لم أكن أعرفه من قبل، لكنه استقبلني بحفاوة وتناولنا أطراف الحديث عن الأوضاع السياسية ثم تطرقت لموضوع زيارتي له. صارحني أنه يتعاطف كثيرا مع مولاي عبد الله إبراهيم. ومع ذلك لم يتردد في موضوع الزيارة، إذ نادى على أحد العاملين وطلب منه مصاحبتي وتزويد مقر الحزب بالماء والكهرباء. هكذا كان بعض الموظفين يتصرفون بتلقائية رغم الظروف. بعد أيام توصلت بإنذار من المحكمة لأداء فورا المبلغ المحدد من طرف الوكالة، جراء ما تراكم من فواتير الماء والكهرباء طيلة فترة منع الحزب. اتصلت بالأخ الحليمي الذي كانت تربطه علاقة صداقة مع السيد عبد الكامل الرغاي وزير المالية آنذاك، والذي أسقط المتابعة القضائية في هذه القضية. استعاد الحزب نشاطه بداية سنة 1975 ومعه استأنفت عملي بهذا المقر، عملُُ ُ كنت قد بدأته سنة 1961 .
– كيف دورك استعدادا لتلك الانتخابات الجماعية بالرباط؟
-تقريبا اقترحت أسماء جميع المرشحين لتلك الانتخابات، وفازوا جميعا على ما أذكر، إلا في دائرة واحدة فاز بها محمد زيان. بعد ذلك وجدنا أنفسنا أمام مشكل من يتولى رئاسة المجلس. الأخ عبد الرحمان بنعمروا اقترح نفسه. وكان لي رأي آخر، رغم أنني أكن احتراما كبيرا للأخ بنعمرو فهو مناضل كبير ونزيه، لكن كانت تنقصه التجربة الإدارية، بينما تجربة الأخ عبد الوهاب ملين سواء في المالية أو في مكتب الصرف كانت تؤهله لرئاسة المجلس. وبالفعل حظي هذا الأخير بالرئاسة، واشتغلت معه أطر اتحادية كفؤة من بينها الأخوة محمد جسوس ، عبد الواحد بنونة، حسن السرغيني، عبد الرزاق المعداني وآخرون، وهي الأطر التي أهٌلت مجلس الرباط لكي يلعب دورا هاما في تسيير شؤون ساكنة الرباط وتدبير أمور العاصمة.
استعرضت تقريبا عقدا من الزمن المغربي امتد من 1965إلى1976 . لو سمحت نريد أن نعود إلى بعض المحطات، منها ماهو موقف الحزب من حالة الاستثناء التي أعلنت سنة 1965وتم بموجبها تعطيل عمل البرلمان.
رغم الوضعية الحزبية آنذاك، فوجئ المناضلون بذلك الإعلان، ولم نكن راضين عنه. ولم نشهد أي تراجع أو ردة بين صفوف النواب الاتحاديين. بعد ذلك انصرف المناضلون للعمل السياسي الحزبي. وانصب اهتمامنا على متابعة تطور قضية المهدي بن بركة. في هذا الإطار اتصلت بالأخ سعد الشرقاوي، رحمه لله، وشقيقه علي – وهما من أبناء عمي، والأخ شوقي السرغيني الذي سيتولى من بعد منصبا هاما في وزارة الداخلية. كان الثلاثة يلتحقون بي بمقر الحزب بزنقة الزرقطوني على الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، وذلك لتحرير وطبع نشرة حزبية كانت تحمل كل مرة اسما: التحرير،القضية، المشعل، الطليعة.. كنا ننشر أقوال الصحف الفرنسية التي كان يمنع توزيعها في المغرب عقب اختطاف الشهيد المهدي بنبركة. تطبع النشرة بآلة الونيو وأسهر على توزيعها على بعض الموظفين والأطر المتعاطفة مع الحزب وبعض المناضلين بالرباط. ما هي أهم المحطات النضالية في المجال النقابي؟ تأسست النقابة الوطنية للتعليم سنة 1965، بعد الانفصال عن الجهاز النقابي للإتحاد المغربي للشغل. وكان للإخوة حموش، رحمه لله، ومحمد الدوير والضمضومي وآخرين الفضل في تأسيس هذه النقابة التي ستلعب دورا رائدا وتتخذ عدة مبادرات. بعد ذلك، وبقيادة الشهيد عمر بنجلون، سيتم تأسيس النقابة الوطنية للبريد بمساعدة الإخوة عبد الكبير المالكي، غالب، الشريف وعبد لله العثماني رحمه الله. وستخوض هذه النقابة كذلك عدة نضالات.
– وماذا عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في تلك الفترة؟
– لعبت المنظمة الطلابية أدوارا هامة في تربية الشباب وزودت الإدارة المغربية بأطر مقتدرة عديدة في كل المجالات. وهنا لا بد من الإشادة بالدور الذي لعبه الإخوة الرؤساء المتعاقبون لهذه المنظمة منهم الإخوة إدريس السغروشني، وعبد الرحمان القادري، رحمه لله، بطل مؤتمر التحدي الذي عُقد بأكادير. كذلك محمد الحلوي المناضل الصامت، الذي تعرض لعدة اعتقالات، حميد برادة، فتح لله ولعلو، محمد لخصاصي والطيب بناني شفاه لله.
وقتها كانت هناك جامعة واحدة وتوجد بالعاصمة.
– كمسؤول عن تنظيم الرباط، هل كانت علاقة الطلبة الاتحاديين مع فرع الرباط أم مع القيادة الوطنية للإتحاد الوطني للقوات الشعبية؟
– الاتصالات كانت أساسا مع قيادة الحزب. وقد شهدت دار مارسا العديد من الاجتماعات بين القيادة والطلبة الاتحاديين سواء بعد مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو حالة نشوب خلافات بينهم. وكان المهدي بن بركة يتدخل مرات ومرات لرأب الصدع بين مكونات الطلبة الاتحاديين.
– هل انعكست وضعية الحزب على القطاع الطلابي الاتحادي في تلك الفترة؟
– بطبيعة الحال. فالخلافات في قيادة الحزب انعكست على مجمل قواعد الحزب وروافده، ومنها القطاع الطلابي، إضافة إلى حملة القمع التي دفعت بالعديد من المسؤولين إما لتجميد نشاطهم أو الابتعاد جراء الخوف. وأذكر أن أحد أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة عبر لي صراحة عن شعوره بالخوف، فنصحته بالتوجه للديار الفرنسية لاستكمال دراسته. أصبح بعد ذلك وزيرا، لكن ذلك لم يمنعه من القول أن نصيحتي له هي التي أنقذت حياته.
– هل كانت تصلكم أخبار عن نشاط الاتحاديين المنفيين بالخارج، وما كان يخططون القيام به في الداخل؟
– أبدا. ورغم وجود إخوان كانوا أعضاء في الكتابة الاقليمية بالرباط، الأخ محمد آيت قدور مثلا، لم نكن على علم بما يخططون له.
الملاحظ أنه رغم الظروف الحزبية الصعبة وظروف البلد سياسيا لم تمنع الإتحاد الوطني من اتخاذ مبادرات سياسية منها إنشاء الكتلة الوطنية سنة 1970.
– ماذا تعرف عن هذه المبادرة؟
– لم أتابع مبادرة الكتلة عن كثب، حضرت الندوة الصحفية لإعلان الكتلة بمقر جريدة «لوبنيون» الكائن بشارع علال بنعبد الله. أظن أن الأخ محمد الحبابي قد يزودكم بالمعلومات الكافية، إذ كان عضوا في قيادة الكتلة ضمن الفريق الاتحادي إلى جانب الأخوين عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي. مع الأسف توقفت اجتماعات الكتلة وبقي عملها محدودا جدا.
– هل تابعت المفاوضات من أجل تشكيل حكومة وطنية بين الكتلة والقصر؟
-كانت النية في تشكيل حكومة فقط من الأطر المتوسطة للأحزاب لا من الوجوه البارزة سواء في حزب الاستقلال أو في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.