كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
في سنة 1985 بمناسبة الذكرى العاشرة للمسيرة الخضراء، تم عرض الانسجام العقدي للسجل الامبراطوري بوضوح خلال لقاء نظمته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة العيون بالصحراء. وهذا اللقاء الذي ضم عملاء ورجال الدعاية السياسية، آل على نفسه وضع الأساس النظري لممارسات السلطة وقتها، وذلك عبر ربطها بنظرية الخلافة وبعدها تم جمع مساهمات المشاركين في كتاب من ثلاثة أجزاء تحت عنوان «البيعة والخلافة».. والذي قدم له وزير الأوقاف بالطريقة التالية :»تدقيق الشرح في طبيعة العلاقة بين الإمام ورعاياه، وحقوق الإمام والتزاماته، وحقوق الرعايا وواجباتهم. إن العلماء يذكرون بالقواعد التي أقرها الشرع لضمان الاستقرار والاستمرارية والطمأنينة والمساواة والكرامة والحرية والشورى (…) إنهم يبينون كيف أن هذا النظام هو نظام دولة الإسلام، وهو النظام الذي عرفه المغرب منذ عهد المولى إدريس الأول إلى عهد مولاي الحسن».
لم يتعلق الأمر فقط باطلاع العالم على معاني مفهوم البيعة والخلافة من أجل إضفاء الشرعية على موقف السلطات المغربية في الصراع الترابي الذي يضعهم في مواجهة جبهة البوليزاريو، ولكن ، وأساسا، فإن احتكار الحقل الديني يحررها من إكراهات اللعبة السياسية وموازين القوى الموروثة عن الاستعمار . وعليه فإن كثافة الإنتاج العقدي، مضافا إلى تواطؤات مختلف الفاعلين السياسيين ، بمن فيهم الإسلاميون ، والأكثر جِدّة من بينهم، قد نجم عنه توافق حول ضرورة إنتاج التميز. وذلك عبر تفرد يمتح جذوره من السجل الديني ، وهو السجل الأكثر قدرة على الإيحاء بتملك امبراطوري لقواعد اللعب وتصورات السلطة..
لقد أعاد الدستور الأخير المصادق عليه في استفتاء يوليوز 2011، تجديد المؤشرات الدينية الأساسية، وفضلا عنها المؤشرات الامبراطورية للنظام بالرغم من السياق السياسي الذي ولًّده سياق الربيع العربي، والتعبئة غير المسبوقة ممثلة في»حركة 20 فبراير» الداعية إلى ملكية برلمانية.. هذا الدستور أبقى على العلاقة بين الملكية والإسلام والوطنية إضافة إلى أنواع الشرعية التقليدية للسلطة في الإسلام ، من قبيل البيعة أو الإمامة، مع تبنيها، بشكل فارق كأسس لنظام سياسي معاصر، يتبنى في نفس الوقت الملكية الدستورية، بل البرلمانية وإمارة المومنين! مما أفضى إلى الجمع، في الوثيقة نفسها، بين الشرعية الانتخابية والشرعية التقليدية: وهكذا نجد أن الفصل 19 القديم، والذي كان يسمح للملك، باعتباره أميرا للمومنين، بالتشريع بواسطة الظهير، انشطر إلى فصلين وهذا الانشطار صار يميز بين الوضعين الاعتباريين: وضع أمير المومنين الذي صار يشرع بواسطة الظهير في المجال الديني وحده (الفصل 41)، ووضع رئيس الدولة المطالب بالتلاؤم مع احتكار السلطة التشريعية من طرف البرلمان (الفصل 42). هذا الترتيب مع إلغاء الإحالة على قدسية شخص الملك، لم يغيرا مع ذلك من عمق المشكلة ، ألا وهي تفوق سلطة الملك بفعل موقعه في الحقل الديني ..