رواية « ليالي تماريت» لأمينة الصيباري

الرغبة في تأكيد استراتيجية الرواية الشعرية

من منا لم تزحزحه رواية « وليمة لأعشاب البحر « للسوري الكبير حيدر حيدر؟ من منا لم تخلق لديه أسئلة وقلقا وحيرة؟ هل كانت سبقا في السرديات العربية، أم أن ثمة عوامل أخرى هي ما أعطى للنص الروائي قيمته؟ هل شكلت الموضوعة الرئيسة في العمل بؤرة الإبداع، أم أن أسلوب الروائي هو المميز؟
كثيرة هي الأسئلة التي يمكن طرحها إزاء عمل إبداعي، اعتبر في حينه (و لايزال) قمة الكتابة الروائية العربية، بل شكل مرجعا نوعيا إلى حدود ما، بالنسبة لجيل من القراء والدارسين والمتتبعين.
في هذا الإطار، يمكن إدراج نصوص عديدة أخرى لروائيين ولروائيات خلقت الحدث بشكل غير عاد، نذكر: غادة السمان، أحلام مستغانمي، واسيني الأعرج، بشار عبد الله …وغيرهم كثير.
أما هذا التقديم، فإنه توطئة لرواية « ليالي تماريت « باكورة الأعمال السردية للشاعرة أمينة الصيباري، إذ أنها أنجزت ديوانين شعريين في السابق ( «رجع الصدى» سنة 2013 و «وشم بالشوكولا» سنة 2015 ) والنص الروائي، صدر بطبعته الأولى في فبراير 2019 عن دار الطباعة والنشر سليكي أخوين بطنجة، ويقع في 186 صفحة من الحجم المتوسط، يتخلله 12 فصلا مع مدخل وإهداء.
رواية « ليالي تماريت « من خلال عنوانها، تفتح شهيتنا لعوالم الليل وللأوجاع المقيمة بدواخلنا. تحفر عميقا في الذات، بشكل متلذذ وغامض أحيانا، بل تبدو كنداء مغر، يدعو إلى الغوص في ثناياها.
أما لفظة « تماريت « فإن الروائية، باستعمالها لهذا الاسم العلم، إنما تستدعي تاريخا بأكمله، للعرب المسلمين بالأندلس، ذلك أن اللفظة «تماريت» هي في الأصل أمازيغية ، تعني: العاشقة، لكنها – وهذا مربط الفرس- إحالة على أمرين غاية في الأهمية:
– الأول: أن تماريت اسم للبلدة الصغيرة التابعة إداريا لمنطقة غرناطة، وهي المكان الذي ولد فيه الشاعر الإسباني المميز: فيدريكو غارسيا لوركا.
– الثاني: أن لوركا، قد خلد هذا الاسم عبر مجموعته الشعرية: « ديوان التماريت «
«  Divàndel Tamarit
و الذي لم يكتب له أن يرى النور في حياته، إذ أن فيالق النظام الفاشي لفرانكو، ستغتال الشاعر لوركا سنة 1936 ، بينما سيصدر الديوان سنة 1940.
يبدو أن الإحاطة بهذه المعطيات ستشكل مصدر ضوء، أو على الأقل، لابد أن تلقي بظلالها على الرواية. فحضور تيمة العشق/الحب ، بارز بشكل قوي في العمل. هو عشق للآخر، للجسد، لليل، للشعر، للموسيقى، للماضي، للحلم. وقد بدا واضحا من خلال عناوين بعض الفصول: طوق الحمامة (الفصل 2) طريق الورد (الفصل6) سلطان الشعر (الفصل9) صوت الماضي (الفصل 11). كما حضرت النصوص الشعرية المتعددة و المتنوعة، (نماذج الصفحات أرقام: 27؛ 61؛ 126؛ 134؛ 144؛ 158؛ 167؛ 185 ) إن كأصوات لبعض شخصيات النص الروائي، أو كمقاطع شعرية خالدة ل: محمود درويش، عمر الخيام، غارسيا لوركا…
إذا كانت الرواية فضاء قابلا لاحتواء جل الأجناس الإبداعية، فإن « ليالي تماريت « قد ضمت بين ثناياها حساسية الشعر ولغته وانزياحاته. وجلي أن الشاعر/ة حين يهتم بالسرد الروائي، فإنه يحمل معه ترسانته التعبيرية وإرهافه الوجودي التأملي المأزوم/المتأزم غالبا، ويقحمه في المنجز الحكائي. و ذاك ما اصطلح عليه ب»الرواية الشعرية». إذ تغدو المعاني قابلة للتشظي، كما أن اللغة غالبا ما تنأى عن التقريرية.
تقول الكاتبة أمينة الصيباري في بعض المقاطع:
– « أقسى فصول الصمت الربيع، حين تكون الأرض في كامل غنجها، والشاعر أخرس.» (ص150)
– « كم هو مرعب أن تتملى في مرآتك، حين تكون روحك مثخنة بالخدش. « (ص181)
-» في بلدان الأرق العليا، الحراسة ليست مشددة على جزر الأحلام.»(ص39)
-» للوجع مستوطنات ومستوطنون، يقيمون فيه بكامل الرضى وشهوة الألم.»(ص48)
– « المأساة حين تُحكى لا تصبح ملكا لأصحابها.» (ص13)
لعل النماذج أعلاه، تبين بشكل جلي حضور الهاجس الشعري في الكتابة السردية ضمن تفاصيل الرواية، ويبرر ذلك « التأثير السحري الذي تخلفه لدى القارئ، إذ تقوم بتحرير الدال، وتركه مفتوحا على تأويلات مختلفة « حسب الكاتب السوري مفيد نجم ( انظر مقالته: « جدل على شعرية اللغة الروائية « ضمن مواد الموقع الالكتروني: العرب، بتاريخ 3/9/2019.)
بالتالي، فشاعرية السرد في الرواية، لم تشكل عائقا أمام تطور البنية السردية، وهنا نعثرعلى بعض من « استراتيجيات الكتابة الشعرية بالنثر « كما عبر عنها الشاعر والروائي العراقي: بشار عبد الله، صاحب رواية « من يسكب الهواء في رئة القمر» والذي رأى بداية في الرواية الشعرية « بدعة عربية « غير وافدة عبر الترجمة، كما أنه حدد لها مظاهر تختص بها وتميزها، منها: التهجين، أَسْطَرَةُ الواقع، تَشْعِير الجوهر التأملي للتجربة الإنسانية، و التَّحليم ( رفع النص إلى مستوى الحلم بكل رمزيته ) ( انظر الحوار الذي أجراه معه حكمت صالح، بعنوان: مفاهيم الرؤية الشعرية و أبدالاتها الكتابية – حيرة في المصطلح وقلق في التركيب. و الذي أورده موقع: الحوار المتمدن بتاريخ 28/9/2012.)
فهل قدر المآسي الإنسانية أن تُحكى شعرًا ؟! أجدني بهذا الصدد أردد مع پول ريكور: « الوعي ليس أصلا، ولكنه مهمة.»
وحقا، كما جاء على لسان إحدى شخصيات الرواية: « صعب أن يزورك التاريخ دون أن يحدث زوبعة في وجدانك.» ( ص 166).


الكاتب : جواد المومني

  

بتاريخ : 11/05/2020