رفض التزاوج مع السود الأحرار 14 : تاريخ العبودية، العرق والإسلام

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

في القرن ال18، في منطقة “سوس» (جنوب المغرب)، لم يخف بعض العلماء المسلمين عنصريتهم عندما جمع جيش مكون من جنود سود أنشأه السلطان مولاي إسماعيل (حكم من 1672إلى 1727) في شكل قوة هائلة. ذكر “المختار السوسي» (1900-1963)، أن عالما آخر، هو “أحمد بن محمد بن يعزى بن عبد السميح الرسموكي»، في نقاش مع أصدقائه (جميعهم من سوس)، الذين كان قد أشاد بهم سابقا لإنجازاتهم العسكرية، وصل الحد به أن يقترح مسابقة شعرية تسخر من هؤلاء السود. وأشار إلى “الحراطين»باستخدام 3مصطلحات: (عبيد)، “حراطين» (سود أحرار)و(السود) – بالتبادل بينها، وهو مزيج مهين بكل تأكيد، كما قام الرسموكي وأصدقاؤه بتأليف “قصيدة تشهيرية»تحتوي على قائمة من الخصائص الجسدية والمعنوية السلبية عنهم.
لوحظ هذا التحيز الثقافي والعنصري في جميع أنحاء البلد.. أعرب الباحث المغربي “أحمد بن عجيبة التوتاني» (ت 1809) “بسخط عن احتجاجه على المعاملة والمواقف العنصرية تجاه المغاربة السود»، حيث أعلن عجيبة- وهو من منطقة تطوان-أنه كان يعرف أشخاصا يشككون في إمامتهم لصلاة الجمعة والأعياد الدينية، كما كان يعرف أيضا أشخاصا رفضوا “التزاوج مع السود حتى لو كانوا متساوين وأحرارا». لاحظ المستكشف فرنسي “رينيه كاييه» (1799-1838)، المواقف العنصرية عندما زار جنوب المغرب في عام 1828في طريق عودته من رحلة إلى “تمبكتو»، إذ كتب أنه “في منطقة تافيلالت، لم يتزاوج السود أبدا مع المغاربة (العرب والبربر)، وأنه حتى الأطفال خارج نطاق الزواج التقليدي (أي من أب أو أم سوداء)، ليس لديهم وضع حقيقي وحكم عليهم بالبقاء في المستويات الدنيا من المجتمع دون أمل كبير في تحسين وضعهم الاجتماعي».
أكد عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الراحل “ديفيد هارت»أيضا، على استياء مماثل تجاه “الحراطين» (السود الأحرار) من قبل “البربر» (الريفيين) في منطقة “درعة»، وهو استياء لا يزال موجودا حتى في القرن ال20. هؤلاء “الحراطون»يميلون إلى بربر الواحات، وغالبا ما أجبروا على نظام طبقي يعملون فيه كمزارعين يطلق عليهم “الخماسين»، يدفعون خمس ما أنتجوه لملاك الأراضي البربر. أشار هارت إلى موقف قبيلة “آيت عطا»في منطقة “درعة»تجاه “الحراطين»: «بهذا المعنى فإن قبائل آيت عطا هم بلا شك أكبر العنصريين في الجنوب المغربي. إنهم، بربر بيض منظمون قبليا، يحملون السلاح دائما، يحتقرون الحراطين لكونهم: (1) زنجيين، (2) غير قبليين، (3) مستقرين وزراعيين، (4) عديمي الخبرة في حمل السلاح». كما تم ترميز التفوق المزعوم لأمازيغ»آيت عطا»على “الحراطين»في قوانينهم العرفية قبل الإسلام، والتي تضمنت قواعد تمييزية “صريحة»مثل حظر بيع منزل أو أرض للحراطين.
هذا الموقف تجاه العرق-الحفاظ على النسب وفقا للامتياز الاقتصادي-لا يزال من الممكن رؤيته في منطقة “آيت عطا». قامت “سينثيا بيكر»بعمل ميداني مكثف في المغرب في عام 1993بين “آيت خباش»(مجموعة بربرية تعيش في منطقة مع مجموعة سوداء أخرى تنحدر من العبيد)ولاحظت أن: «قبيلة “آيت خباش»رفضوا التزاوج مع السود من أجل الحفاظ على النقاء “الخيالي»لنسبهم، على غرار إشارة “آيت خباش»إلى جيرانهم السود باسم “إسمخان»(Ismkhan) أو “إسمغان» (Ismgan)، وهي كلمة أمازيغية تعني “عبد»، والتي يمكن استبدالها بالسود والحراطين أيضا».
وجد بناء الأعراق والمواقف العنصرية، تربة أيديولوجية خصبة من خلال الأنساب المختلفة للانتماء الإسلامي، التي أصبحت وسيلة مهمة لتأسيس الوضع والوئام الاجتماعي، وكلاهما يمنح مبررا لفرض السلطة السياسية في الأراضي التي احتلت لأجيال من قبل أشخاص ذوي بشرة داكنة .. كان أفضل مكان للحصول على العبيد، هو بالقرب من الأراضي الحدودية ل»الكفارالسود»، أي “السودان»التي ساهم تباين سكانها في الخصائص الجسدية مع العرب والبربر، في العلاقة المفاهيمية بين لون البشرة وقابلية الاستعباد ما بينهم.
إن التنافس القديم بين البربر (الرحل) والسود (المستقرين) الذين احتلوا الأراضي التي أجبر البربر على دخولها عندما تعرضوا هم -البربر -أنفسهم للتهديد من قبل الغزاة الأجانب، وهاجروا إلى الأراضي التي احتلها السود اتخذ شكلا إسلاميا بعد تحول البربر إلى الإسلام خلال القرنين السابع والثامن. ينزه الكاتب: «أن جميع الجماعات البربرية لا تسير على نفس المنوال»، حيث يختلط البعض منها بشدة وقوة مع السود، وخاصة “الطوارق»في منطقة الساحل الذين يطلقون على أنفسهم اسم (Kel Tamasheq) مع التركيز على لغة مشتركة».
من بين أحد الأفارقة المسلمين القلائل، الذين حاولوا شرح “معضلة فهم العرق في إفريقيا المعربة»هو الباحث الإفريقي (الكيني، العماني الأصل)الشهير “علي الأمين المزروعي»، الذي جادل بأن “نظام النسب العربي سمح باستيعاب عرقي كبير. تم قبول الشوائب في المستويات العليا كأعضاء كاملين – بشرط أن يكون الأب عربيا. وهكذا، في المجتمعات المستعربة، يكون المرء إما عربيا مع سلسلة متصلة من البشرة الفاتحة (مثل العرب السوريين) إلى البشرة الداكنة (مثل العرب السود في موريتانيا)، أو ببساطة أسود. ولا توجد فئة محددة من مجموعة مختلطة مثل “الخلاسيين»أو “المستيثو» (المستيزو) أو “شعوب الكريول»في الأمريكتين»، كما يرى أن “النظام العربي شامل ومتسامح».
لكن في الواقع، كان للثقافة العربية السائدة معايير مزدوجة في معاملتها لغير العرب مثل “الأفارقة السود»و»الأقباط المصريين»و»البربر»في “المغرب العربي». تم قبول الأقباط والبربر في المجتمع العربي بأقل تحيز مقارنة بالأفارقة السود. تمت الإشارة إلى الأطفال المختلطين عرقيا ل»العرب»و»الأيبيريين»على أنهم مسلمون “حديثو الولادة»(المولدون (جمع المولد)، وهو مصطلح ربما كان يحمل في البداية دلالة ازدرائية، ولكن في النهاية مع الأجيال التالية فقد معنى “التمييز العنصري»المنقول حيث أصبح المغاربة مجموعة متجانسة. مثال آخر على التمييز العنصري يتعلق بالبربر، الذين تم تصنيفهم في الفترة الإسلامية المبكرة على أنهم “أبناء حام»، ولكن عندما تغيرت علاقات القوة وأنتج البربر علماء وحكاما عدة، تضاءلت العنصرية في الروايات التي تلت إنجازاتهم، والتي أعطت أيضا أنسابهم احتراما أكبر.
لتوضيح حجة المزروعي، يذكر الكاتب مثالا نموذجيا للحكام المغاربة، وهو السلطان “مولاي إسماعيل» (1646-1727) الذي كانت والدته عبدة سوداء (أم الولد) لكنه مع ذلك اعتبر نفسه من نسل “محمد»وبالتالي ليس “أسودا»، وبالنظر إلى أن “المغرب مجتمع أبوي، فإن الأب يعطي ابنه نسبه (قرابته العرقية) ودينه بغض النظر عن وضع الأم، سواء كانت غير مسلمة أو بربرية أو سوداء أو عبدة». إن التعريف المغربي للعرق، يقبل الآخر أو السود في الأسرة العربية طالما أنهم يمتلكون قطرة دم عربية، متجاهلين على ما يبدو انتماءاتهم العرقية الأخرى. وباسم “الفضائل المجردة»، موهت عملية الاستيعاب هذه رفض الانتماء الطبيعي ل “الآخر»وصنعت الهيمنة العربية والوحدة السياسية من خلال الإصرار على قدسية لغة القرآن: «العربية»…


الكاتب : ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 27/03/2024