سرطان ينتشر في المجتمعات ويستهدف المراهقين .. الرباط تطلق نداء لكل صحافيي العالم من أجل التصدي للرهان الرياضي غير المشروع

استأثرت ندوة مخاطر المراهنة غير القانونية والرياضية باهتمام كبير خلال اليوم الثاني من أشغال المؤتمر 87 للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، الذي تنظمه الجمعية المغربية للصحافة الرياضية بالرباط، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، حيث شدت إليها أنظار صحافيي العالم.
هذه الندوة التي أدارها باقتدار الزميل بدر الدين الإدريسي، رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، سلطت الضوء على واقع الرهان غير الرياضي، ليس على المستوى الوطني وإنما في العالم كله، وتوجت بإطلاق نداء الرباط من طرف الزميل الإدريسي دعا فيه كل صحافيي الدنيا إلى التصدي لهذه الآفة ومحاربتها بمختلف الوسائل، بغاية صون جيل الغد، الذي تحول إلى ر هينة في يد منصات الرهان.
واعتبر الإدريسي عند في مرقته التقديمية لهذه الندوة أن الرهان الرياضي غير المشروع أصبح يشكل ظاهرة خطيرة تنال من أخلاقيات الممارسة السليمة للفعل الرياضي، حيث باتت تتصدر الأحداث الرياضية والاجتماعية عالميا، الأمر الذي يجعل الموضوع ذي أولوية وراهنية، تستوجب عملا جماعيا على مختلف المستويات من أجل الحد من خطورة هذه الظاهرة.

الرهان الرياضي غير المشروع يستنفر العالم

بعين الخبير القانوني، وقف الأستاذ المهدي الزوات، المحامي والمختص في شؤون الرهان الرياضي غير المشروع، على العديد من الجوانب السلبية والخطيرة لهذه الظاهرة، التي تعج بالممارسات الخطيرة، وفي مقدمتها تمويل الإرهاب، وتبييض الأموال، مشيرا إلى أن هناك شركات كبرى تستعمل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، حيث توظف الأموال الفاسدة من أجل تحقيق أرباح خيالية، ما تتسبب في إفساد المشهد الرياضي بشكل عام.
هذه الممارسات، يضيف الأستاذ الزوات، استنفرت العديد من دول العالم، فتم خلق فرقة أمنية عالمية تعنى بمحاربة غسيل الأموال، داعيا إلى ضرورة التصدي لكافة الشركات التي تشتغل في الظلام، وتتحرك خارج القانون، سيما وأنها تستعمل العملات الرقمية في عملياتها الإجرامية، في تحايل على القوانين والأخلاق.
واعتبر الأستاذ الزوات أن الكثير من بلدان إفريقيا وآسيا تشهد تواجدا مكثفا لشركات تعمل في هذا المجال خارج القانون، ولها ارتباطات بمنظمات إرهابية وجماعات متطرفة، ملمحا إلى اتفاقية ماكولين التي رأت النور سنة2014، والتي تنص على ضرورة تدبير الأنشطة الرياضية وفق القانون، لكن هناك بعض الدول التي اختارت عدم تبني بنودها، عكس المغرب الذي كان من أوائل المنضمين إليها. وسطر ضوابط قانونية في هذا المجال، حيث تشرف على مجال الرهان الرياضي بالمغرب شركتان، هما المغربية للألعاب والرياضة والشركة المغربية لتشجيع الفرس.
ووضع المغرب مجموعة من الضوابط القانونية، التي تجرم الرهان الرياضي غير المشروع، حيث يتم حجز الممتلكات ومصادرتها، ومعاقبة المتلاعبين بعقوبات زجرية، مشددا في الآن ذاته على ضرورة تقوية الإطار القانوني.
وأضاف المتحدث ذاته أن المغرب يشهد أحيانا بعض التجاوزات من طرف بعض المواقع التي تحترف الرهان غير المشروع، حيث تُرصد ممارسات مشبوهة وتلاعبات في نتائج بعض المباريات، عبر تدخل أشخاص ووسطاء يؤثرون على الرياضة والقانون، مستعملين في أنشطتهم كل الوسائل التي يوفرها العالم الافتراضي، ما يستدعي بشكل عاجل تعزيز الترسانة القانونية لمواجهة هذه التلاعبات بالفضاء الأزرق ومراقبة مصادر التمويل.

أرباح خيالية بتدخل واحد

تطرق الزميل جياني ميرلو، رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، إلى بعض الأمثلة التي أضرت فيها الرهانات الرياضية غير المشروعة بالمنافسة الشريفة، معتبرا أن كل الدول أصبحت مطالبة بتبني قوانين تحارب الرهانات غير القانونية، التي تجذب الجماهير بكثافة بالنظر إلى سهولة الولوج إليها.
واعتبر ميرلو أن هناك فئات متعددة تستعمل الرهان الرياضي غير القانوني، ما يستدعي مشاركة الشرطة الدولية في التصدي لكل الظواهر غير القانونية.
وقال جياني ميرلو إنه أحيانا ترصد عدسات الكاميرا بعض الأشخاص يتحدثون عبر الهاتف، في مكان ما داخل العالم، من أجل التحكم في النتائج، مستفيدين من فارق الزمن بين الدول. وبالتالي فإن مكالمة هاتفية واحدة قد تجلب لصاحبها ربحا كبيرا، ما يبرز بوضوح مدى المخاطر التي يمكن أن يحملها هذا المجال. مضيفا أن هناك العديد من أشرطة الفيديو التي توضح الممارسات التي تتم حتى داخل الفرق. وقد تدخل الأنتربول في بعض الأحيان بعدما رصد ممارسات غير قانونية.
وأضاف رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية أن إحدى المنظمات عرضت على أحد الفرق الخسارة بثلاثة أهداف دون مقابل، ورصدت له مبلغا ماليا كبيرا، وفعلا كانت النتيجة كيفما اتفق، لتجني الشركة أرباحا خيالية بتدخل واحد.
وفي الدوري الانجليزي، يتابع ميرلو، حدث انقطاع في التيار الكهربائي خلال إحدى المباريات، وكان هذا في صالح إحدى الشركات غير القانونية، التي قامت بمناورة كبيرة في سبيل التأثير على نتيجة المباراة.
إن الشركات الإجرامية تؤثر على نتائج المباريات بتدخل بسيط للغاية، فحتى اللاعبين والحكام في بعض الحالات يتورطون في عمليات التلاعب بشكل متعمد، كأن يحصل لاعب على بطاقة حمراء بعد شتم الحكم، ليجد فريقه نفسه بنقص عددي، وهو عامل يصب في مصلحة الفريق المنافس.
ودعا جياني ميرلو إلى ضرورة التصدي لمثل هذه الظواهر وإعادة الاعتبار للممارسة السلمية والقانونية، وعلى كافة الدول أن تسطر ترسانة قانونية صارمة لمحاربة المراهنات الرياضية غير المشروعة.

الرهان غير المشروع سرطان يهدد الرياضة والمجتمع

أشار أحمد المدياني، مدير نشر الجريدة الإلكترونية «تيل سبور»، في تدخل مماثل إلى أنه على مستوى جريدته أنجز مجموعة من التحقيقات، لمحاربة ما وصفه بالسرطان الذي يهدد الرياضة، مثلما يهدد المجتمع من خلال التحكم في الشباب، الذين يصبحون في كثير من الحالات رهينة في يد شركات الرهان الرياضي.
وأضاف الزميل المدياني أن بعض المنصات أصبحت تبدع في إيجاد أشكال رياضية خاصة، تمكنها من التحكم في القاصرين والمراهقين بطرق غير مشروعة.
وأوضح المتحدث ذاته أنه عندما بدأ الاشتغال على هذا الموضوع، وجد منصات على شبكة الانترنيت فضاء مفتوحا يسهل على الجميع الولوج إليه، ومن خلال التحقيقات اكتشف أنها فروع للشركة الأم، الكائن مقرها بروسيا، «فأسميناها خلايا نشاط غير قانوني لشركة سيبرانية. لأنها شركة موجودة ظاهريا، لكنها تصبح افتراضية عند سقوط الضحية، حيث لن يجد أي مخاطب لمتابعه قانونيا».
ويضيف المدياني أن هذه الشركات تنتقل بين جنان الضرائب، تهربا من أي متابعة محتملة، وسعيا للحصول على مجال رحب لتبييض الأموال. فهذه الشركات قد تستغل ضمن ضحاياها حوالي 60 بالمائة من الشباب والقاصرين، إذ تقوم بالتعامل مع سماسرة ووسطاء يشتغلون في محيط المؤسسات التعليمية أو مؤثرين يمكنون الشبان من أرقام وأقنان تُسهل عملية الدخول إلى هذه المنصات غير القانونية.
وأكد أن الأموال هنا يتحكم فيها راشدون، يتعاملون مع عصابات ومافيا المخدرات والإجرام. «فأصبحنا نشاهد تطبيعا مع ممارسات غير مشروعية ولا أخلاقية». مقدما في هذا الإطار مثالا من دولة التشيك، عندما أوقف حكم لتقنية الفيديو مباراة لكرة القدم من أجل الرهان على مباراة هو طرف فيها.
ودعا المدياني الآباء والأمهات إلى مراقبة أولادهم داخل البيت، كما طالب المجتمع بتحصين الشباب ضد كل أنواع الإغراء، من أجل الحفاظ على مستقبل أطفالنا ومستقبل البلد ككل.

الرهان الرياضي
يستنفر أهل الفن

استفز استفحال هذه الظاهرة أهل الفن أيضا، حيث تمت استضافة السيناريت المصري والإعلامي محمد محمود هشام عبية، الذي كتب سيناريو مسلسل يحمل عنوان «نهاية الصلاحية» ناقش فيه الآثار الخطيرة للرهان الرياضي على حياة الفرد والمجمع.
وفي هذا الصدد أوضح محمد محمود هشام عبية أنه يشتغل في مجال الصحافة منذ سنة 2004، قبل أن يحترف كتابة السيناريو سنة 2017، وخلال السنة الماضية كتب مسلسلا عرض في رمضان الماضي ناقش فيه القضية، ووقف على حالات مبكية لأشكال انقلبت حياتهم رأسا على عقب بفعل الرهان الرياضي غير المشروع.
واستعرض عبية مسار المسلسل الذي تدور أحداثه حول موظف بنكي اتهم باطلا بالفساد، لكنه عندما أراد تغيير وجه حياته والعودة إلى وضعه السابق بعد مغادرة السجن، سقط في يد شاب يمارس الرهان الرياضي.
وأضاف أنه خلال التحضير لهذا العمل الدرامي وقف على نماذج مؤثرة للغاية، مشيرا إلى أن المستهدف الأول يكون في الغالب هو المراهق، الذي لا يمكنه إدارة أموره، فتكون حاجته ملحة إلى وسيط يحسن التعامل مع المجال، مؤكدا على أن ظاهرة الرهان الرياضي تنتعش في القرى المصرية النائية، والأحياء الهامشية، لكنها تستقطب حتى الميسورين من الأحياء الراقية، الذين يرغبون في تبييض الأموال وتحقيق المكسب السريع.
واستعرض الأستاذ محمود هشام عبية بعض الأمثلة في هذا الباب، حيث أن أستاذا يقدم الساعات الإضافية لعدد من التلاميذ، بدأ يمارس الرهان باسمه وباسم أناس آخرين اقترض منهم مبالغ من المال، لكنه فقد ماله ومال غيره. وتحت إلحاح وتهديدات دائنيه، اختطف أحد تلامذته وطالب ذويه بفدية رفضوها، فقام بتصفية الضحية، وشارك في مراسيم تشييع جثمانه، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه فيما بعد. وشاب آخر يبلغ من العمر 18 سنة، يسكن مع جدته، اعتاد المراهنة، وبسبب خساراته المتكررة ورغبته في التعويض، قام بسرقة جدته، التي قتلها بعدما علمت بفعلته.
وهذه الحالات بنظر الأستاذ عبية تؤكد أن الرهان لم يعد مقتصرا على الفاعلين في الشأن الرياضي، بل جذب أشخاصا من مختلف شرائح المجتمع.
وشدد المتحدث ذاته على أن الرهان الرياضي، سواء في مصر أو غيرها من دل العالم، ينتشر في مباريات الدرجات الدنيا، حيث تكون فيها المتابعة الإعلامية منعدمة، فتشيع الاتفاقات وتكثر الأرباح، وهنا استحضَر حالة فريق غزل دمياط، الذي يمارس بالدرجة الثالثة من الدوري المصري، والذي لم يحقق أي انتصار طيلة الموسم، فكانت هزائمه بحصص ثقيلة، بل إن خط هجومه لم يسجل أي هدف، ما جعل رئيسه يفتح تحقيقا، اكتشف فيه أن اللاعبين والمدربين متواطؤون، وأن كل هاته التعثرات كانت باتفاقات مسبقة.
واعتبر محمود هشام عبية أن رحلة المراهنات تحمل المغامرة والخطر، وأيضا التأثير على النفس البشرية بالإغراء. مضيفا أن سهولة الولوج إلى هاته المنصات يحمل خطورة أكبر من المتوقع، وبالتالي وجب على المؤسسات المشرفة على مباريات كرة القدم أن تفعل القانون، وتوسع دائرة المراقبة، بغاية السيطرة وضبط عمليات الرهان الرياضي.

الرهان الرياضي
غير المشروع يتأسس
على القرصنة والخداع

أكد حسن خرجوج، المهندس المختص في الأمن السيبيراني، أن موضوع الرهان الرياضي يحظى بمتابعة دقيقة داخل المغرب منذ زمن كورونا. فبعدما كان منطقة محرمة على الأناس العاديين، أصبح بفضل الهاكرز وقراصنة الأنترنيت يجذب القاصرين بشكل أكبر.
وأضاف المختص المغربي أن ما تمت مراقبته على مستوى إحدى الشركات العالمية، التي تسعى للنفوذ على المستوى الوطني، قد أسسها مقرصنون، حيث أنه عند دخول التطبيق يتم زرع برمجيات ظاهرها بسيط، وباطنها خطير، لأنها ترصد سلوكات القاصرين وتحركاتهم وعدد مراهناتهم يوميا، من أجل تسهيل عملية التحكم فيهم. كما أصبح يتم استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما قلصت السن المشترط للدخول إلى 13 سنة، وبدأت تروج لمراهنات غير مشروعة. مضيفا أنه طالما يتم منع القاصرين من دخول هاته المنصات، فإنها تورطهم في عمليات إجرامية كالتحايل وتزوير الوثائق الإدارية لاسيما تلك المتعلقة بمعطياتهم الشخصية، حتى يحصلوا على شرعية الدخول، عن طريق الاستعانة بخبراء مختصين في هذا الفعل الإجرامي. وأمام افتقاد المال يدفعونهم إلى سرقة والديهم، بالتالي نكون هنا أمام عصابات تستهدف القاصرين، عن طريق وسطاء يقومون بتحويل الأموال إليهم من عملة افتراضية إلى نقود حقيقية، وهذا يفتح أيضا باب الاستغلال الجنسي والاغتصاب، والاحتيال الالكتروني، عبر توظيف بعض المؤثرين لتوسيع تواجد هذه المنصات بالفضاء الرقمي.
وفي ختام هذه الجلسة الغنية عاد بدر الدين الإدريسي إلى معاهدة ماكولين، التي وقعتها 33 دولة، ومن بينها المغرب، والتي دخلت حيز التنفيذ في 01 شتنبر من سنة 2019، من أجل الحد من ظاهرة تعاطي المنشطات ومحاربة الرهان الرياضي غير المشروع. مشيرا إلى أن المغرب بصدد تنزيل فصول هذه المعاهدة، لتصبح سارية الفعول، حيث أنها عرفت الظاهرة على أنها سرطان وبوابة نحو الجريمة العابرة للحدود وأكبر مظاهر الفساد في الرياضة.


الكاتب : الرباط: إبراهيم العماري

  

بتاريخ : 17/05/2025