داعش لا يزال يشكل تهديدا عالميا رغم هزيمته عسكريا في 2017

شهد العام 2017 هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية الذي خسر تقريبا كامل اراضي «دولة الخلافة» التي اعلنها من طرف واحد في العراق وسوريا، لكنه اثبت انه يتكيف ولا يزال يشكل تهديدا كما يؤكد خبراء ومسؤولون.
ففي الساعات الاولى من العام اقدم اوزبكي اعتبره التنظيم في معرض تبنيه الهجوم أحد «جنود الخلافة» على فتح النار برشاش كلاشنيكوف في مرقص في اسطنبول ليلة رأس السنة وقتل 39 شخصا.
ومن خلال التسليح المباشر للجهاديين او توفير مثال لهم بفضل جهاز دعائي فعال عبر الانترنت نفذ التنظيم المتطرف او اوعز بتنفيذ عشرات الاعتداءات الدامية خصوصا في النصف الاول من العام وابرزها في باكستان والعراق وافغانستان ومصر والصومال وبريطانيا.
كما ان هجمات الصدم بسيارات التي نفذها جهاديون استجابة لدعوات التنظيم ويبدو منعها شبه مستحيل ادمت خصوصا شوارع القدس ولندن وستوكهولم وبرشلونة وضاحية لوفالوا بيري الباريسية.
هذه الاعتداءات التي اوقعت آلاف الضحايا فيما كان التنظيم المتطرف يتعرض لحملة دولية منسقة انطلقت في خريف 2016 لتفكيك بنيته البرية في العراق وسوريا، وانتهت بنجاح شبه تام مؤخرا.
وكان التنظيم انشأ فرعا كلفه إدارة الشبكات في الخارج وتجنيد مرشحين وتمويل انشطتهم وتوجيهها. ولم يؤد هزمه ميدانيا الى وقف الهجمات.
وقال المحلل السابق لدى قسم مكافحة الارهاب في المديرية العامة للامن الخارجي الفرنسي ايف تروتينيون لوكالة فرانس برس «ان تنظيم الدولة الاسلامية هزم عسكريا بالتاكيد…لكنه من جهة ما زال لديه حوالى 3000 مقاتل في سوريا والعراق، وهذا كثير، فيما يجدر من جهة اخرى التذكير بان الذين اتوا قبل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق هزموا عسكريا في 2009، لكن لم يستغرقهم اكثر من عامين ونصف لاستغلال ظروف الثورة السورية لينبعثوا من الرماد مجددا».
تتخذ الطريقة التي ستدار بها مرحلة ما بعد التنظيم المتطرف اهمية حيوية لتفادي التفات الطائفة السنية بعد اشهر او سنوات الى حركة جهادية اخرى تدعي حماية مصالحها، على ما اعتبر الخبراء.
في هذه الاثناء تثبت اللائحة المطولة للهجمات والاعتداءات او محاولات الاعتداء المحبطة في 2017 ان الحركة الجهادية العالمية التي يجب دوما تضمينها تنظيم القاعدة الذي ما زال هنا، تثبت قدرتها على المقاومة.
اضاف تروتينيون ان «العملية الجراحية في العراق وسوريا نجحت، لكن بحسب ما جرى في افغانستان مع القاعدة، فان السرطان انتشر وهناك اراض للجهاد في الخارج». وتابع ان «تنظيم الدولة الاسلامية هزم، لكن التهديد الجهادي بعيد عن الزوال. فهو يتطور على مستوى اللاعبين والاساليب مع عدم بروز اي عنصر مطمئن (…) ويعتبر الباحثون الاميركيون ان الظاهرة ستتواصل على مدى عدة اجيال».
مؤخرا اكد المتحدث باسم التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين بقيادة اميركية الكولونيل الاميركي رايان ديلون ان مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية «لم يعودوا الجيش الذي كانوا عليه في 2014 ولو انهم ما زالوا يشكلون تهديدا. هذه ليست نهاية داعش».
وبدأت القوات الاميركية فك الارتباط. ففي 30 نوفمبر اعلن البنتاغون عن عودة 400 عنصر من سلاح المدفعية في مشاة البحرية المنتشرين في سوريا الى الولايات المتحدة.
كما يظهر عدم تبني التنظيم في اخر نوفمبر لمجزرة راح ضحيتها 305 اشخاص في مسجد الروضة الصوفي في شمال سيناء، ان الهروب الى الامام لتنفيذ عمليات تزداد دموية وعشوائية قد يغري بعض المتطرفين.
واعتبر المحاضر في كلية العلوم السياسية في باريس جان بيار فيليو ان «فروع داعش، خصوصا في مصر، وكذلك في ليبيا واليمن ثم افغانستان وجنوب شرق اسيا ما زالت تشكل تهديدا كبيرا». وتابع ان «الدعاية الجهادية ما زالت ناشطة على الشبكات حول العالم رغم تراجع وتيرتها مقارنة بفترة وجود الخلافة المزعومة».
الخطر يأتي من الجهاديين المحليين

تستنفر عودة الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق الأجهزة العالمية لمكافحة الارهاب، لكن خبراء اميركيين يحذرون من ان الجهاديين المحليين الذين اعتنقوا تشربوا الفكر المتطرف في بلدانهم هم الذين يشكلون الخطر الاكبر حاليا.
ومع ان خبرتهم في القتال محدودة ان لم تكن معدومة، فقد أثبتوا في الأشهر الاخيرة في اوروبا كما في الولايات المتحدة، انهم قادرون على توجيه ضربات مرتجلة ومن شبه المستحيل كشفهم قبل انتقالهم الى مرحلة التنفيذ.
واكد مارك ساغيمان الذي كان يعمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في باكستان خلال الجهاد ضد السوفيات لوكالة فرانس برس «لن تحصل بالتأكيد، في فرنسا واميركا وغيرها اعتداءات كبيرة موجهة من الخارج، على غرار اعتداءات 13 نوفمبر 2015 في باريس».
واضاف هذا الطبيب النفسي والخبير لدى المحاكم الأميركية لدى محاكمة جهاديين ان «تنظيم الدولة الإسلامية لم يعد ييوجه عن بعد الذين ينفذون اعتداءات هنا او في اوروبا، لكنهم باتوا يستعدون وحدهم معتبرين أنفسهم جنودا في مجموعة اسلامية مثالية يريدون الدفاع عنها او الانتقام لها».
فالشاب عقائد لله المتحدر من بنغلادش وحاول في 10 ديسمبر تفجير قنبلة يدوية الصنع كانت بحوزته في مترو نيويورك، وسيف الله سايبوف (29 عاما) الأوزبكي الذي قتل ثمانية اشخاص وأصاب اثني عشر بجروح بدهسهم بشاحنة صغيرة مستأجرة في نيويورك في 31 اكوبر، اقتصرت علاقتهما بتنظيم الدولة الاسلامية على مشاهدة أشرطة الفيديو الدعائية.
وفي الولايات المتحدة، هما الأحدث على لائحة للجهاديين المتطرفين من تلقاء أنفسهم الذين يطرحون على أجهزة الشرطة والاستخبارات مشكلة يتعذر ايجاد حل لها.
وقال ألبرت فورد الذي يعمل على ظاهرة «التطرف المحلي» في اطار مجموعة نيو أميركا للبحوث والدراسات، لفرانس برس «ينبغي ألا نقلل من شأن الخطر الذي يشكله قدامى محاربي الجهاد، لكنه (هذا الخطر) ليس المصدر الاكبر للقلق».
وأضاف ان «الموجودين حتى الان بصورة قانونية في البلاد يطرحون مشكلة اكثر خطورة». وقال ان «الاعتداءات التي وقعت أخيرا في الولايات المتحدة قام بها أشخاص ولدوا هنا او كانوا في البلاد منذ سنوات. هذا هو الخطر الحقيقي: هجمات غير متقنة لكنها قاتلة، كما حصل في اكتوبر في نيويورك».
تفيد الارقام التي جمعها مركز «نيو أميركا» ان 85 بالمئة من 415 شخصا متهما بجرائم متصلة بالارهاب الاسلامي في الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر 2001، كانوا إما مواطنين اميركيين أو مقيمين بصورة قانونية. وقد ولد 207 منهم اي اقل من النصف بقليل، على الاراضي الاميركية.
وغالبا كما تكون ملفاتهم الشخصية عادية الى درجة تثير الاستغراب. فأقل من ربعهم من اصحاب السوابق ولديهم سجل عدلي. وبالمقارنة، فإن ثلث البالغين الأميركيين لديهم سجل عدلي، كما لاحظت المجموعة الفكرية في دراسة نشرتها في سبتمبر.
واوضحت الدراسة ان «ايا من الهجمات الجهادية القاتلة التي وقعت في الولايات المتحدة منذ 2014، لم يكن مرتبطا عملانيا بتنظيم الدولة الإسلامية او شبكاتها».
وأكد توماس ساندرسن مدير مشروع «ترانسناشونال ثريتس» (التهديدات الدولية) في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان «الجهاديين المحليين هم الاخطر بلا اي شك». واضاف «من اصل الهجمات الكبيرة ال19 الاخيرة التي وقعت في اوروبا، لم يكن ل17 منها اي علاقة مع عناصر آتين من الخارج».
واوضح ان «قدامى الجهاديين هم مشكلة اساسية محتملة، بسبب تدريباتهم وصدقيتهم ودوافعهم. لكن من جهة عددهم حاليا متدن جدا، ومن جهة اخرى يتركون عندما يسافرون آثارا يمكن ان تتيح اقتفاء اثرهم».
وتابع ساندرسن ان «الجهاديين +المحليين+ يستطيعون البقاء تحت رقابة قوى الامن حتى آخر لحظة»، مشيرا الى ان «ملاذاتهم هي غرف نومهم ويصعب اكتشافهم إلا اذا ارتكبوا خطأ خلال استعدادهم او اذا ما بدأوا بتسريب معلومات عنهم عبر الانترنت».
وقال «اذا التزموا الحذر فلا يمكن القيام باي شىء. يستقل الرجل شاحنته ويقتل عشرين شخصا».
بوكو حرام نموذجا

ضاعفت جماعة بوكو حرام الاسلامية منذ اشهر هجماتها على القرى واعتداءاتها الانتحارية وعملياتها ضد الجيش النيجيري في شمال شرق نيجيريا المنطقة التي دمرها نزاع مستمر منذ ثماني سنوات.
وقبل عام تماما، اكد الجيش النيجيري بفخر انه نجح في تخليص غابة سامبيزا معقل الفصيل الذي يقوده ابو بكر الشكوي، من مقاتلي الحركة. لكن دخول هذه المنطقة ما زال مستحيلا والقرى المحيطة بها ما زالت تتعرض لهجمات وعمليات نهب.
وقال احد قادة الجيش في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو لوكالة فرانس برس ان «زيادة الهجمات هي رد يائس على القمع العسكري». واضاف «قطعنا كل طرق تزويدهم بالغذاء والسلاح والذخائر».
وتابع العسكري الذي طلب عدم الكشف عن اسمه «انهم يردون بالنهب وشن هجمات لانهم يحتاجون الى الغذاء. الجوع قاتل خفي».
من جهته، قال مامان ساني احد صيادي السمك على ضفاف بحيرة تشاد «لا شك ان مقاتلي بوكو حرام يموتون جوعا ويبحثون عن الغذاء». واضاف «انهم ينهبون الثكنات العسكرية من اجل الاسلحة وينهبون القرى للحصول على غذاء».
وحاول الفصيل الذي يقوده ابو مصعب البرناوي المعترف به من قبل تنظيم الدولة الاسلامية، في 13 ديسمبر غزو قاعدة ماينوك العسكرية بالقرب من مايدوغوري. ولم ينجح مقاتلوه في اقتحام الموقع لكنهم تمكنوا من سرقة اربع آليات عسكرية مصفحة.
واقتحم مسلحو الجماعة الشهر الماضي قاعدة ماغوميري (50 كلم شمال مايدوغوري) قبل ان يرسل الجيش تعزيزات.
وقبل اسابيع قام انتحاريان بتفجير نفسيهما في بيو على بعد نحو 180 كلم عن مايدوغوري، ما اسفر عن سقوط 13 قتيلا واكثر من خمسين جريحا.
واللائحة طويلة، ففي 21 نوفمبر ادى هجوم انتحاري آخر في مسجد موبي بولاية اداماوا، الى مقتل خمسين مصليا.
واوضح احد افراد القوة التي تساند الجيش النيجيري في مكافحة المتمردين ان «+الارهابيين+ يهاجمون القواعد العسكرية خصوصا تلك التي تضم عددا ضئيلا من الجنود، لسرقة مواد لكن كذلك لاشاعة الخوف وتعزيز قدرتهم الحركية».
وفي العاشر من ديسمبر، قاد ابو بكر الشكوي حوالى 400 من رجاله في هجوم على مركز للجيش في قرية بيتا على الحدود مع الكاميرون.
قال زعيم الميليشيا المحلية التي تقاتل الى جانب الجيش ان الجهاديين اجبروا الجنود على التخلي عن الموقع وسرقوا اسلحة قبل ان يتراجعوا الى غابة سامبيزا.
واسفر النزاع الذي اندلع في 2009 بقيادة الشكوي عن سقوط اكثر من عشرين الف قتيل ونزوح مليوني شخص. ويواجه شمال شرق نيجيريا ازمة انسانية وغذائية خطيرة.
والمدنيون هم الضحايا الرئيسيون للجماعة الجهادية وللعسكريين، لكن الجيش المنتشر في جميع انحاء الاراضي النيجيرية ويواجه العديد من المشاكل الامنية في البلاد، دفع ثمنا باهظا ايضا.
وقد اعلن الرئيس محمد بخاري انه ينوي اعادة قواته المنتشرة في غينيا بيساو في اطار عملية لحفظ السلام، لتدعم الجهود العسكرية في البلاد.
لكن الجماعة الجهادية ما زالت منقسمة جدا منذ ان عين تنظيم الدولة الاسلامية البرناوي نجل مؤسس بوكو حرام محمد يوسف، رئيسا «للدولة الاسلامية» في غرب افريقيا في 2016.
ومع ذلك اجتمع الفصيلان المتنافسان بقيادة الشكوي والبرناوي، في الرابع من ديسمبر الماضي في دوغوري على ضفة بحيرة تشاد للبحث في تشكيل جبهة مشتركة ضد الجيش، كما ذكرت مصادر قريبة من المفاوضات. لكن بعد ايام انهار الاتفاق بعدما قتل فصيل الشكوي 18 من اعضاء فصيل البرناوي.
وقال ضابط كبير في الجيش ان «الفصيلين غارقان في حرب داخلية». واضاف «لكن لو نجح التحالف لكان ادى الى عدد اكبر من الهجمات ولكانت العواقب اخطر بكثير».


بتاريخ : 26/12/2017