«رقصة الأفعى» .. تنقيب الفن في جذور الذاكرة المغربية

في لحظة ثقافية تستعيد فيها المناطق المغربية الهامشية صوتها الإبداعي، جاءت ندوة «رقصة الأفعى: الأبعاد والدلالات» ضمن مهرجان فن إيقاعات الوناسة، كتتويج للبعد الفكري في المهرجان، وكمحاولة جادة لإعادة صياغة علاقة المغاربة بموروثهم غير المادي، عبر عدسة العلم والتحليل الرمزي.
لم يكن ما قاله الدكتور المختار النواري مجرد توصيف فلكلوري لرقصة شعبية، بل كان تفكيكًا هادئًا لرموز دفينة تسكن الجسد الجماعي، وتُمارَس يوميًا دون وعي بالبعد الأنثروبولوجي الذي تحمله. من «اللثغة» و»اللغتة» و»لوناسة»، إلى «تاكرّارت»، تتعدد التسميات، لكن الجوهر واحد: حركة رمزية متجذرة في الذاكرة الإفريقية للمغرب، تؤديها القرى كما تؤدى الصلاة، بروح جماعية تنشد التوازن والشفاء والانبعاث.
لقد ظلت الرقصة لزمن طويل حبيسة التهميش، ينظر إليها كفرجة للترفيه أو طقس غريب يثير الفضول. غير أن هذه الندوة أعادت إليها الاعتبار بوصفها نصًّا جسديًّا مشفّرًا، يحتاج إلى قراءة مزدوجة: فنية من جهة، وأنتروبولوجية من جهة أخرى، لأن في كل التفافة جسدية وحركة إيقاعية، تكمن رسالة عن الإنسان والمكان والزمن.
المثير في النقاش الذي دار بين الباحثين والمهتمين، أن الجميع أجمع على أن الحفاظ على هذه الرقصة ليس فقط دفاعًا عن فن شعبي، بل هو دفاع عن الذاكرة والهوية والحق في التعدد الثقافي داخل الوطن الواحد. فالموروث ليس فقط ما نرثه من أشياء، بل أيضًا ما نختار أن نحفظه من النسيان.
من هنا جاءت التوصيات في الندوة لتشكل خارطة طريق حقيقية: من التوثيق والجرد، إلى تحفيظ هذا الموروث وطنيًا ودوليًا، مرورًا بتكوين جيل جديد من الحاملين للرسالة، داخل جمعيات متخصصة، وبمقاربة علمية لا تستهين بالشفوي بل ترفعه إلى مرتبة الوثيقة.
«رقصة الأفعى»، أو «لوناسة»، هي عنوان لحركة ثقافية صاعدة، تنبع من الهامش لكنها تسائل المركز. هل يمكن للفن الشعبي أن يطالب بحقوقه؟ وهل تستطيع الدولة أن تنصت لصوت الذاكرة قبل أن يختفي في زحمة الحداثة الزائفة؟
المشهد الذي رسمته ندوة تارودانت، بكل ما فيه من حماس علمي وغيرة ثقافية، يفتح بابًا لسؤال أعمق: هل آن الأوان لكتابة تاريخ الثقافة المغربية من أسفل، من رقصاتها المنسية، وموسيقاها المهمّشة، وناسها الذين يرقصون من أجل الحياة؟


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 07/08/2025