«هذا الفيلم الوثائقي هو فرصة بالنسبة لي للتعبير عن نفسي»، بهذه الكلمات أجاب حميد الزروالي عن سؤالنا خلال حديث خص به الجريدة مباشرة بعد عرض فيلمه « كلمة، الكلمة التي لم تكتمل»، والذي احتضنته ردهات المعهد الفرنسي ليلة 26 يونيو الماضي.
واسترسل الزروالي مفسرا بأنه، بهذا الوثائقي، عمل على نشر صورة ربما سلبية عن المغرب، لكنه، هو كمصور، يحاول دائما أن يدخل الكثير من الجمالية والإيجابية، ويسعى لعدم السقوط في الابتذال وأن يبرز البلد في أحسن حال، مضيفا بأن دافعه من الفيلم هو تكريم فريق عمل مجلة «كلمة» النسائية من جهة، وأيضا ترك نبذة لابنه الذي يبلغ الآن الثلاثين ربيعا، عن تاريخ فترة الثمانينيات، كيف كانت حينها المعاملات وأسلوب العيش، «هي شهادة عن تلك الفترة التي قد تفيد كل الأبناء في المستقبل».
ويدخل هذا العرض، الذي تم تنظيمه من طرف المعهد الفرنسي بالدار البيضاء، في إطار برنامج الموسم الثقافي الربيعي لهاته المؤسسة الذي يحمل عنوان «حصة الآخر». وفي هذا الصدد صرح مارتان شينو، مدير المعهد الفرنسي، خلال تقديمه لهاته التظاهرة، بأن هذا الاختيار أريد به التعبيرعن تلك العلاقة الخاصة التي قد تجمع بين الأطراف، سواء في المغرب أو في أي مكان آخر، بحيث قد يكون من الصعب طرح بعض المواضيع للنقاش داخل مجتمع ما، لأنها قد تزعج جهات معينة، ولكن الأساسي فيها أنها تمكن من التقدم لخطوات، وبالتالي يضيف»شينو»، كان من الضروري برمجة هذا الفيلم للحديث عن تجربة أثرت في العديد من الناس خلال تلك الفترة الممتدة ما بين 1986 1990، المدة التي دامت فيها مجلة «كلمة»، وحفزت العديد من الإعلاميين لتجربة مماثلة.
اختار مخرج الوثائقي أن يستهل فيلمه بلقطة تبرز الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد وهو يتحدث عن الديمقراطية بفرنسيته المتميزة وأسلوبه اللبق والصريح في تناول الأشياء، وتلاها بمقطع من سهرة لمجموعة ناس الغيوان، علاوة على ذلك فقد قدم الشريط شهادات للعديد من الأشخاص الذين كانوا حجر الأساس في هاته التجربة، مثل هند الطعارجي، عبد الرحيم برادة، نورالدين عيوش وغيرهم، فضلا عن آخرين ممن تتبعوا التجربة عن قرب، كعبد الرحيم التوراني وإدريس كسيكس، وخالد الجامعي… كما تخللت الفيلم صورلأغلفة الأعداد المختلفة للمجلة، ولعناوين المواضيع التي تناولتها، وكذا صور مختلفة لفريق العمل… إلخ.
وأفاد عبد الرحيم برادة أثناء شهادته بأن مجلة «كلمة» كانت مزعجة و»وقحة» بالنسبة للعديد من الجهات، كما قرر المحامي أن يستهل حديثه بتقديم «كرونولجيا» للأحداث السياسية التي عرفها المغرب منذ الستينيات من القرن الماضي، أي منذ تولي الملك الراحل الحسن الثاني الحكم، لأنه اعتبرها مهمة لفهم الظروف السياسية التي عرفت سواء نشأة «كلمة» أو توقفها.
ولفهم ما جرى، اختار الجميع، كل من منظاره ومرجعيته الثقافية، العودة والحديث عن الأجواء السياسية العامة التي أحاطت عملهم، حول الضغوطات وفترة الرصاص ثم الانفراج النسبي الذي بدأ يطفو في أواخر الثمانينيات وبداية ظهور بعض المؤسسات غير الحكومية التي تزامنت مع نشأة مجلة «كلمة».
وركزت هند طعارجي أكثر على المجال الإعلامي في كلمتها، مبينة أن الفترة كانت تعرف انتشارا أوسع للصحف الحزبية على حساب المجلات والصحف المستقلة، كما لم يفت الصحفية وعالمة الاجتماع، الإشارة إلى أن طاقم «كلمة» كان أساسا يتكون من مجموعة من الشباب دخلوا للتو من فرنسا حيث كانوا يتابعون دراساتهم، موضحة أنهم خلال تجربتهم الإعلامية هذه، كانوا فقط يتصرفون بشكل تلقائي، يعبرون عن آرائهم ويفكرون بصوت مرتفع أكثر من أي شيء آخر، لكن أثناء ذلك، كتبوا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية وغيرها من التيمات الحساسة، مما جعلهم يتعرضون للرقابة. وأضافت أن «كلمة» أربكت السلطات حينها، لأن مظهرها، من جهة، يصنفها ضمن المجلات النسائية من حيث الألوان ونوعية الورق والصور..إلى غير ذلك، لكن مواضيعها كانت قوية وتخلق جدالا .
وتناول كل من إدريس اكسيكس وعبد الرحيم التوراني، هما أيضا، الجانب الإعلامي في الطرح، وقال الأول بأن «كلمة» كسرت ذكورية التأطير في عالم الصحافة من خلال تواجد هند الطعارجي ضمن فريق إدارتها، مشيرا أيضا لتجربة «لاماليف» التي كانت على رأسها «زكية داوود» وتزامنت مع مجلة «كلمة». من جهته، فإن التوراني صرح ضمن ما صرح به، أن هيئة «كلمة» اختلفت عن تلك التي في الصحافة الأخرى، بحيث مثلت له آنذاك ما يجب أن تكون عليه الصحافة المستقلة.
نور الدين عيوش، مدير النشر وصاحب المشروع، أكد أنه اعتمد في هاته التجربة على فريق شاب وثق في كفاءاته بالرغم أنه لم يتكون كله من طاقم متخرج من معاهد للصحافة، فقد كانت اختصاصاتهم متعددة ومختلفة منهم المحامي ومنهم الفنان والسوسيولوجي والطبيب…ولكنه أسند رئاسة التحرير لعادل حجي الذي كان صحافيا، دون أن ينسى ذكر كل الأقلام الأخرى التي لعبت دورا مميزا بالنسبة له آنذاك، سواء منهم المغاربة أو الأجانب المتعاونين أو الذين يشتغلون بشكل دائم، ومن بينهم ثورية الحضراوي.
بالنسبة لعادل حجي فإن نجاح التجربة كان راجع أساسا لكونهم كشباب كانوا متحمسين ولهم نظرة مثالية ودافعهم الأبرز هو الحلم ببناء مغرب أجمل، متحابين في ما بينهم، بعيدا عن كل تنافسية أو حب للظهور أو اتباع المصلحة الشخصية أو الاغتناء.
خالد الجامعي أشاد بدوره بهاته التجربة وأكد أن المهم ليس هو عمر هاته الأخيرة بل أثرها ووقعها على المجتمع.
خلال اللقاء تمت دعوة أحد أفراد الطاقم الذي عمل ب»كلمة» ممن تعذر ظهور شهاداتهم بالشريط الوثائقي، وهو إدريس الموساوي، وقد أضاف هذا الأخير في تدخله على ما أتى به زملاؤه، سواء خلال الفيلم الوثائقي أو خلال المناقشة، بأن عدد القراء قد تزايد يوما بعد يوم خلال عمر المجلة الذي بلغ الأربع سنوات، وأن عدد المرجوعات لم يكن يزيد عن 2 في المائة بخلاف العديد من الصحف التي كانت متواجدة آنذاك في السوق، ثم أردف مبرزا بأن الشيء الذي لم يعرفه الكثير من الناس هو أن مرجوعات المجلة التي كانت بسبب الرقابة اضطر نورالدين عيوش أن يؤدي ثمنها من ماله الخاص .
الكل أجمع على أن قوة «كلمة» كانت أساسا في طاقم عملها المثقف والمنسجم والمكون من أقلام قوية وجريئة، ومن كونها كانت تتطرق لمواضيع تعد طابوهات زعزت بها عقليات المجتمع المغربي التي كانت غالبيتها محافظة، كما السلطات، وبالتالي اعتبرت خطرا وتعرضت لمضايقات. كما أن الشريط أثار نقاشا حول الأجواء العامة التي أصبح عليها المجتمع المغربي، جراء عدم إثارة القضايا بشكل جريء وصريح، على حد قولهم، وأمام انسحاب المثقف حاليا من القضايا الاجتماعية مما أدى إلى تدهور الحال وتفاقم الأوضاع في عدة مجالات من بينها مجال التعليم.
وفي الأخير طالب العديد من الحاضرين طاقم المجلة بأن يعيد إحياء هاته التجربة، مستعملا تطور التكنولوجيا أو من خلال اعتماد عدة منابر، خاصة وأنها أصبحت متاحة ومختلفة في عصرنا الحالي، كأن ترى النور على شكل صحيفة إلكترونية أو عن طريق فضاءات وصالونات للنقاش يتم فيها تأطير الشباب والتأثير على الفاعلين السياسيين.