رواية «عائد إلى بياضه» لمحمد الخراز

تشظي العبور بين ذاكرة الحنين وألم الاجتثاث

 

 

يعد «محمد الخراز» من الكتاب الذين أجلوا مغامرة الكتابة والنشر إلى حين اقتناعهم بنضج تجربتهم في الكتابة، وقدرتها على خلق عوالم تخلق التفاعل والحوار مع مجتمع القراء وهو نص يمثل إضافة معنوية ذات أهمية بالنسبة للرواية المغربية.
يظهر في واقع التحولات التي تعرفها الرواية المغربية المعاصرة، وهي تراهن عبر الكتابة على طرح سؤال الهوية، وهي تتابع بإمعان سيرة الانسان المغربي، تحفر أخاديد آلامه وآماله وخيباته وانتصاراته، وفق سياقات تاريخية: اجتماعية وثقافية، محتفظة بمكونها الجمالي، ملتحمة بمسارها المرتبط بالزمان والفضاء والشخصيات وبتقاليد وهويات وعادات، يظهر على السطح تشكل موضوع الذاكرة باعتباره تيمة مهيمنة.
في هذا السياق، استطاعت الرواية المغربية أن تنسج وجهات نظر مختلفة وفق وعي جمالي، يرى في الماضي نصا منفتحا على التأويل، جاعلة من النص السردي ظاهرة تتجاوز البعد الجمالي إلى كتابة منفتحة على التاريخ والذات والثقافة. وبهذا المعنى، تغدو ظاهرة إنسانية تشتغل وفق ثنائية الإنسان والمجتمع.
من هذا المنظور، نطرح السؤال: هل يشكل التذكر علاجا أي التخلص من عبء الذاكرة وصولا إلى النسيان الذي يقود بدوره إلى الخلاص؟ – حسب بول ريكور- ، أم إنه فعل مقاومة لكي لا ننسى ولكي ننعش ذاكرة المكان/ بياضة آسفي بعطر من عاشوا في دروبها وممراتها وخبروا أحداثها وتفاصيلها وعشقوا ترابها وسماءها؟
من هنا تبرز أهمية رواية «عائد إلى بياضه»1 لمحمد الخراز، والتي تعد باكورة أعماله الروائية، رواية من 256 صفحة من الحجم المتوسط، تجعل من التخييل أداة لكتابة الماضي بآلية استيعادية للزمن، تحتفي بالمكان مدينة آسفي /بياضة.

 

العنوان:
عائد إلى بياضه

يعتبر العنوان رسالة نصية، تخلق وضعية تواصلية بين البات /الكاتب/ المرسل والمتلقي/المرسل إليه. تطمح إلى خلق أفق انتظار لدى القارئ من خلال تشغيل موسوعته الثقافية والجمالية.
استثمر الكاتب العنوان للتعبير عن أحواله النفسية والشعورية. وتأسيسا على ذلك، فالمكان الوجهة هو مكان حميمي وأليف. وعلى النقيض من ذلك المكان الذي يوجد فيه العائد في لحظة انبثاق السرد الروائي هو مكان من أماكن المنفى. ويبقى عالم الرحلة حيزا زمكانيا يفصل بين رحلتين ويصل بينهما. ولأنه مكان يتطلب عبوره. هذا العبور الذي يستوجب استعدادا نفسيا، وسنرى كيف أمكن للسرد الروائي في رواية «عائد إلى بياضه» نسج الممكنات والأوضاع والشروط التي حكمت عملية الانفصال عن «بياضة» والمعطيات التي حكمت عملية العودة، وكيفية حدوث العودة والظروف الفعلية التي وفرت إمكانية إشباع حنينه الجارف للعودة إليها.

أحمد بوناجي
رجل العبور:

الوعي بالزمان والمكان شيئان لا ينفصلان. فالوجود الإنساني لا يرتبط بأحدهما دون الآخر. ويمكن أن نتحدث عن ملمح للتداخل بينهما من خلال: مكون السفر، السفر مكون أساس في النص. وهو تجربة مؤثرة في بناء الشخصية. فالقارئ يتابع عبر السرد رحلة في الزمان وفي المكان أيضا، يسافر بنا السارد إلى فترة من الزمن الماضي، حيث تدفق صور الذاكرة. هناك سفر على مستوى الفضاء، وهناك سفر على مستوى التاريخ.
سنستدعي عنوان رواية سيرج دوبروفسكي « Un homme de passage «رجل العبور»، لنتحدث عن منطقة رجراجة، سكنتها الشخصية الرئيسية لرواية «عائد إلى بياضه» أحمد بوناجي، وعبرت عن إيتوسه بشكل جلي وهي منطقة البين-بين: حياته عبور بين الموت والحياة، فهو الطفل الذي سينجو من مرض الطاعون بعد أن أذعنت الجدة الطاهرة لإلحاح ابنها عبد الله لتنتقل للعيش معه في بيته ببياضة؛ عبور بين قارتين: إفريقيا وأروبا؛ عبور بين مغربين مغرب الاستعمار ومغرب الاستقلال، عبور بين بلدين: المغرب و فرنسا؛ عبور بين مدينتين: آسفي وكاركسون ؛ عبور بين لغتين: اللغة الأم/ اللغة الفرنسية؛ عبور بين زمنين زمن الالفية الثانية والالفية الثالثة؛ عبور بين عالم الألفة والحميمية الذي يمثله حضن/ بياضة آسفي و عالم المنفى والغربة؛ عبور بين امرأتين لويزة وجوزيت عبور بين أصدقاء أثروا فيه، أحبهم وشكلوا إيتوسه المتفرد. عبور بين قدرين يقول السارد: « أما وجودي هنا فكان بمثابة هروب من قدر إلى قدر، ولو خيرت لما اخترت البعد عن أرضي واحتملت هذا الاجتثاث الممض».

البنية الحكائية

المشهد الأول من ص 11إلى ص13:
ينفتح السرد على مشهد العودة، عودة أحمد بوناجي إلى حي بياضة آسفي، مستمتعا بالبحر وقت الغروب، تلك العادة التي ألفها منذ طفولته البعيدة « ما أجمل مغيب شمس آسفي، وما أبهى أماسيها»2، مسترجعا زمنا ولى من تاريخ المدينة يقول السارد: « لعلها شاخت أم تراها امتثلت بطواعية لأحكام دورة الحواضر الخلدونية … استحالت إلى شبح مدينة … شبح قادم من زمن بعيد، زمن يحيى اوتاعفوفت …»3
المشهد الثاني، من ص14 إلى ص 20:
يصف السارد في هذا المشهد، ملامح أحمد الجسدية ويصف علاقته الوطيدة جدا بجدته «الطاهْرة»، التي بعد أن عاشت حياة ترف ونعيم في صباها عانت من تجربة فقد أليمة، قدمت على إثرها للعيش في بيت ابنها عبد الله بعد رجوعه من الحرب العالمية.
المشهد الثالث من ص21 إلى ص23:
يجسد المشهد رحلة أحمد أبوناجي من مطار تولوز إلى مطار محمد الخامس، حيث استعاد البطل شريط حياته ببياضة قبل رحيله عنها على شكل ومضات تعبر الزمن السائل يقول السارد: « نحن لا نملك إلا قراءات أو تأويلات للماضي، والبشر بطبعه ميال إلى التعلق بكثير من الشغف الذاتي بالماضي، بما لم يعد في متناوله بعد فقدانه للأبد.»4
الومضة الأولى: عالم الرايس صالح من ص25 إلى ص91.

أسطرة شخصية الرايس صالح:

هنا يستلم أنا المتكلم زمام الحكي، ليحكي السارد عن شخصية الرايس صالح وهي شخصية مؤثرة في مسار أحداث الرواية، منحها الكاتب مساحة كبيرة وأسبغ عليها الكثير من ملامح الشخصية العجائبية عرفها السارد من خلال إقامته شبه الدائمة ب»دار عشرة» حيث كان أحمد بوناجي يلتقي بلويزة في موعدهما الأسبوعي: « كنا شديدي الوفاء لموعدنا الأسبوعي، لويزة وأنا، كل يوم سبت في دار عشرة، العشرة المبشرين بالملذات الخالصة»5، طويل القامة، له أنياب مذهبة، يحرص دائما على الوفاء لهندام البحارة القدامى، كسوة المحصور التي تعطيه هيئة قرصان يخرج من كتب تاريخ الجهاد البحري في عهد السلطان مولاي إسماعيل «شخصية مرحة، خدومة، لها معرفة واسعة بالمدينة أصول وفصول ساكنة آسفي/ بياضة، له قصص غريبة مع البحر والابحار، أخد مفاتيح الحرفة من بيدرو البرتغالي أيام كان للصيد طقوسه. كانت له ثقافة صوفية وفنية، مقبل على حياة الملذات والكأس. كان لحدث غرق صديقه كشتور أثر مأساوي على حياته التي انقلبت رأسا على عقب، يقول السارد: « رحل كشتور ورحلت معه كل مهارات صالح وخبراته العالية في الإبحار والصيد وتوارى إقباله النهم على الصيد وطلب الرزق حتى تردد بين بعض أصحاب النفوس الخبيثة أن تلك المعرفة الباهرة بالبحر وأسراره كانت لكشتور».

أسطرة شخصية بوجمعة

تعتبر تيمة الشقاء معبرة عن مسار بوجمعة الحياتي، هو الذي ختم القرآن حفظا وترتيلا مكنه من ولوج عالم الكبار ومشاركتهم التفاوض في أمور الدنيا والدين رغم صغر سنه. وقد نجا من عملية إبادة بأعجوبة في حادث ما يسمى تاريخيا بعام الرفسة. «سينتهي «عام الرفسة» وسيقضي أبطاله وبهلوانيوه، لكن آثاره وذكراه ستبقى بادية على صاحبنا، يحملها على جسده وهويته مدى الحياة: بوجمعة الأعور». ذلك أن الاسم كما يقول جاك ديريدا في كتابة «الهوية والاختلاف»: « الاسم أشبه بعلامة الختان إشارة متأتية من الآخرين، وننصاع لها بسلبية كاملة، ولا تفارق الجسد»، لينضم إلى فريق عمل حاييم بالميناء. حيث أبان عن رجاحة عقل وفطنة مكنته من كسب ثقة البحارة وكسب ثقة سكان حيه بزهده واستقامته ووفائه لموعد الصلاة بالمسجد قبل أن تتصدع حياته من جديد بعد دخوله السجن بتهمة قتله غير المتعمد لزوجته وبذلك كما يقول السارد: « سيعيده القدر سيرته الأولى، كما يعود النهر إلى مجراه».

رحلة السلمون
من (ص 105 إلى ص234)

بعد رحلة أحمد بوناجي المضنية صحبة السيدة والسيد كلارا، وبعد أن تخلص من كابوس الرعب عندما صدر في حقه حكم غيابي بالسجن، عاش أحمد بوناجي حياة الاغتراب بكاراكاسون بفرنسا، صحبة زوجته جوزيت عاشقة التاريخ والتي درست تاريخ الحضارات والأديان وأم أبنائه والمرأة التي أحبها وبنى معها مشاريع في عالم المال والأعمال. بالرغم من ذلك كان الإحساس بالاغتراب يكبر وينمو ويتكاثر يقول السارد: « كان الإحساس بالاجتثاث يكبر في وجداني، كنت أشعر في دواخل نفسي وكأنني نبتة هيفاء اقتلعت من تربتها قبل الأوان ورمي بها إلى الخلاء دون رحمة». فكان قرار عودته حاسما. يقول السارد: « أخيرا سيصير الحلم حقيقة، ها أنذا عائد من جديد إلى بياضة، إلى آسفي بعد طول تَوَارٍ، أرجع بعد عقود من الغياب وقد ضاعت مني سنوات الشباب الفائرة وتلاشى أثير العنفوان في الكدح والشقاء بفرنسا».

فصل: عاد، والعود غير أحمد

عوض أن يستمتع أحمد بوناجي برجوعه أرض الوطن ومعانقته تراب بياضة وأهلها، أحس بغربتين: غربة يقول عنها السارد: « غربة أولى حين أكرهت على الرحيل والتحلل من كل ما يصلني بجذوري وأهلي، وغربة ثانية جديدة تملكني جرسها منذ اللحظات الأولى لوصولي إلى هذه البقعة التي لم يعد يربطني بها، إلا رجع الماضي وظلال ذاكرة بعيدة». ليعيش أحمد غربة نفسية قاسية أكثر شدة من غربة المكان، بعد أن ترصد عدة غيابات: إن حضور هاته الغيابات، قوى الغياب الأكبر الذي كان له وقع الصدمة على السارد وهو غياب حياة كانت هنا بتفاصيلها الآسرة بأناس كان حبل المودة بينه وبينهم دافقا، هو الذي أحس بأن عمره سرق منه، بعد أفول فورة الشباب وغياب أهل غيبهم الموت، وبعد أن اجتثت مراتع الصبا، وبعد أن أقفل الدائرة، فتح دائرة أخرى ورجع إلى فرنسا. وهذا ما يخلق الأصالة الأسلوبية للرواية، هي حاجة الرواية إلى متكلمين يحملون إليها خطابها. ذلك أن فهم الحيوات الإنسانية يكون أغنى وأعمق عندما يتم تأويلها اعتمادا على محكيات ترويها الشخصيات حول حيواتها الخاصة. وبذلك تخلق الجماعة حوارا مع تاريخها، -حسب تأويل بول ريكور- وتكون التجربة الجمالية قريبة من الحياة، مما يرفع من قدر الهوية الجماعية ويحقق للرواية تجذرا في الحاضر عن طريق اللغة.

تعدد الخطابات المتخللة

تعتبر رواية «عائد إلى بياضه»، آلية نصية وحكائية وتلفظية، هديرا نصيا يقوم على تلاقح الخطابات وتفاعلها، وقد تم توظيفها في حالات مختلفة: فهناك الزجل والأغاني والشعر، الاحتفاء بفن العيطة من خلال أحد ألمع رموزها: فاطنة بنت الحسين، احتفاء بالاغنية العصرية العربية وهي في قمة المجد: أم كلثوم .أحتفاء بإديت بياف التي بصمت الأغنية الفرنسية . « حضور القصيدة الملحونية: حضور ثقافة التماثيل والمعمار والطبخ فن الإبحار والتاريخ والفلسفة، الحضور اليهودي بآسفي ، أحلام البحارة البسطاء ، جشع البحارة الكبار. صراع النزعة المحافظة والنزعة العصرية، الربيع العربي … أوردها بلغة شعرية إيحائية. فتوظيف المجازات والانزياحات وتوازن الجمل أعطى لبعض المقاطع إيقاعا شعريا واضحا.

المرجعي والتخييلي

رغم وجود عدة حقائق، تعلي من قيمة البعد المرجعي في رواية «عائد إلى بياضه»: (زمن الاستعمار/الاعتقال السياسي/ أسماء الأمكنة والفضاءات، سيرة شخصيات عاشت بالفعل ببياضة، يمكن القول بأن السارد يستحضر ذات أحمد بوناجي من خلال التركيز على الذاتي في تلويناته المختلفة: الاعتراف، البوح، الشوق والحنين الاغتراب المحاكمة والإدانة، الشك والأسى. وبالتالي فالسارد يجعل من الوجود الشخصي لبطل الرواية مادة تخييلية استطاع أن ينتج حقيقتها السردية، وبذلك يتحول الحدث من وضعه المفرد الذي يميزه كواقع فعلي ارتبط بفضاء وزمن معينين وبشخصيات بذاتها إلى وضعية التعدد التي تستلزم في كل مرة إفراغ هذه الفضاءات والأزمنة وكذا الشخصيات من دلالتها المفردة لإشباعها بدلالات جديدة، تفقدها قوتها المرجعية الحصرية لحساب القوى التخييلية المرتبطة بفعل الكتابة أولا، ثم بفعل القراءة كفعل متعدد في أزمنة متغيرة وسياقات مختلفة.» فعوالم التخييل قادرة على خلق الانسجام بين عوالمه المتنافرة وأن تؤلف في صورة تركيبية عجيبة بين الأشياء والعناصر المتباعدة؛ « الأمر الذي يفسر كيف يمكن أن نجد عملا تاريخيا عظيما وخياليا عظيما في الوقت نفسه.»
إن «عائد إلى بياضه» نص تخييلي، ينضاف إلى رأسمال التخييل المغربي المعاصر، يستثمر كل عناصر الرومانيسك قصد إعادة ترميم الذاكرة من خلال جعل ذات أحمد بوناجي منطلقا للتعبير وغاية له، ومن خلال الاشتغال على طرح الأسئلة العميقة المرتبطة بالتجربة الانسانية مستلهما التاريخي والسردي وفق وعي قوي باللغة والتخييل؛ تذويت يستوعب الماضي والحاضر المفعم بالقيم الجمالية والايديولوجية، يصبح غزوا للنصوص والأشكال، للأزمنة والأمكنة، للأنا والآخر، للجسد والروح، للفرد والمجتمع، للذاكرة والتاريخ للثقافة المحلية التي حررها من أعطاب الذاكرة والثقافة العربية والغربية، سرد يمتص الذات والتاريخ والجغرافيا والآداب والفلسفة والفنون، يعيد بناء هوية سردية ترتق خيوط حياة البطل من خلال الإجابة عن السؤال: من يكون أحمد بوناجي؟ كتابة ماضي آسفي /بياضة وحاضرها وفق نظرة حجاجية تحن إلى الماضي وفق أسلوب يقوم على المقارنة والمفارقة وتعدد الخطابات. ألا نقول بأننا « لا نعرف ذواتنا إلا من خلال التخييل»؟ يقول السارد: « نحن لا نملك إلا قراءات أو تأويلات للماضي، والبشر بطبعه ميال إلى التعلق بكثير من الشغف الذاتي بالماضي، بما لم يعد في متناوله بعد فقدانه للأبد، وكثير من الناس يجلب قدرة هائلة على تحمل اليومي والطاقة الضرورية للاستمرار في العيش من خلال نسج تصورات وخيالات عن الماضي، فتصبح الحسرة على الماضي أسلوبا ووسيلة للعيش وحيلة للتخفيف عن حدة قسوة الراهن.»

على سبيل الختم

إذا كان السرد يمنحنا التماسك، باعتبار أن « الحياة ما هي إلا بحث عن سرد لأنها تجاهد من أجل اكتشاف صيغة للتغلب على تجربة الرعب والفوضى»، حيث تغدو كل الأحزان والمآسي قابلة للتحمل إذا وضعناها داخل قصة/ سرد. وتأسيسا على ذلك يصبح « عمل السرد عنصرا جوهريا في عمل الحداد بوصفه قبولا بالخسران».
من هذا المنطلق، نظن أن هذا العمل: «عائد إلى بياضه» هو أحسن تعويض لبطل الرواية أحمد بوناجي عن كل الخسارات التي تكبدها. وكما أشارت حنة أرندت Hanna Arendt ، فإن معنى الوجود الإنساني ليس فحسب القدرة على تغيير العالم أو السيطرة عليه، لكنه أيضا، القدرة على أن تكون مذكورا ومدرجا في خطاب سردي، أي أن تكون جديرا بالذكر.» وكما أشار هيدجر نفسه فإن مفهوم تكرار الماضي نابع من اقتراح ذواتنا وجوديا بوصفها ذواتا تتجه نحو ممكناتها. فأن نكرر قصتنا أو نعيد حكاية تاريخنا، يعني أن نستدعي أفق ممكناتنا بطريقة قصدية ومسؤولة»؛ فالفرد لا يعثر على هويته إذا لم يستطع أن يتشكل داخل ما يتخيله ويرويه، ذلك أن السرد يتعينُ بوصفه تلك المحاولة المتجددة دوما لكي نعبر عن معنى وجودنا.»


الكاتب : مليكة فهيم

  

بتاريخ : 28/10/2022