رواية «حدائق الجنوب» لسعيد رحيم : رمزية الخطاب الإعلامي في رواية الصحراء

يتعلق الأمر أولا بعمل أدبي ( خلاسي البناء) لأنه يقع في الحدود القصوى لتلاقي الرواية كجنس أدبي والتحقيق الصحفي كواحد من أكبر سجلات وأنواع الخطاب الصحفي و الإعلامي. وهذا التماس بين الخطاب الروائي والخطاب الإعلامي هو المهيمنة الكبرى على تشكل العمل تخييلا ومعمارا ولغة، وهو أمر سيعتبره القارئ نتيجة حتمية (وحتى جمالية) لكون الكاتب سعيد رحيم (جاء إلى الرواية من مدرسة الصحافة).
ويتعلق الأمر ثانيا بعمل أدبي (مضاعف الهوية) لأنه ينطوي على حبكة سردية يتضام فيها «البعد الروائي» و «الأثر السيرذاتي». فالمخيال المناخي للرواية ينهل من مرجعيتين متلازمتين :
1 – الوقائع التاريخية المتعلقة بقضية الصحراء المغربية من الجذور التاريخية القديمة ورسوخ الانتساب إلى التاريخ المحلي و الوطني، إلى مرحلة الاستعمار الإسباني، ثم النضال من أجل استعادة الصحراء المغربية منذ منتصف عقد السبعينات، وما أعقب ذلك من صدام مع الانفصاليين متمثلا في جبهة البوليزاريو الصناعة الوهمية للسلطة الجزائرية، وترادف الحرب العسكرية مع الحرب الإعلامية في المنطقة وخارجها ضدا على مسلسل استكمال الوحدة الترابية.
2- السيرة الذاتية للمؤلف، وذلك لأن كل ما تسرده الرواية هو جزء متصل بمعيش الكاتب، فشخصية ( صائب) المحورية في النص ليست سوى [ الظل الرمزي التخييلي] للكاتب سعيد رحيم كشخصية واقعية عاشت الأحداث المسرودة على تربة الواقع. من أيام فارقنا وقت كنا نعمل معا بمجموعة «ماروك سوار» الإعلامية حيث كان زميلي في القسم الدولي إلى جانب الجميل محمد الخدادي بجريدة «الصحراء المغربية»، ثم انتقل للعمل بوكالة المغرب العربي الأنباء، كما عين للعمل بفرع الوكالة بمدينة السمارة في قلب الصحراء المغربية، وهي تجربة فريدة واستثنائية في مساره المهني كإعلامي.

صناعة المعلومة وحرب الإشاعات

تعتبر رواية «حدائق الجنوب» من الروايات النادرة التي اشتغلت على موضوع الحرب الإعلامية التي رافقت قضية الصحراء المغربية، والعمود الفقري للمحكي فيها يحاول تشخيص من هم ( الوكلاء) الذين يتحكمون في صناعة المعلومة أو تزييفها، الذين يقعون في الضفة الوطنية والذين اختاروا الانفصال التندوفي وموقع الدمى الإعلامية الجزائرية.
أن تكون مراسلا صحفيا من {عين المكان} فعليك مؤكدا أن تخضع لاختبارات شاقة ومريرة لممارسة عملك بمهنية و احترافية سليمة. لكن هذا المطمح النزيه الذي تدافع عنه الرواية بلهجة صارمة، يصطدم بمناوءات ومكائد وضغائن وأحقاد سياسية وسيكولوجية، تجعل الحصول على المعلومة يصطدم بالإشاعة، والحقيقة تصطدم بالانتحال و التزييف ، سواء من داخل الصحراء أو من خارجها، نظرا لالتباس النوايا والمقاصد و المصالح.
من المؤكد أن هذا العمل الروائي إلى جانب متعته الأدبية الكامنة في كونه يشخص لنا على نحو قريب و مباشر، واقعا لم نكن نعرفه إلا من خلال نشرة الثامنة و النصف بالقناة التلفزية الأولى، فإنه يصلح بامتياز كدرس في البيداغوجيا الإعلامية لطلبة المعاهد العليا للصحافة والاتصال و الإعلام السمعي البصري، وذلك لكون ليس تفكيرها نظريا في الممارسة الإعلامية، ولكن عملا ميدانيا يصف بواقعية إكراهات المهنة، تلك الاكراهات كما عبر الكاتب نفسه في الرواية تجعلنا نتميز الحدود المميزة بين الصحافة كمهنة المتاعب والعمل الصحفي حين يصير على نحو نقيض : البحث عن المتاعب.

السؤال الإعلامي والمكون الخبري

وضع المؤلف [ السؤال الإعلامي] كحجر الزاوية في اشتغال عمله الروائي «حدائق الجنوب»، لهذا لم يكن لديه النية والقصد في الاشتغال على» رواية الصحراء» كما نجد ذلك في تمثلات إبراهيم الكوني لعالم الصحراء أو الجغرافيات السردية للصحراء لدى عبد الرحمن منيف في «مدن الملح».
ويمكن للقارئ أن يستغور في مكامن نهج الكتابة المعتمدة كيف أن المؤلف لم يكتف فقط باعتماد التجربة الحية المعاشة كسند تخييلي، وإنما أيضا استعان أيضا بمرجعية ثانية أخصبت التمثلات التخييلية وهي الوثيقة التاريخية و الوثيقة الإخبارية ( الخبر المكتوب والمرئي المسموع).
يشعر القارئ أن الرواية تأخذ منحى دراميا تصاعديا في الصوغ الحكائي و التشخيصي لأجواء ومناخات الحرب الإعلامية على قضية الصحراء، لكن على نحو مفاجئ نلمس في آخر الرواية « نهاية غير مكتملة» إذ كان بإمكان المؤلف أن يوسع دائرة الحقل الدلالي لمجموع الرسائل الإعلامية والسياسية التي أراد أن يبلغها للقارئ وإلى المجتمع الوطني والدولي مع الحفاظ على أكبر قدر من نزاهة النظر والتحليل وعدم الانسياق وراء المواقف العاطفية الانفعالية.

الجغرافيات السردية للصحراء

رواية ( حدائق الجنوب) تنضاف إلى سجل المتن الروائي الذي اشتغل على ثيمة الصحراء كجغرافية وطنية وكواقع اجتماعي، والذي اشتغل أيضا على قضية الوحدة الترابية وقضية المحتجزين المغاربة في مخيمات تندوف وموضوع الحرب الإعلامية على ملف وطنية الصحراء المغربية. نذكر من بين نصوص هذا المتن الرواية الشيقة والأكثر غوصا في تشخيص مكائد البوليزاريو ومعاناة الاعتقال في تندوف للإعلامي المغربي وحرب الجزائر على السيادة الوطنية وهذه الرواية هي (بيت النار) لكاتبها باهي محمد أحمد، وتأتي بعد هذا العمل روايتان : الأولى تحت عنوان « عشاق الصحرا» للكاتبة المغربية زبيدة هرماس، و الثانية بعنوان «أحلام» للأديب إبراهيم حريري الأولى تشخص واقع المجتمع الصحراوي المغربي تحت نير الاستعمار الإسباني، و الثانية انكبت على تشخيص تجربة الاعتقال بمخيمات تندوف بصياغة رمزية ومقاربة روائية وضعت قضية الصحراء في دائرة اهتمام المجتمع الدولي وهيآت حقوق الإنسان ومنظمة الصليب الدولي. و بالطبع يمكن أن نضيف إلى هذا المتن رواية»رحيل بلا وداع» للكاتب يحضية بوهدا و هي تشخص تمثل جيل الصحراويين المعاصر للمسيرة الخضراء لعالم الصحراء ومبادئه وقيمه ( خاصة الدينية والقبلية والإيمان بالانتماء إلى الهوية المغربية)، ورواية «المغاربة» للروائي عبد الكريم الجويطي، وعلى نحو قريب يمكن أن نذكر أعمال الروائي المغربي ميلود بنباقي «حياة النرجس» و «امبريك عبد السودان» لأنها على نحو جزئي تتطرق إلى مناحي أنتربولوجية وسيوسيولوجية عدة من الحياة في الصحراء المغربية.
الأكيد أن في الرواية إشراقات بليغة انتبه إليها الكاتب في رصد المعيشي الصحراوي كعقلية وذهنية ووعي قبلي متأصل ومؤثر، ودور الزوايا في المنطقة، وسيادة التاريخ الشفوي على التاريخ التوثيقي المدون، وإلى حد كبير عيوب قراءة قضية الصحراء في حصرها في المقاربة السياسية. فالأمر يتعلق بسؤال في الهوية، فقضية الصحراء ليست ملفا بل مسألة قدر إنساني ومصير لا يصلح لمزايدات الأطماع الاستعمارية أو الانفصالية.


الكاتب : محمد علوط

  

بتاريخ : 13/05/2021