حول كتاب «في العنصرية الثقافية، نظريات ومؤامرات وآداب»

عبد الكريم بدرخان: التحول من العنصرية البيولوجية القائمة إلى العنصرية الثقافية

 

كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟

في الحقيقة، خطرتْ إشكالية البحث في ذهني عام 2016، وجاءت نتيجة لتجربة شخصية. كانت تلك سنتي الأولى في النرويج، واحتكاكي الأول مع الأوروبيين في بلادهم، وهو أمر مختلف عن الاحتكاك بهم في بلادنا أو الشرق الأوسط بالعموم، إذ عادةً ما تكون نوعية أولئك الذين نقابلهم في بلادنا محصورةً في نماذج الصحافيين وموظفي الإغاثة والدبلوماسيين، أي المهتمّين بـ “معرفتنا” لأسبابهم المختلفة. في تلك السنة 2016، لاحظتُ أن عبارة “your culture” صارت تتردّد على مسمعي بشكل متكرر، من أصدقاء وغرباء، في سياق الـمُزاح أحيانًا والجِـدّ تارة، وهي تعني فيما تعني تحديد الثقافة -أو ما يُفترض أنها الثقافة- التي أنتمي إليها في بضعة أحكام مُسبَقة، أشاعتْها وسائلُ الإعلام والأعمال الأدبية والسينمائية في العقود الأخيرة. وقد تعني -في بعض الأحيان- إقرارَ أحكام معينة في حقّ مَنْ يُعتقَد أنه ينتمي إلى تلك الثقافة.
ومع مرور السنوات صرتُ ألاحظ شُيوع هذه الظاهرة أكثرَ فأكثر، وهي اختزال ثقافات شديدة الغِنى والتنوُّع؛ ببضع صفاتٍ جوهرانية يُفترَض أنها ثابتة فيها، ثم تعميم هذه الصفات على البشر المنتسبين بالولادة إلى تلك الثقافات.

ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسة التي يتضمنها الكتاب؟

الكتاب يعالج مسألة تحول العنصرية من العنصرية البيولوجية القائمة على افتراض وجود أعراق بشرية لها صفات ثابتة ومتوارثة، مختلفة جوهريًّا بعضُها عن بعض، ما يُحتِّم بالضرورة اختلافَ أحوال الشعوب والجماعات من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية… إلى العنصرية الثقافية التي تقوم على افتراض أنّ للثقافات البشرية صفاتٍ ثابتة ومتوارثة، مختلفة جوهريًّا بعضُها عن بعض، ما يُحتّم بالضرورة اختلافَ أحوال الشعوب والجماعات من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية كذلك.
ولقد عرضتُ هذا التحوّل في ثلاثة فصول تطبيقية، الأول تناول النظرية السياسية، وهي بالتحديد النظريات التي سطعَ نجمُها بعد نهاية الحرب الباردة مثل “صدام الحضارات” و”نهاية التاريخ”. وكذلك قراءة برنارد لويس للتاريخ بوصفه صراعًا مستمرًّا بين ما أسماه “العالم الإسلامي” و”العالم اليهو-مسيحي”. لكنني لم أصِفْ أيًّا من تلك النظريات بالعنصرية، بل هي مهّدت الطريق لظهور نظريات مؤامرة عنصرية، ولـشُـيُوع أحكام العنصرية الثقافية في وسائل الإعلام كما في الأكاديميا.
ثم تناولتُ نظريات المؤامرة التي ترى في هجرة غير الأوروبيين -وتحديدًا المسلمين- إلى أوروبا مخطّطًا مدروسًا ومؤامرة قديمة هدفُها احتلال أوروبا وأسلَمتُها، ثم إخضاع أهلها لأحكام “أهل الذمّة”. هذا ما قدّمتْه أوريانا فالاتشي في كتابها “قوة العقل”، وما طوّرتْه بات يُور إلى نظرية “أورابيا” التي تزعُم وجود مؤامرة أوروبية-عربية تستهدف إسرائيل.
أما الأدب فهو موضوع واسع ويستأهل كتابًا لوحده، فهنالك رويات درستُها تحت مسمّى “ديستوبيا الهجرة”، ومن أشهرها “معسكر القديسين” و”استسلام”. وهنالك روايات “الإرهاب الإسلامي” التي صدرت بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وتستحقُّ بعضُها أنْ توصَف بأنها مُنتَجات تجارية، ناهيك عن السذاجة والسطحيّة في مقاربة ظاهرة معقدة كالإرهاب.

ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟

التحدي الرئيس الذي أرّقني أثناء البحث هو خوفي من أنني قد لا أجدُ ناشرًا للكتاب بعد الانتهاء منه، وذلك لأنّ مشهد النشر في العالم العربي لا يُطمئن كثيرًا. لكنْ بعد عرض الكتاب على المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وموافقة اللجنة العلمية على نشره، تبدّدت تلك المخاوف.
وثمة تحدٍّ منهجي أيضًا، إذ لم يصدرْ -في حدود اطلاعي- أي كتاب تناول ظاهرة العنصرية الثقافية على وجه الخصوص، رغمَ ذكرها في عدد من الكتب والمقالات الأكاديمية. ولذلك كان عليّ أنْ أجمع شتات العنصرية الثقافية المتناثر في عددٍ لا محدود من النظريات السياسية ونظريات المؤامرة والأعمال الأدبية والتصريحات الإعلامية… لتشكّل بمجموعها المادة الإمبريقية (empirical) الداعمة لإشكالية البحث، ألا وهي تحوّل العنصرية من البيولوجية إلى الثقافية.

كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟

البحث عبر-تخصُّصي (interdisciplinary)، فلا يمكن حصرُهُ في حقل معرفي معين. هنالك فصول نظرية تضمنّت تعريفات سوسيولوجية لبعض المفاهيم، وعرض تاريخي وأنثروبولوجي لها. وهنالك النظريات السياسية التي تنتمي إلى علم السياسة، بينما تطلّب نقدُ نظريات المؤامرة تبيانَ التهافُت المنطقي الذي تقوم عليه النظرية، ولا ضيرَ بعد ذلك من ذكر الأسباب العلمية للظواهر بدلًا من الأسباب التي اختارها التفسير المؤامراتي. بالنسبة إلى الأعمال الأدبية، فلم يسمحْ لي تعدُّد المواضيع التي تناولها البحث أنْ أتوسّع بدراستها بشكل مفصّل ومعمّق، ولذلك مررتُ عليها مرورًا سريعًا، مُركِّـزًا على تحليل الأفكار أكثر من تحليل الخطاب أو تحليل النصّ.


بتاريخ : 16/07/2024