يتحدّث الكاتب هاروكي موراكامي، في هذا الحوار عن الأساطير والرمزيّة وما بعد الحداثة، ويوضح لنا سبب ظهور القطط والموسيقى في العديد من كتبه، وسبب وصف عمليّة كتابة الرواية بأنّها شبيهة بالحلم.
p لماذا قمت بإعادة سرد أسطورة أوديب؟ هل كانت لديك خطّة في البداية عندما شرعت في كتابة (كافكا على الشّاطئ) أم هل طرأت عليك أثناء الكتابة؟
n أسطورة أوديب مجرّد دافع من دوافع عديدة وليست بالضّرورة العامل المحوري في الرواية. منذ البداية خطّطت للكتابة عن صبىّ يبلغ من العمر خمسة عشر عاما يهرب من أبيه الشّرير وينطلق في رحلته للبحث عن أمّه. وذلك مرتبط بطبيعة الحال بأسطورة أوديب. لكن لم تكن الأسطورة في ذهني منذ البداية. الأساطير هي النّماذج الأصليّة لجميع القصص. عندما نكتب قصّة نستدعى تلقائيا كلّ أنواع الأساطير. والأساطير مثل المستودع الّذي يحوي جميع القصص.
باستثناء روايتك (الغابة النرويجيّة) هذه الرواية الجديدة تحوى عناصر فانتازيّة سرياليّة بشكل خاصّ. ما الّذي دفعك لعالم السرياليّة؟
مثلما قلت (الغابة النرويجيّة) هي الرواية الوحيدة الّتي كتبتها بأسلوب واقعيّ. وقد فعلت ذلك متعمّدا بالطّبع. لقد أردت أن أثبت لنفسي أنّني أستطيع كتابة رواية واقعيّة خالصة. وأعتقد أنّ هذه التّجربة ثبت نفعها لاحقا. فقد اكتسبت ثقة في الكتابة بهذه الطريقة، هذه الثّقة سهّلت إتمام العمل التّالي. بالنسبة لي كتابة رواية يشبه الحلم. كتابة رواية تجعلني أحلم بينما أنا مستيقظ. أستطيع أن أكمل حلم الأمس اليوم، وهو الأمر الّذي لا يمكنك فعله في الحياة اليوميّة. إنّها أيضا طريقة للهبوط عميقًا إلى وعيي الخاصّ. ولذلك بينما أراه كالحلم، إلاّ أنّه ليس خيالي. بالنسبة لي حلم اليقظة واقعيّ جدّا.
p يُظهر بحث سريع على موقع جوجل ترقب الكثير من معجبيك في أمريكا لرواياتك التالية بشغف. بصفتك روائيا يابانيا، هل تعتقد أنّ أدبك يتمتّع بصدى قويّ عند هذا الجمهور؟
n اعتقد أنّ من يشاطرونني أحلامي يمكنهم الاستمتاع بقراءة رواياتي. وهذا شيء رائع. الأساطير مثل مستودع القصص، وإذا استطعت أن أكون نوعا من “المستودع”- ولو أنّه مستودع متواضع- سيسعدني ذلك.
p ما هي الخصائص الثقافيّة اليابانيّة الّتي تعتقد أنّ بإمكان القارئ إدراكها من رواياتك؟ هل هناك سمات أخرى تتمنّى أن نفهمها نحن معشر الأمريكيين قبل قراءة الروايات؟
n عندما أكتب رواية أوظّف كلّ المعلومات الّتي أعرفها. ربّما كانت معلومات يابانيّة أو معلومات غربية، لا أميّز بين الاثنين. لا أعرف ردّ فعل القرّاء الأمريكيين على ذلك الأمر، ولكن في الرواية إذا كانت القصّة جذّابة لا يهمّ كثيرا إذا لم تستطع التقاط كلّ التّفاصيل. على سبيل المثال لست مطلّعا بشكل كبير على جغرافيّة لندن في القرن التّاسع عشر، لكنّي مازلت أستمتع بقراءة تشارلز ديكنز.
p قبل أن يصبح “ما بعد الحداثة” تعبيرا شائعا، استكشف فرانز كافكا تلك الحالة المتفرّدة للعزلة المرتبطة بعالم ما بعد النّووي والألفيّة الجديدة. هل سميت بطل روايتك على اسمه كي تستخلص هذه الموضوعات، أم هناك أسباب أخرى؟
n دون شكّ يعتبر كافكا أحد كتابي المفضّلين. لكنّي لا أعتقد أنّ رواياتي أو شخصياتي متأثّرة به بشكل مباشر. ما أقصده هو أنّ عالم كافكا الروائي عالم تامّ بالفعل حتّى أنّ محاولة تقليده ليست عديمة الجدوى فحسب، بل وبالغة الخطورة. ما أقوم بعمله هو كتابة روايات أفكّك فيها بطريقتي الخاصّة عالم كافكا القصصي الّذي هو بدوره يفكّك النّظام الروائي الموجود. ربّما يعتقد المرء أنّ هذا نوع من الولاء لكافكا. في الواقع لا أفهم جيّدا مصطلح ما بعد الحداثة، لكنّي أشعر أنّ ما أحاول فعله مختلف بعض الشّيء. بأي حال أحبّ أن أكون كاتبا متفرّدا مختلفا عن أيّ شخص آخر. أريد أن أكون الكاتب الّذي يحكي قصصا مختلفة عن قصص الكتاب الآخرين.
p طوال هذا الكتاب ذكرت “واقعة رايس باول هيل” والّتي فقد فيها مجموعة من الأطفال وعيهم خلال نزهة مدرسيّة في التلال. هل التّحقيقات الروائيّة لهذه الواقعة لها أساس في الأحداث التاريخيّة الواقعيّة أو القصص الجديدة؟ هل تجربتك كصحفي هي الّتي تروي هذا الجزء من الرواية؟
n أفضّل عدم الخوض في هذا الموضوع.
p ناكاتا، الشخصيّة الرئيسيّة الأخرى، هو ضحيّة محبوبة في كارثة المدرسة والّذي لا يشبه أيّ شخص حوله. ما الّذي جعلك تخلق هذه الشخصيّة؟
n إنّني مهتم دوما بالأشخاص الّذين يبتعدون عن المجتمع، الّذين ينسحبون منه. معظم الأشخاص في (كافكا على الشّاطئ) خارج الاتّجاه السّائد، بشكل أو بآخر. وبالتّأكيد ناكاتا واحدا منهم. لماذا خلقت شخصيّة كهذه؟ ربّما كان السّبب بالتّأكيد لأنّني أحبّه. إنّها رواية طويلة، وينبغي للكاتب أن يكون لديه على الأقلّ شخصيّة واحدة يحبّها دون شرط.
p تظهر القطط بشكل دائما في رواياتك، وفي هذا الكتاب تلعب دورا بارزا، ولاسيّما الوصف المفصّل عن النحّات المختلّ عقليا الّذي يلتهم القطط. لماذا تعتبر القطط هامّة جدّا بالنسبة لشخصياتك وقصصك؟
n ربّما لأنّني شخصيا مفتون بالقطط. كانوا دائما يحيطون بي منذ طفولتي. لكن لا أدري هل لهم أهميّة أخرى.
p بطل روايتك كافكا يكتشف أغنية تسمّى «كافكا على الشّاطئ»، ويتساءل هل المرأة الّتي كتبت كلمات الأغنية تعرف معناها. شخصيّة أخرى تقول «ليس بالضّرورة، الرمزيّة والمعنى شيئين منفصلين». وحيث أنّ روايتك والأغنية يتشاركان في العنوان، إلى أي مدى تعبّر هذه العبارة عن الرواية نفسها؟ هل تشير رموزها إلى معنى أكبر؟
n لا أعرف الكثير عن الرمزيّة. يبدو لي أنّ هناك خطرا كامنا في الرمزيّة. أشعر براحة أكبر مع الاستعارات والتّشبيهات. لا أعرف حقّا معنى كلمات الأغنية، أو هل لها معنى من الأساس. سيكون من السّهل إذا اعتقدنا أنّ شخصا مّا جعل الكلمات تتماشى مع الموسيقى وقام بغنائها.
p سمعنا أنّ ناشرك الياباني أنشأ بالفعل موقعا على الأنترنت لمساعدة القرّاء في فهم معنى هذا الكتاب. وحيث أنّنا لن نستطع قراءة الموقع، هل بإمكانك إخبارنا بعض من «أسرار» الكتاب؟
n تلقيت من خلال ذلك الموقع في غضون ثلاثة أشهر أكثر من ثمانية آلاف سؤال من القرّاء، شخصيا أجبت على أكثر من ألف ومائتين منها. لقد كان عملا كبيرا، واستمتعت به. واستنتجت من هذا التّبادل أنّ مفتاح فهم الرواية يكمن في قراءتها عدّة مرّات. ربّما يبدو ذلك خدمة ذاتيّة، لكن هذا حقيقيّ. أعرف أنّ النّاس مشغولون وهذا يعتمد أيضا على مدى حبّهم لفعل ذلك، لكن لو لديك الوقت الكافي، أقترح قراءة الرواية أكثر من مرّة واحدة. الأشياء تظهر أكثر وضوحا في المرّة الثانية. لقد قرأتها بالطّبع عشرات المرّات وأنا أعيد كتابتها، وفى كلّ مرّة قرأتها ببطء ولكن بثبات بدأت معالم الرواية تكتسب وضوحا أكبر.
تحتوى (كافكا على الشّاطئ) على ألغاز كثيرة، لكن دون حلول. عوضا عن ذلك تتجمّع تلك الألغاز، وعن طريق تداخلها تتشكّل إمكانية الحلّ. ويختلف هذا الحلّ من قارئ لآخر. بمعنى آخر الألغاز والأحاجي تعتبر جزءا من الحلّ. من الصّعب شرح ذلك، لكنّ هذه هي نوعيّة الروايات الّتي أكتبها.
p جميع شخصياتك، في هذه الرواية والروايات السّابقة، تحبّ الموسيقى الكلاسيكيّة والجاز والرّوك. ما هي المقطوعات الموسيقيّة الموجودة في قائمتك الموسيقيّة؟
n الموسيقى جزء لا يتجزأ من حياتي. كلّما شرعت في كتابة رواية، تنسلّ الموسيقى بشكل تلقائي (أعتقد كما تفعل القطط). عندما كنت عاكفا على كتابة رواياتي الجديدة (بعد العتمة)، ظلّ لحن Five Spot After Dark لكورتيس فولر يتردّد في ذهني. الموسيقى تحفّز المخيّلة وتثيرها دائما. وعادة أكتب على موسيقى الباروك…موسيقى الحجرة لباخ وتيليمان وغيرهم.
p بصفتك كاتبا يُقرأ بلغة مترجمة، هل يمكنك التّحدث قليلا عن ملامح الترجمة السّليمة؟
n لقد قمت بترجمة الكثير من الأدب الأمريكي إلى الّلغة اليابانيّة، وأعتقد أنّ هناك نقطتين هامّتين من أجل ترجمة سليمة. أوّلا امتلاك المترجم حسّا باللّغة، وثانيا حبّ العمل الّذي يقوم بترجمته. إذا غاب أحدهما فلن تُجدي الترجمة نفعا. ونادرا ما أُعيد قراءة كتبي السّابقة باليابانيّة، إلّا إذا تواجد سبب لذلك، لكنّي أُعيد قراءة الترجمات الانجليزيّة أحيانا. أعتبرها شيئا ممتعا بسبب المسافة بينها وبين النّص الأصليّ. وفي معظم الحالات أستمتع بقراءة تلك الترجمات.
p ما التّالي بالنسبة لك؟
n في خريف عام 2004 أصدرت رواية جديدة (بعد العتمة). وفي الولايات المتحدة عام 2006 سننشر مجموعتي الثانية من القصص القصيرة باللّغة الانجليزيّة، والأولى كانت «اختفاء فيل». وفي غضون ذلك سأعمل على بعض القصص الجديدة هذا الخريف والشّتاء. كما أعكف حاليّا على ترجمة مجموعة قصص قصيرة للكاتبة (جريس بالى) الّتي أحبّ أعمالها. وبرغم صعوبة ترجمة قصصها، إلّا أنّني أبذل قصارى جهدي.