ديوان «قصائد مسروقة وغير مسروقة» للشاعر محمد مستاوي . .السطو المعنوي أخطر من السطو المادي

أصدر الشاعر والباحث محمد مستاوي هذه السنة، عن مطبعة دار السلام، ديوانا وسمه بـ» أغان أمازيغية مسروقة وغير مسروقة» قصائد معربة.
الشاعر الذي تغنت بأشعاره العديد من المجموعات الغنائية والروايس ممن يؤدون اللون الأمازيغي، والذي أبدع روائع غنائية منذ ما يقارب الخمسين سنة، دق ناقوس خطر داهم بالملكية الفكرية للمبدع، الذي رغم صدرور قانون خاص بها بالمغرب ، وخاصة القانون رقم 2-00المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، لايزال ينتهك من المتطفلين على الميدان الفني والإبداعي عموما.
هذا الانتهاك جعل الشاعر مستاوي يُصدّر كتابه هذا بعنوان استنكاري دال: «صرخة شاعر»، وبإهداء لا يخلو من مرارة عبر عنها بعبارة: «إلى الفنانين الذين سجلوا أبناءنا في حالتهم المدنية».
في هذه الصرخة يتوجه مستاوي إلى مجموعة من الفنانين الأمازيغيين من فئة الروايس، وبعض المجموعات المعاصرة التي تجاهلت دعواته المتكررة إلى لا قانونية السطو على قصائده المغناة دون الإشارة، من باب التعفف والاعتراف، إلى صاحبها، رغم أنه لجأ إلى القضاء ضد بعض الشركات والذي أنصفه في النهاية.
إلا أن ما يحز في قلب هذا الشاعر هو الاستمرار في تجاهله كمؤلف لهذه القصائد، وهو ما جعله أمام مهمة مستعجلة هي تدوين القصائد المغناة في هذا المؤلف، هو الذي يحس كل ما سمع قصائده تذاع بأسماء أخرى وكأنها «أبناء انتزعوا منه»، وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على طلبة الجامعة المطالبين بالبحث والتدقيق في مصادر أعمالهم البحثية والإشارة إلى الشعراء الأصليين لا إلى المؤدين الذين يبنون شهرتهم على إبداعات الغير.
الكتاب يتضمن أيضا لمحة عن مسار الأغنية الأمازيغية من الهواية الى الاحتراف، معرجا على ظاهرة المجموعات الغنائية.
تجدر الإشارة إلى أن الشاعر مستاوي أردف بكل القصائد المدونة بالأمازيغية في هذا الكتاب، ترجمتها إلى العربية، إيمانا منه أن الكلمة إنسانية، ومن حقها أن تشاع دون أي نزعة تعصب للغة أو دين.

 

أن تعصر عصارة أفكارك معناه أن تعاني معاناة شديدة وأن يؤرقك هم الإبداع، فيصيرك إنسانا مهموما يسكنه البوح الذي لا يمكن إخفاؤه عن النفوس الحساسة. لذا لابد من إماطة اللثام عما يعانيه الشعراء المبدعون الكبار، وهم يلدون قصيدة خرجت من رحم المعاناة.
في هذا السياق تندرج تجربة الشاعر محمد مستاوي الذي أغنى الميدان الشعري الأمازيغي بالعديد من القصائد الرائعة والرائدة، في شتى المجالات والمواضيع، فدونها في دواوين عدة منذ خمسين سنة، إلا أن الإشكال المطروح يكمن في كون بعض هذه القصائد التي اكتوى بنار صيانتها وإبداعها قد سرقت منه عنوة من قبل فنانين ومجموعات غنائية فحرموه بذلك نشوة الأبوة البيولوجية، وهذا ما دفعه إلى أن يؤلف هذا الديوان الجديد، والذي سماه : «القصائد المسروقة وغير المسروقة»، بحيث جمع فيه ما تغنى به الناس واستلذوه واستمرأوه دون أن يعرفوا أن هذه القصائد هي من إبداع الشاعر محمد مستاوي.
إضافة إلى هذا، فقد ضمن هذا الديوان قصائد غير مغناة، وهي مساهمات هنا وهناك. وحتى يقرب الشاعر المتلقين الذائقين للشعر الأمازيغي الرصين، فقد قام بتعريب نسبي لهذه القصائد، حتى يقف هؤلاء على ما تحمله من كنوز فكرية وقضايا لصيقة بالمجتمع الإنساني عامة والأمازيغي خاصة، لأن هــــذا المجتمـع – كما يـــرى الشاعـــر محمد مستــــاوي – يكتب بشفتيه ويقرأ بأذنيه.
هي عديدة تلك القصائد المغناة دون أن يشار إلى صاحبها الحقيقي، حيث إن السطو المعنوي أخطر من السطو المادي، وهذا يعد اعتداء على إبداع الشاعر واعتداء على أحاسيسه ومشاعره.
ليس الشاعر محمد مستاوي الوحيد الذي تعرضت قصائده للسطو ولتجاهل اسم مبدعها، بل هناك شعراء آخرون من مثل الحاج أحمد الريح، والشاعر عمر برغوث، وغيرهما كثير ممن لم تدون أسماؤهم على أشرطة الأغاني في سنوات الثمانينات والتسعينات وبداية الألفية الثالثة وإلى الآن.
وقد دخل الشاعر محمد مستاوي في محاكمات طالت شركات الإنتاج التي ليس لها من غرض إلا الربح المادي الصرف، مدافعا بذلك عن حقوق المؤلفين.
وبالتالي ليس من أخلاق الفنانين النزهاء الترامي على إبداع الغير والتغني به، دون الإشارة إلى أسمائهم كتابة أو صوتا ودون استشارتهم قبل تلحينها وغنائها، لذا فقد آن الأوان لأن ننصف هؤلاء المبدعين باحترام حقوقهم، والضرب بيد من حديد على أيدي أولئك العابثين بإبداع الشعراء، ولا نترك هذا المجال سائبا لأولئك المسترزقين والذين يمتصون دماء وعرق كل مبدع شريف.
إن الشاعر محمد مستاوي قد أحسن حين قام بهذه المبادرة، وهي خطوة سوف يحدوها الكثير من المبدعين للدفاع عن حقوقهم المعنوية قبل المادية، وهذا ما يستدعي إنشاء هيئة وطنية من المبدعين لكي تترافع عن حرمة هذا الإبداع، وتؤسس لثقافة تتسم بأخلاق المبدعين الشرفاء الذين يحترمون إبداع الآخر، ويعترفون بالفضل لأصحابه.
فلنصفق إذن للأب الشرعي للقصيدة، وليس للذي تبنى هذا المولود أوذاك، لمن كتب مستاوي في حقهم في هذا الديوان» إلى الفنانين الذين سجلوا أبناءنا في حالتهم المدنية»، خاصة إذا علمنا أن الدراسات الجامعية تناولت وتتناول الثقافة المغربية الأمازيغية في جامعاتنا لتنسب القصائد أحيانا بل في أغلب الأحيان لهذا المغني أو تلك، لا لهذا المبدع وذاك.


الكاتب : ذ.علي الزهيــم

  

بتاريخ : 16/10/2024