عاشت كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بجامعة الحسن الأول بسطات، بداية الأسبوع الحالي، على أنفاس الشعر وجمال الكلمة، لتحتضن الدورة الأولى من اللقاء الشعري الدولي الذي جمع بين نخبة من شعراء المغرب وإسبانيا في لحظة احتفاء استثنائية بالكلمة الحرة العابرة للحدود.
الافتتاح كان بكلمات وازنة ألقاها الدكتور عبد اللطيف مكريم، رئيس جامعة الحسن الأول، مؤكداً على دور الجامعة في تعزيز الحوار الثقافي والانفتاح على مختلف التعبيرات الإبداعية. تلاه الدكتور عبد القادر سبيل، عميد الكلية، الذي عبّر عن اعتزاز المؤسسة باحتضان هذا الفضاء الشعري، مبرزاً أن الكلمة الصادقة هي مرآة الإنسان وجسر تواصله مع العالم.
اللقاء نظمته الجمعية المغربية للدراسات الإيبيرية والإيبيرو أمريكية، بتنسيق مع فريق البحث في تحليل الخطاب وشهد تنسيقا عاماً متقناً من طرف الدكتورة فاطمة لحسيني، التي أدارت فقرات البرنامج وأطرت قراءات متعددة بإحساس نقدي وشاعري رفيع، كما قرأت بعض النصوص الشعرية بالإسبانية، ترجمةً لنصوص ألقيت بالعربية.
وتوزعت فعاليات اللقاء إلى جلستين رئيسيتين الجلسة الأولى خُصصت للقراءات الشعرية، حيث تفاعل الجمهور مع نصوص قُدمت بلغتي الضاد وسرفانتس، فسمع الحضور القصائد مرتين: بلغتها الأصلية وبصدى ترجمتها، مما خلق فسحة من التبادل الحسي واللغوي العميق. أما الجلسة الثانية، فكانت لحظة حوار بين الشعراء والجمهور، تناولوا فيها معنى الكتابة الشعرية في حياتهم، وأجابوا عن سؤال «لماذا نكتب؟»، كما ناقشوا إكراهات النشر في المغرب وإسبانيا، من توزيع وتقدير نقدي وإيصال الكلمة إلى القارئ وسط مشهد ثقافي متغير.
المسار الشعري افتُتح بعزف دافئ على آلة العود من الدكتور إدريس ولد الحاج، الذي رافق الكلمة بصوت الأوتار قبل أن يقرأ ترجمته لقصيدة «العالم بالمقلوب» بالإسبانية، مظهراً تنوع أدواته الإبداعية،ثم افتتح الشاعر المغربي الكبير صلاح الوديع الجلسة الأولى بنص شعري تأملي بعنوان «بداية الخليقة»، تبعه الشاعر الصحراوي بشير الدخيل، مؤسس منتدى «ألتر»، الذي ألقى قصيدة ثنائية اللغة حول الهوية والذاكرة. وأدلى بمداخلة جانبية يوضح فيها ضرورة حث الطلبة على الابداع وصقل حسهم النقدي.
ومن الجانب الإسباني، أطلت الشاعرة ماريا خيسوس فونتيس، القادمة من مدينة سبتة، والتي ألقت نصوصاً تنبض بنَفَس أندلسي وروح أنثوية شفافة. وتُعد فونتيس من الأسماء المكرّسة في المشهد الشعري الإسباني، وقد نشرت عدة دواوين منها «أغوامارينا» و»قصائد للقراءة وقوفاً».
أما الشاعرة حفيظة الفارسي، فقد أسرت القاعة بقصيدتها «رئة ثالثة»، المنشورة في أنطولوجيا شعرية ثنائية اللغة بعنوان «المنارة» أشرف عليها الشاعر الإسباني خوسي ساريا. قرأت الفارسي النص بالعربية، وتلتها قراءة للنص بالإسبانية فحمل النص أنفاسًا مزدوجة وحضنًا لغويًا مشتركًا.
الشاعر مراد الخطيبي قدّم قصيدته «لا مزيد من الوحدة من اليوم»، التي جاءت مشبعة بنَفَس إنساني عميق، حيث تفاعل معها الطلبة والأساتذة بحرارة. كما فاجأ الحاضرين بمبادرة كريمة، حين وزع نسخًا من دواوينه على الطلبة الحاضرين، في مشهد شعري وإنساني نبيل.
وفي لحظة شعرية رفيعة، أطلّ الشاعر إدريس الملياني، الحائز على جائزة المغرب للكتاب سنة 2024 في صنف الشعر،والذي قرأ نصًا يعكس نضج تجربته ورؤيته للعالم. كما أعلنت الدكتورة لحسيني أنه سيكون ضيف شرف الدورة المقبلة، في بادرة تثبيت لتقليد ثقافي مستدام.
وتميز الحضور بتفاعل حيّ ومثمر، إذ لم يقتصر دور الجمهور على الاستماع، بل ساهم في النقاش من خلال تساؤلات وتدخلات أغنت اللقاء وأضافت بعداً نقدياً وثقافياً راقياً.
وفي ختام اليوم، قرأ الدكتورأحمد بلغزال التوصيات الختامية للقاء التي أكدت على ضرورة تحويل هذا الحدث إلى موعد شعري سنوي مفتوح على آفاق التعاون المغربي الإسباني في المجال الأدبي.
واختُتمت الفعالية بجلسة توقيع دافئة، تحوّلت فيها ممرات الكلية إلى معرض حيّ للكلمة، تبادل فيه الشعراء الحديث مع الطلبة ووقعوا كتبهم، وتركوا للذاكرة الجماعية لحظات موثقة بالكلمة والصورة.
لقد كان هذا اللقاء أكثر من مجرد ملتقى شعري عابر.. لقد كان تجربة شعرية وإنسانية عميقة أكدت أن الشعر ما زال قادراً على مداواة الجراح، وبناء الجسور، وفتح النوافذ نحو الآخر.
سطات تحتفي بالشعر:أصوات مغربية وإسبانية تنسج جسورا من الكلمة

بتاريخ : 22/05/2025