رحلة في قصة «بدر الدين وطاقية الشفاء» لخالد أقلعي

 

 

قبل الإنصات لقصة «بدر الدين وطاقية الشفاء» للمغربي خالد أقلعي الموجهة للأطفال، والحائزة على الجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل بتونس دورة 2013، يجدر بنا الإشارة إلى أن «الكتاب الموجه إلى الطفل هو مادة سريعة الاشتعال في ذهن الطفل، وأنه من الوسائط الجوهرية التي تنقل التجربة الإنسانية إلى الطفل الذي سيكبر سريعا، وفي وعيه ولا وعيه كثيرا مما قرأه في طفولته 1» ص 122.
وفي هذا السياق، فإن لأدب الطفل أهمية بالغة لدى كثير من المجتمعات الإنسانية المتقدمة، تدعمه وتنشره وتحتفي به، بل» يعد الآن من الصناعات الثقافية الثقيلة في الولايات المتحدة الأمريكية 2» ، أما أحواله في واقعنا العربي، وبالنظر إلى هو ملاحظ مع بعض الاستثناءات ف» يعيش حالة من الفوضى الواسعة بكل معاني الكلمة واتجاهاتها، فوضى في كل شيء يمثله ويمتثل له هذا الأدب، ويكشف عوالمه ، ويتحسس عاته وممكناته ومنتجاته 3».
ومن هذه الاسثتناءات قصة «بدر الدين طاقية الشفاء « لخالد أقلعي، الصادرة عن مطبعة الحكمة بتطوان في طبعة ثالثة من الحجم المتوسط ، وتقع فصولها الستة على امتداد 25 صفحة .
المقبل على عتباتها باعتبارها جسرا للعبور إلى دلالة النص ومقاصده، وإفشاء لنيته، من عناوين داخلية وخارجية، اسم المؤلف، دار النشر وغيرها من المناصات، سنكتفي بمقاربة العنوان وصورة الغلاف .
وعطفا على ما سبق، جاء عنوان القصة جملة اسمية طويلة «بدر الدين وطاقية الشفاء» مكتوبا بحروف مضغوطة وكبيرة، وبعد التأمل وجدنا أنه من العناوين الموضوعاتية حيث يدل بصورة مباشرة على أن القصة، تدور حول بدر الدين والطاقية الشافية، مما يثير اندهاشا وفضولا لدى الطفل لمعرفة هذه العلاقة التي تربطه بهذه الطاقية العجيبة التي تشفي.
وبخصوص صورة الغلاف الأمامية التي أنجزها الفنان أحمد البقالي، «لغة ثانية تروم التخلص من ديكتاتورية اللغة الأولى على رأي رولان بارت، وأول ما يخطف البصر، نقف على أنها تقدم شخصية بدر الدين بصورة مكبرة، باسما، وبكل تفاصيله الجسدية، ويمسك بين يديه طاقية حمراء، خلفه مجموعة من البنايات ومئذنة. ويأتي لون الصور في الطليعة، وهو ما يشد الانتباه البصري لأن اللون عامل رئيسي وهام في شد انتباه الطفل، كما أنها توحي بتناغمها والعنوان، كما تتيح للطفل فرصة أكثر لفهم المحتوى». فالرسم أو الصورة المستخدمة ليست لتزيين الكتاب وليست تكملة إضافية له، بل إن دورها ووظيفتها المنوطة بها هي أن تضيف إلى المحتوى ما يحرك القدرة على الفهم 4»
فما الذي تحكيه هذه القصة ؟
تحكي قصة «بدر الدين وطاقية الشفاء» عن ثلاثة أصدقاء «عادل وبدر الدين، وسفيان»، لكل منهم أمنية. الأول يريد أن يصبح من الأثرياء، والثاني يمني نفسه الحصول على سيارة فارهة يشارك بها في السباقات الدولية بسيارة رياضية حديثة، وأمّا الثالث فيحلم بالحصول على كتاب طبي مفقود لابن بصيرة، كي يساعده في اختراع طاقية الكترونية تمكنه من تحقيق من شفاء العلل المستعصية، وتشاء الأقدار أن تتحقق كل أماني الأصدقاء، لكنها لم تنته بانتصار أمنية بدر الدين والاحتفاء بتحقيقها.
وبالنظر الى الشخصيات المركزية التي تدير هذه الأحداث، يجد القارئ نفسه أمام نظام ثنائي يقابل بين الخير والشر، وينتصر الأول، وهو ما يروم فتح الباب أمام مقاصد تعليمية وتربوية وتوعوية، من قبيل الخير والنظام ضد التهور والهذر، وهو ما تدعمه النهاية السعيدة، وهذا يعني فتح شهية الطفل ليتشبث بالقيم الأخلاقية والإنسانية.
وعليه، إلى أي حد استجابت القصة إلى غرس هذه القيم الإيجابية والتنبيه والتحذير من القيم السلبية؟
قصة «بدر الدين وطاقية الشفاء» مسكونة بمجموعة من القيم التربوية والتعليمية، تهدف إلى توعية الطفل بجملة من القضايا والآفات الاجتماعية الرديئة والمشينة التي تهدد حياتهم مثل التدليس والتزوير والقمار الذي يسكن عادل يقول السارد : « فقد كان لا يتردد في شتى أنواع التزوير والتدليس ليظفر بالمال» ص31، ونقرأ أيضا:» إن جشعه وحبه للمال انتهى به إلى المقامرة في مسابقات الميسر « ص33.
ومثله الهوس المرضي لسفيان بالسيارات الفارهة الذي أدى به إلى خلق الأعذار ليتغيب عن الدرس:»والحق أن هذا الهوس بلغ بسفيان مرحلة متقدمة من الخطورة جعلته يدعي المرض، ويتخلف عن الدراسة» ص 30، ومثله انغماسهما معا بعد تحقيق أحلامهما في الهذر ومتع الحياة « لقد أخرى عادل … صديقه سفيان بالسهر في إحدى المراقص المعروفة في ضواحي العاصمة باريس» ص56، كل هذا أورثهم الفشل والندم بعد خسارة عادل لكل ثروثه و»اضطراب أحوال البورصة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، وتخمينات مستشاريه الاقتصاديين الخاطئة» ص 57، تعرضهما معا إلى حادثة سير كادت تودي بحياتهما يقول السارد:»وما هي إلا لحظة حتى تحولت الساحة العمومية، التي كانت تسبح منذ قليل في هدوء ليلي منعش، إلى ورشة إنقاذ تغص بصراخ ودخان، ونار ومياه منبعثة من خراطيم رجال المطافئ، وهم يجاهدون لإخماد النيران المشتعلة في ما تبقى من سيارة سفيان المتفحمة « ص 60.
في حين نلفي شخصية بدر الدين يجسد قيما نبيلة فعالة تتمثل في البحث والتحصيل والالتزام، ومن ثم تمرير مجموعة من الدروس الأخلاقية والتربوية، مصاحبة الطفل لكل التفاصيل التي تعنيه يعرف الطفل كيف أن بدر اللدين ظل في خلوته متشبثا بأمنيته التي تعود على الآخرين بما ينفعها، وتتحقق بعد مثابرته ليقام له حفل بهيج «بمناسبة نيله الجائزة العالمية الأولى للمبتكرين الشباب، وذلك، بعد نجاحه في تصنيع ابتكاره العجيب طاقية الشفاء « ص 69
وكي لا تتحول قصة « بدر الدين وطاقية الشفاء» إلى مجرد مضامين تربوية على حساب الشكل الفني والجمالي فإن الكاتب حرص على عرض قصته وإخراجها وإخراجها مما ساهم في تناغم الشكل والمضمون، كما تقتضيه الكتابة للأطفال.
معظم الصفحات كتبت بخط أسود واضح، مما ييسر فعل القراءة، ويساهم في تحبيب القراءة وجمالية التلقي، وتبث في نفسه التشويق.
استعمل الكاتب تركيبا لغويا مناسبا ومفهوما لدى جمهور الأطفال، خاليا من الألفاظ النابية « التي تنافي الخلق النبيل، أو تجرح الحياء، بعيدا عن الغرابة والغموض، وربما كان مناسبا أن الكاتب ارتأى شرح بعض الكلمات المفردة، وهذا من شأنه تنمية المعجم اللغوي للطفل.
تقديم الدفة الأولى للغلاف خطابا بصريا من خلال ألوان زاهية، لأن ما يثير انتباه الطفل للكتاب هو الغلاف الرشيق، وهذا ما تشهد به الصورة التي تملأ كل الدفة الأولى، وجاءت معبرة عن دلالة القصة.
وبذلك تكون قصة «بدر الدين وطاقية الشفاء» قد حققت مقومين أساسين هما: «الجمع بين الإمتاع والإفادة أو البعد الفني والبعد التربوي من جهة، ومراعاة أو مناسبة الفئة العمرية المستهدفة 5».
بعد هذه الرحلة القصيرة قصة ب»بدر الدين وطاقية الشفاء» التي يقدمها خالد أقلعي للطفولة، لا يسعنا سوى أن تحفي بطبعتها الثالثة والرشيقة، في هذا التوقيت الذي هيمنت فيه الألعاب الإلكترونية.
وفي انتظار عنوان آخر موجه للطفولة «ليتنا ولدنا شيوخا ومتنا أطفالا» على رأي تولستوي.

هوامش:

د , آمنة الرميلي، الملتقى العربي لأدب الطفل، الطفل في الأدب العربي الموجه إلى الطفل، ص122
د. محمد آيت ميهوب، الملتقى العربي لأدب الطفل ،الكتاب الموجه إلى الطفل.
مطامح الإبداع ومقتضيات الصناعة . ص 5
فاضل الكعبي، أدب الأطفال بين الظاهر والمسكوت عنه ،بوابة الكتاب، ص 14
ذكاء الحر، الطفل العربي وثقافة المجتمع، دار الحداثة، بيروت، ط1، 1992، ص10
د. شفيع بالزين ، التخييل واللتأويل قراءات في الرواية التونسي ، الأمينة للنشر والتوزيع ، ص 159


الكاتب : عبدالله المتقي

  

بتاريخ : 15/07/2025