رئيس مجلس النواب: الديمقراطية تبنى بالاستشارة، والحوار، والاستفادة من تجارب الآخرين

في لقاء تقديم الحصيلة المرحلية لمشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب المغربي والجمعية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني

عرف مجلس النواب، أول أمس، لقاء من أجل تقديم الحصيلة المرحلية للتوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب بالمملكة المغربية والجمعية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني بعد حوالي سنة من انطلاقته، وترأس هذا اللقاء عن الجانب المغربي الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، وعن الجانب الفرنسي كلود بارتلون رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، ثم ديفد ايمس عضو مجلس العموم البريطاني الذي يمثل رئيس مجلس العموم.
خلال هذا اللقاء، الذي حضرته كل من إليزابيت غيغو رئيسة لجنة الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، وفد فرنسي رفيع المستوى، سفير فرنسا بالرباط، القائم بالأعمال بسفارة الاتحاد الأوروبي بالرباط، وممثل السفارة البريطانية، فضلا عن أعضاء مكتب مجلس النواب و ممثلين عن الفرق والمجموعات البرلمانية المغربية بمجلس النواب، قدم الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب كلمة بالمناسبة، ثمن فيها في البداية ما تحقق في إطار مشروع التوأمة المؤسساتية بين المجالس المنتخبة من تبادل للخبرات وللمهام الدراسية وللمهارات وإنتاج للوثائق.
وأشار رئيس مجلس النواب في نفس الوقت، إلى أن» ما تحقق في إطار هذه التوأمة ما كان ليتحقق لولا توفر الإرادة السياسية المشتركة والدفع السياسي الذي لقيه المشروع من جانب السلطات السياسية في مجالسنا الشريكة».
وفي السياق ذاته، سجل على أن الإرادة والتصميم كانا أساس انطلاق هذا المشروع الذي يعتبر أحد تجسيدات وضع الشراكة المتقدمة الذي يتمتع به المغرب في علاقته مع الاتحاد الأوروبي، تلك العلاقة التي تتمثل اليوم في شراكة استراتيجية متعددة القطاعات والأوجه لا يمكن اختزالها في المصالح المتبادلة وتبادل السلع والخدمات فقط، بل ترتكز، بالأساس، على قيم ومثل ليس أقلها الديمقراطية ودولة الحق والقانون والتعددية والتسامح والانفتاح.
وفي ما يتعلق بأهمية هذا المشروع، أكد المالكي أن هذه التوأمة بين مجلس النواب المغربي والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني، تندرج في إطار التعاون البرلماني الهادف إلى تأهيل وسائل العمل على أساس احترام سيادة المؤسسات الديمقراطية الصاعدة التي هي في حاجة إلى تبادل الخبرات للرفع من مستوى احترافية الإدارة في كل المجالات، من تشريع ومراقبة للحكومة والدبلوماسية البرلمانية، بالإضافة إلى الصلاحيات الجديدة التي تضمنها دستور 2011 المتعلقة بتقييم السياسات العمومية، ومساءلة رئيس الحكومة كل شهر بالإضافة إلى العرائض والملتمسات من طرف المواطنات والمواطنين.
وفي هذا الإطار ذكر رئيس مجلس النواب أن الديمقراطية تبنى بالاستشارة، بالحوار، بالاستفادة من تجارب الآخرين، ولا تبنى بالانغلاق على أساس المطلق الذي يؤدي لا محالة إلى الطريق المسدود، ملفتا النظر إلى أن الديمقراطية بالمغرب تؤمن، طبقا لدستور 2011، بالقيم الكونية وبالمبادئ التي ساهمت في تشكيل الرصيد اللامادي للإنسانية.
وبخصوص السياق الدولي والجهوي، أوضح رئيس مجلس النواب «أننا نعيش اليوم مرحلة معقدة وصعبة جدا، جراء تعدد بؤر التوتر والحروب الأهلية وغير الأهلية، خاصة في البحر الأبيض المتوسط، مع عولمة الإرهاب الذي يقتل ويدمر في كل مكان، كل هذه العوامل تهدد الكيانات الديمقراطية والمؤسسات التمثيلية»، لذلك يقول المالكي «علينا كبرلمانيين أن نفكر في الحلول السياسية والمؤسساتية والفكرية الملائمة دفاعا عن شعوبنا وكرامة مواطنينا واستقرار بلداننا».
واقترح رئيس مجلس النواب في هذا الباب، العمل على تحسيس الاتحاد الأوروبي بمراجعة السياسة الأوروبية للجوار التي وضعت سنة 2007، مبرزا أن عشر سنوات مضت جعلت من البحر الأبيض المتوسط مقبرة للأحياء لا الموتى، فظاهرة الهجرة مأساة إنسانية ومادة استهلاكية على المستوى الداخلي لعدد متزايد من البلدان الأوروبية.
ودعا المالكي بنفس المناسبة إلى فتح حوار برلماني إفريقي عربي أوروبي، هذا الحوار الذي أصبح يفرض نفسه، باعتبار أن دور البرلمانات في هذه المرحلة أصبح دورا حاسما إلى جانب دور الدول والحكومات، مشددا على أن صوت الشعوب يعتبر عاملا أساسيا في تقوية الحوار بين إفريقيا والدول العربية وكذا دول أوروبا، ومن شأنه أن يعزز ثقافة السلم والانفتاح.
ومن جهة أخرى، أشار المالكي إلى أن المعاهدات والاتفاقيات التي تترتب عنها التزامات متبادلة وسياسات، لا ينبغي أن تكون محكومة بالأمزجة أو تخضع لابتزازات جماعات الضغط. وفي المقابل ينبغي استحضار تضحيات بلادنا وكلفة الإصلاحات التي تنفذها حتى تفي بتعهداتها الدولية.
وأكد المالكي أن المغرب باعتباره ديمقراطية وقوة اقتصادية صاعدة نموذجية في جنوب وشرق المتوسط وإفريقيا، قاعدة أساسية للاستقرار ونموذجا للانفتاح الواعي بفضل الإصلاحات العميقة التي راكمها لسنوات، وما من شك في أن عودته إلى عائلته المؤسسية الإفريقية -الاتحاد الإفريقي- والتي تحققت بفضل دبلوماسية ميدانية قادها جلالة الملك محمد السادس، ولا يزال، وبفضل العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي راكمها على مدى سنوات، ما من شك، في أن هذه العودة تفتح آفاقا جديدة للتعاون جنوب -جنوب وشمال -جنوب.
وأبرز المالكي الموقع الجغرافي للمغرب والعلاقات الوطيدة التي تجمعه بالاتحاد الأوروبي، والدور الذي يمكن أن يضطلع به في التعاون والحوار بين ثلاث مجموعات جغرافية/جيوسياسية: العالم العربي وإفريقيا والاتحاد الأوروبي، هذا الدور الذي تعززه الشراكة الجديدة التي يرسيها المغرب مع عدد كبير من البلدان الإفريقية والتي تفضل التعاون جنوب –جنوب ، كما تعززه مكانته المتميزة في المجموعة العربية.
وقال رئيس مجلس النواب في هذا الصدد «إننا مطالبون باستعادة روح التعاون والتفاهم والتبادل التي سادت ،في قرون مضت، المجال الخصب الممتد من أوروبا إلى إفريقيا عبر المتوسط، والتي يسرت قيام معالم حضارية كبرى امتدت من أثينا وروما وغرناطة مرورا بفاس ومراكش، ووصولا إلى تومبوكتو».
ومن المؤكد أن المغرب وفرنسا، البلدين الشريكين والصديقين واللذين يتقاسمان، فضلا عن المصالح، علاقات بشرية وثقافية متميزة، يعرفان كيف يتوجهان إلى المستقبل في هذا الأفق الإفريقي -الأوروبي، مدعومين برصيد هائل من الروابط التي تجمعهما معا بالبلدان الأوروبية والإفريقية.
وقد كان العمل المشترك الذي أنجزه البلدان من أجل نجاح مؤتمري المناخ cop21 بباريس وcop 22 بمراكش، نموذجا وثمرة للشراكة النموذجية التي تجمع المغرب وفرنسا والتزامهما من أجل مستقبل البشرية كما كانا بالأمس حليفين ضد النازية والفاشية.
ومن جهة أخرى، شدد رئيس مجلس النواب على أنه، رغم قرار الشعب البريطاني الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فإن المملكتين المغربية والبريطانية اللتين تجمعهما علاقات صداقة وتعاون وتبادل ضاربة في التاريخ، ستواصلان التعاون وستعرفان، بالتأكيد، كيف تفتحان آفاق جديدة في علاقاتهما، مع أخذ المتغيرات الجديدة بعين الاعتبار. ولا شك أن هذا الانسحاب يوفر فرصا جديدة للتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، ويتعين على مؤسساتنا التشريعية أن تضطلع بدور هام في السعي إلى تحقيق هذه الأهداف، يضيف المالكي، ولا شك في أن الشراكة التي نحتفي بها اليوم ونقيم المنجز فيها، تعتبر نموذجا للمساهمة الجماعية في البحث عن المزيد من ترسيخ الديمقراطية والمشاركة المواطنة وتحسين صورة البرلمانات وتجويد إنتاجها وتيسير تواصلها مع المواطنين. وفي سياق تزدهر فيه الخطابات الشعبوية وخطابات الحقد والتطرف، تزداد الحاجة إلى برلمانات قوية تتعاون وتتشاور في ما بينها.
وبالموازاة ذكر المالكي بالمسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق النخب السياسية والبرلمانيين كمشرعين، لإعادة التوازن إلى العلاقات الدولية التي ينبغي إعطاؤها مضمونا اقتصاديا واجتماعيا جوهره الإنصاف وتوفير أسباب الاستقرار، مشيرا أن المنطقة التي نعيش فيها تتوفر على كل مقومات التكامل والحفاظ على مكانتها المركزية في عالم مفتوح على كل الاحتمالات.
ومن جانبه، شدد كلود بارتلون رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية في كلمة له، على أن المساهمة في هذا المشروع المتمثلة في التوأمة بين مجلس النواب المغربي والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني تنبع من علاقات التعاون العميقة والصداقة التي تجمع ما بين المغرب وفرنسا منذ مدة طويلة.
وفي هذا الإطار، عبر رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية، عن استعداد مؤسسته للتعاون عمليا من أجل أن يحقق هذا المشروع كل أهدافه المرسومة له، مبرزا أن العلاقات المغربية الضاربة جذورها في التاريخ لا تحتاج إلى اتفاقية من أجل تمتينها وتقويتها، فهي علاقات تاريخية وعميقة، لذلك يجب التعاون ما بين المؤسسات البرلمانية في هذا المشروع من أجل نقل المناهج والكفاءات مع احترام السمات الفردية لكل بلد من البلدان، مؤكدا في ذات السياق أن الهدف هو تبادل الخبرات والأفكار وليس التأثير على بلد ذي سيادة، خاصة أن التعاون البرلماني حقيقة من شأنها مساعدة بلداننا.
ومن جهته، عبر ديفد ايمس، عضو مجلس العموم البريطاني الذي يمثل رئيس مجلس العموم في هذا اللقاء، عن استعدادهم التعاون ما بين البرلمانات كي يتمكن المشروع من الوصول إلى كل أهدافه ولمواصلة تنفيذ الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 ، عبر تبادل التجارب والخبرات، وفي ذات السياق أكد ممثل رئاسة مجلس العموم البريطاني التزام مجلس العموم بدعم البرلمان المغربي من خلال هذه الاتفاقية.
وتدخل بنفس المناسبة روول دي ليزنبوغر، القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي لدى المملكة المغربية، حيث أكد علاقات التعاون مابين المغرب والاتحاد الأوروبي وتقويتها بما يخدم مصالح الطرفين، وعبر عن دعمهم ومساندتهم لمشروع التوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب بالمملكة المغربية والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني.
وخلال هذا اللقاء، قدم نجيب خدي الحصيلة المرحلية للتوأمة المؤسساتية بين مجلس النواب بالمملكة المغربية والجمعية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني الذي مرت سنة على انطلاقته.
يهدف هذا المشروع إلى دعم قدرات إدارة مجلس النواب بالمملكة المغربية لممارسة اختصاصاته التي تعززت بعد المصادقة من خلال الاستفتاء على الدستور الجديد 2011.
ويمتد هذا المشروع على مدى سنتين 2016-2018، وهو على شكل توأمة مؤسساتية بين مجلس النواب المغربي والجمعية الفرنسية بمساهمة مجلس العموم البريطاني بصفته شريكا أساسيا، وبدعم من البوستاغ الألماني ومجلس النواب البلجيكي والبرلمان اليوناني.
النتائج المتوخاة من المشروع تتجسد في تعزيز القدرات والمؤهلات في مجال التشريع، ولاسيما قدرات مديرية التشريع والرقابة، وتعزيز القدرات في مجال مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية في ضوء الممارسات الدولية، وتعزيز قدرات الإدارة وزيادة الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة، وتقوية النظام المعلوماتي الخاص بمجلس النواب وصيانته وضمان أمنه.
وبالنسبة لمكونات المشروع، تسعى الأنشطة الجاري تنفيذها في إطار التوأمة إلى تعزيز قدرات إدارة مجلس النواب وتحسين أداء العمل البرلماني، ويتم لهذه الغاية إعداد مجموعة من الدلائل العملية والوثائق الخاصة بكل نشاط، كتجويد صياغة القوانين وتقوية الديمقراطية التشاركية، ثم مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية، بالإضافة إلى مشاركة النساء في العمل البرلماني، والدبلوماسية البرلمانية، وإدارة مجلس النواب وتكنولوجيا الإعلام والاتصال.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 14/04/2017