حضر المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية
– 1 –
إن فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ( من النكبة إلى النكسة) بما خلفته من أحداث جسام وتبدلات جذرية في السياسات والكيانات والمجتمعات في الوطن العربي، قد مست، في ما مسته، وضع الأدب عامة، وفرضت عليه أن يتفاعل مع ما كانت تعيشه الأمة العربية من حوادث وهبَّات وانتفاضات، بدءا – على سبيل المثال- من أثر النكبة الفلسطينية، ومرورا بمعارك السويس وبورسعيد، والثورة الجزائرية، وحركات التحرر الوطني التي عرفتها الأقطار العربية، إلى هزيمة يونيو/ حزيران.
كان الشعر بحكم طبيعة ارتكازه على اللحظة الانفعالية أكثر حظا بالبروز، وقتها من غيره من أجناس الأدب الأخرى.
وقد يكون من اليسير على المؤرخ الأدبي الذي يرصد الحركة الأدبية أن يتبين في معظم الإنتاج الشعري لهذه المرحلة ما تميّز به من ظهور ذلك التضامن العربي الواضح الجلي، بحيث أصبح أي حدث يقع في جانب من البلاد العربية يجد صدى قويا في منجزات شعراء الأنحاء الأخرى مما أكد على قوة الصلة بين الأطراف العربية.
لكن، وكما يُخيّل إلينا، فإن نكبة العرب في فلسطين، التي تركت جرحا عميقا في تاريخ العرب الحديث لم يلتئم بعد، كان لها في أدبنا العربي الحديث، والشعر بخاصة، أثر أكبر مما نتصور، أو مما نحب أن نتصور في بعض الأحيان. فمن يتصدى لجمع الأشعار والمقالات والخطب والقصص القصيرة التي كانت نتاجا لها سيجد محصولا كثيرا وفيرا. ومن الإنصاف أن نقول إن كثيرا منه كان يثيره الإخلاص، وإننا لا نعدم فيه النوع الجيد الرفيع أحيانا، بل لو شئنا أن نوسع مجال النظر لقلنا إن النكبة الفلسطينية عملت في المجال الأدبي بطريق غير مباشر، فنفت أشياء كثيرة كانت رائجة في الجو الأدبي كالإمعان في الذاتية وفي الانسياق وراء أدب المتعة، وأبرزت الحاجة إلى أدب مرتبط بواقعنا الاجتماعي، ومهدت لظهور موضوعات شعرية وقيم أدبية جديدة، لم تكن موجودة في الشعر الحديث من قبل.
فمن أعماق الألم والعذاب والإحساس بالذل الذي خلفته كارثة فلسطين، بدأت تتفجر القوى الثورية في روح الإنسان العربي، وبرز، من ثم، ما اعتبر شعرا ثوريا، الذي يمثل الشعر الوطني وشعر المعارك التحررية جانبا كبيرا منه، إلا أنه مع ذلك أشمل منه وأوسع مدى. فالنفس الشاعرة تثور لدوافع متباينة مختلفة، تختلف باختلاف مشاكل الحياة وتباينها.
والثورة هي سخط على وضع قائم فاسد، وحركة عنيفة لتغيير ذلك الوضع والقضاء عليه من أجل إرساء القواعد لأوضاع جديدة تطابق المثل العليا التي يهدف إليها الثائرون، وهذه الأوضاع الفاسدة التي يسعى الثائرون للقضاء عليها قد تكون أوضاعا وطنية أو قومية، عنصرية أو إنسانية، اجتماعية أو خلقية، وإن كان الترابط والتفاعل موجودين دائما بين الكثير من هذه الأنواع، وفيها تكون الكلمة الشاعرة الهادفة هي المحرك والوقود، بل هي المبشر والمتنبئ، وهي المؤيد والممجِّد، وهي المثبت لأركان الثورة إذا قيض لها النجاح.
والثورة الوطنية ضد الاستعمار كانت دائما، وفي نفس الوقت، ثورة ضد المستبدين والطغاة والفاسدين في النظم العربية، أولئك الذين كانوا دائما مطية المستعمرين وحلفاءهم، يكممون الأفواه ويحكمون بالحديد والنار لأنهم يتعاونون معه ضد مصالح الشعب.
والشعر الثوري، آنذاك، لم يكن قاصرا على الإقليمية الضيقة، فما يحدث في ناحية من نواحي الوطن العربي كان يهز نواحيه جميعا، إذ لا نكاد نجد ديوانا شعريا عربيا إلا ونلمس فيه التعبير الصادق، والمشاركة الوجدانية في معارك الكفاح ضد الاستعمار في كل جانب من جوانب الوطن العربي، والتبشير بالنصر الشامل.
وإذا كان الشعر العربي الثوري الحديث قد عبر عن الثورات الوطنية والقومية والإنسانية، فإنه لم يغفل التعبير عن الثورة الاجتماعية، بالدعوة لتخليص الإنسان العربي مما عاناه من ألوان العبودية والإذلال والمآسي، ومن إهدار للكرامة على يد قوى الشر والطغيان والاستبداد المتمثلة في الإقطاعيين والمستغِلين ( بكسر الغين) الذين يقفون في وجه تطور المجتمع وتقدمه. كما ثار، هذا الشعر، ضد تقييد حرية الفكر، وضد اضطهاد الكتاب والمفكرين حين كانت حرية القول والتعبير مفقودة طيلة عهود، ومازالت، وقد تعرض العديد منهم للأذى والاضطهاد والسجن لجهرهم بآرائهم في جرأة وشجاعة، هؤلاء وحدهم، مهما كان منزعهم وعقيدتهم، كانوا على مستوى الرسالة التي يُفرض في المفكر والمبدع أن يحملها.
ولابد أن يُسجل تاريخنا الأدبي أن النتاج الشعري لتلك المرحلة من وجودنا، كان شعر ثورة ومقاومة، وكان شعراؤنا يشعرون بالمسؤولية أمام أنفسهم وضمائرهم وأمام قدر أمتهم، وكانوا شهودا على مرحلتهم/ عصرهم.
ومما لا ريب فيه أن أعظم الأدباء في مختلف الآداب العالمية هم الذين تبرز في آثارهم هذه الشهادة عن عصورهم أو عن الحقبة التي عاشوها من هذه العصور. ذلك أن هذه الشهادة هي التي تتيح التأريخ الحقيقي للحياة الاجتماعية في فترة من الفترات، فتشارك من جهة في التاريخ العام، وتتيح للتاريخ الأدبي خاصة أن يقيم الآثار الفكرية والأدبية بالنسبة للمجتمع. على ذلك تكون الشهادة هي الوسيلة المثلى لتتبع تطور الأدب من جهة، وتطور الحياة الاجتماعية من جهة أخرى.
وقد ترك هؤلاء الشعراء العديد من الشواهد على تفاعلهم ومواكبتهم لشتى المعارك والأحداث الحاسمة والعصيبة التي شهدتها الأقطار العربية، واستجابتهم الصادقة والعميقة لها، كانوا منخرطين في الهم الوطني/ القومي على وجه منقطع النظير، وكانت قصائدهم حاضرة، دائما، في المواعيد الكبرى والأزمات ، فجاءت مشبعة بروح الثورة والنقمة والغضب والتمرد والثأر، متغنية بالآمال ناشدة الخلاص، فكونت، في مجموعها، واحدا من أقوى التيارات الشعرية تعبيرا عن قضايا تحرر الوطن / الأمة سياسيا واجتماعيا،، ودفاعا عن حرية وكرامة وأحلام الإنسان العربي.
كان كل شاعر، في تلك المرحلة، يشعر شعورا تلقائيا صادقا أنه مدعو إلى أن يجند موهبته وطاقته الإبداعية لصالح القضية التي تتوقف على انتصارها كرامته البشرية، ومن ثم قيمته الأدبية.
وبوسعنا أن نتذكر هنا، وللتاريخ، بعض أسماء الشعراء، على سبيل المثال، ممن تفاعلوا إبداعيا مع العديد من الأحداث التي عاشها الوطن العربي، وضمتها مجموعاتهم الشعرية لتلك المرحلة. هؤلاء الذين اجتمعوا على أرض واحدة، وإن تشعبت بهم المسالك والطرق، واختلفت عندهم المنظورات والرؤى، وتباينت لديهم الأشكال والطرائق والقيم الفنية والجمالية: (بدر شاكر السياب- عبد الوهاب البياتي – نازك الملائكة- شفيق الكمالي- عدنان الراوي- علي الحلي- محمد جميل شلش- صلاح عبد الصبور- كمال عبد الحليم- أحمد عبد المعطي حجازي- عبد الرحمن الشرقاوي- محمد الجيار- حسن فتح الباب- نجيب سرور- سليمان العيسى – نزار قباني- محمد الفيتوري- يوسف الخطيب- علال الفاسي- مفدي زكريا….).
– 2 –
ونحن في هذا المقام، نرى من الضروري التذكير بالمناضل الكبير والشاعر الفذ سليمان العيسى(1921 – 2013)، نظراً لما قدمه للعروبة من نضال، ولفن العروبة من شعر أصيل شكل بذاته قوة جبارة من قوى الطليعة المناضلة آنذاك. فالقيم الشعرية التي تفجر من خلالها إبداعه، قيم تصلح لأن تكون مقياسا عاما على كل شعر آخر من هذه النوعية. إن هذه القيم تتابع حركة النفس العربية الواعية وهي مغمورة في خضم الأحداث المتتالية على عالمنا العربي. فهي تقوم، من جهة، على الرفض، رفض واقعه برمته، وتتنبأ، من جهة أخرى، بالواقع الأفضل نبوءة تتكشف للملهمين، فتعمل منذ أن تتكشف لأصحابها على استدعاء وبناء هذا الواقع الجديد، وكل هذا من خلال موقف وجودي دائم يلتزمه الشاعر عن عفوية ووعي. وقد تميز سليمان العيسى، عن غيره، بإنتاج غزير متلاحق في دواوين عدة، بدءا من ديونه الأول( مع الفجر – 1952) و ( أعاصير في السلاسل) الذي يعتبر هو البداية المعلنة لشاعريته، وهو بيانه الثوري الشعري رقم واحد منذ سنة 1953:
وقد وجهه إلى ” القارئ”، وفيه يتجسد بوضوح الحل الذي اختاره الشاعر لقضيته الوجودية:
إذا لم أكن زفرةً ترتمي بقلبكَ .. أو جذوةً تُحرِقُ
فمزِّقْ نَشيدِي ، ودَعه يبيدُ على نَغَمِ غيرِهِ يُخلَقُ!
سنهتِفُ حَتَّى نَشُقَّ الصباحَ ويَغرقَ فِي وَهجنا المشرِقُ
بيان الشعر العربي الداعي إلى الثورة على الاحتلال من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.
أما ديوانه “رمال عطشى” فهو ذروة إبداعية في الشعر القومي الذي ذاع صيته وأثره في ستينات القرن الماضي، وتلقفه جيل عربي نهضوي شرقا وغربا، كأنه نشيد الثورة الجديدة. ومما لاشك فيه أن ملحمة ( ياموكب النور) تشكل النافذة الكبرى في هذا الصرح الملحمي، ومنها:
يلقاكِ بالدمع، دمع الثَّورةِ، النغمُ يا أمةً في الزنودِ السُّمْرِ تبتسمُ!
هتفتُ بالشعر.. فانهالت على شفتي خُطَى الضحايا .. ومات الشعر ، والكلِمُ
ورحتُ ألمحها في الدرب، قافلةً عطشى، تَصَارَعَ فيها الفجرُ والظُّلَمُ
تَشُدُّ بالكبِدِ الجوعان .. خُطْوتَها وبالعقيدة، لا شكوى، ولا سأَمُ
مدَّ الطريقُ إلى الأشلاءِ نظرتَه إلى الدماءِ ، فكان البعثُ ، والألَمُ
هتفتُ بالشعر .. أستسقيه قافيةً حمراءَ .. فانفَجرتْ في أضلُعي الحممُ!
ولاح موكبيَ الماضي .. بجبهته عَضُّ القيود ، ولَسْعُ السوطِ ترتسمُ
وهزَّني في حديد السجن قهقهةٌ من الرفاقِ .. عليها الموتُ ينحطمُ
إلى غير هذا من الدواوين مثل (ثائر من غفار) و( شاعر بين الجدران) و(قصائد عربية). وقلما نجد لدى شاعر عربي معاصر هذا الزخم من الأشعار التي كانت تملأ الدنيا ألقاً شعرياً في مناصرتها للقضايا العربية. كان سليمان العيسى شاعرا نبيلا، وشاهد عدل وصدق على أهم التحولات الصاعدة والهابطة لأمته، كان يفرح حين يراها تصحو وتصعد، ويتألم ويغضب حين يراها تنحدر. لم يكن شعره حكرا على بلد بعينه، بل كان موزعا على بلاد العرب جميعاً.
لقد استطاع هذا الشاعر المناضل أن ينصهر، بالفعل، في القضايا العربية انصهاراً فعالاً يملك عليه كل وجوده، كانت تنغرس فيه حتى العصب النابض انغراسا يستطيع أن يفجر فيه كل يوم طاقة تعبيرية جديدة. وهو الذي كان يرى أن الأرض العربية، حيث امتدَّت وأنَّى كانت، جسد واحد، وأي طعنة تُسدّد إلى قبضة من ترابها، إنما هي طعنة تُسدَّد إلى الجسد كله.
من هنا، وبعودة واعية إلى دواوينه الغزيرة ، ترينا شاعرا ملتهب الشعور، حار التعبير، تمور في قوافيه بوارق الغضب، وتشهق حنجرته بالألم. في شعره بث وحزن مضمخ بعبير الأمل والثقة بالعروبة، والتزام بهموم الوطن الكبير، وهجوم على الواقع الفاسد بغية تفجير نَفَس الحياة فيه.
كانت تحيط بشاعرنا ظروف لا إنسانية، فالاستغلال وكبت الحريات والسجون هي السمة الظاهرة لمجتمعه. فهل يقف مكتوف الأيدي وهو الإنسان الشاعر ؟ أبداً لا . فكان المناضل الجريء يدافع عن قضايا شعبه بكل وعي وإخلاص. وآمن أن لا حياة للشعب العربي عامة إلا بمجتمع عادل يوفر الظروف الإنسانية المتكافئة على أساس العدل ومن أجل الرفاه والتقدم، فلم يزل في كل مناسبة يذكر الفروق الطبقية البشعة في مجتمعه ويحارب الاستغلال والجشـع ويحـرق نفسه لينير رفاقه
المكافحين من أجل الخبز والحرية والكرامة:
سَلِ الملايين هل جاعتْ وهل ظمئتْ إلا ليغرق في لذَّاتِه رَجُلُ
هم غصّة الوطن الدامي وحرقته وداؤه .. أين حلّوا فيه أو رحلوا
إن الشاعر لم يندب حظ الجماهير ولم يتباك عليها، ولم يقف بعيداً عنها كوقفة المتفرج الواصف، بل غاص إلى أعماقها وشاركها مآسيها وجعلها طرفاً ثانياً فلي الموضوع، فهي عنده قد وعت معركتها وعرفت سارقي قوتها. فهو يوجه السؤال للملايين العربية ويطلب الجواب منها. إن (سَلِ الملايين) تعبر عن إيمان الشاعر بالجماهير فرسم لها الموقف الإيجابي السليم.
وعندما يمر الشاعر، مثلا، في شارع ” أبي رمَّانة ” ( أفخم شوارع دمشق وأحدثها يومئذٍ) ، ويتأمل قبابه البيض وواجهات قصوره فلا يتمالك نفسه من مهاجمة الطبقة المترفة على النحو التالي:
والغارقون بِلُجّةِ الأ لحانِ تعصف والشرابِ
المالكو السَّبع الطِّبَاقِ النَّاهداتِ إلى السحابِ
من هُمْ؟ أكانوا غير لصٍ في ” الوزارةِ ” أو مُرابي
يُلقِي على قَدَمِ ” الدخيل” مصيرَه يومَ الحسابِ
فإذا البلادُ فريسةٌ عزلاءُ في شدقِ الذئابِ
وإذا القبابُ البيضُ تضحكُ في المدينةِ للقبابِ
وهو في المقابل يصف في أبيات كثيرة حياة البائسين، ويدعو إلى إنقاذهم من بؤسهم، بل يحذر من ثورة الجائعين على الذين هضموا حقوقهم:
السالخون جلودَ الشعب … أفقَدهُم بقيةَ الرُّشد .. أن يستيقظ ” النَّعَمُ”
وأن يَشُقَّ ” عبيدُ الأرض” طاعتَهم وأن تحولَ عن الأعناق رجلُهُمُ
ويرفعونَ قلاعَ البغي شاهقةً كُلُّ القلاع ـ وإنْ عَزَّتْ ـ سَتنهدِمُ.
نحن الحُفاةُ … لنا في الشمس حصتنا في النور، في التّرْبِ في العرشِ الذي اقتسموا
لنا رغائب… لو شقَّتْ مقابرَها تعطَّر السفحُ بالإبداعِ .. والقِمَمُ
نحنُ الحفاةُ … أضأنا الأرضَ مسَرجةً على الكفافِ .. وصُغنا الدهر .. لو علموا!
للمعولِ الصَّلدِ عهدٌ في سواعدنا أن لا يَقَرَّ .. وفي هذا الثَّرى ” صَنَمُ”
إن قضايا ومصائر وهموم وطن شاعرنا لم تنسه ، أبدا ، ما كانت تعانيه بقية الأقطار العربية من استعمار وفاقة وحرمان واستبداد، فقد كرّس، كما أشرنا، معظم مدونته الشعرية لأحداث وطنه العربي الكبير، فعبر بصدق وإحساس مرهف عن قضاياه، عن وحدته ، وعن تحرره من آخر أجنبي عن أرضه.
وهذه عينة من عناوين قصائده في هذا المجال:
( فلسطينيات ـ أعياد الجلاء في سوريا ـ لواء الأسكندرونة ـ مهرجان الجلاء بدمشق ـ الأردن الثائر ـ في محنة الأردن الشقيق ـ ثورة مصر وكفاح بورسعيد ـ الوحدة / الجمهورية العربية المتحدة – لبنان الثائر ـ أغنية على النيل ـ مصر أرض الكنانة ـ شهداء العروبة ـ أعياد الجلاء ـ شهداء الحرية في لبنان ـ بغداد تمزق القيد / 1958 ـ شهداء الأمة في العراق الدامي ـ أنشودة إلى الجزائر ـ جميلة بوحيرد ـ جميلة بوباشا ـ أحمد بن بلا ـ من ملحمة الجزائر ـ تونس ـ ديوان اليمن … ).
أما عن المغرب فقد كتب عنه الشاعر قبل الاستقلال قصيدته: ( مراكش في محنتها الأخيرة / 1953) .
وأثناء مشاركته ضمن ضيوف المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية المنعقد بالدار البيضاء سنة 1962 ، كتب الشاعر القصائد الآتية والتي ضمها لديوانه ( أمواج بلا شاطئ) :
+ في الطائرة ( على مشارف المغرب) .
+ الطريق ( ألقاها في قاعة المؤتمر) .
+ بن سعيد/ ثائر من المغرب ( لعله يقصد المناضل بن سعيد آيت إدر، الذي كان منتميا للاتحاد الوطني آنذاك) .
+ سجلماسة ( قصر سجلماسة الرابض على شاطئ الأطلسي في الدار البيضاء).
+ الغروب في عين الدياب/ عين الذئاب ( على شاطئ المحيط الأطلسي ـ البيضاء).
– 3 –
لقد بقي شاعرنا سليمان العيسي متوهجاً يتدفق شعراً طيلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كان يخاطب الجماهير العربية صاحبة القضية والهم، وصاحبة القدرات على تحقيق بعث الأمة العربية موحدة قوية، إلى أن جاءت نكسة 1967، وكان وقع تلك المأساة عليه شديدا، بحيث بعد هذه الكارثة ، لم تسعفه الكلمة طوال عام كامل، فالكارثة غلَّت روحه وسدَّت عليه المنافذ، حيث وقفت الكلمة كسيحة عاجزة مهما أوتي من البيان والصدق، إلى أن كتب تحت عنوان (الشاعر والأصوات) خمسة عشر نشيداً عبر من خلالها عن نفسه وما قاساه من أثر تلك المأساة.
ولعل اليأس الذي أصاب الشاعر بعد هذه النكسة، كان بمثابة تحول في مسار إبداعه، حيث اتجه إلى كتابة الشعر للأطفال، فمن الأكيد أنه رأى فيهم قيم الأمل والإشراق في المستقبل ، ما دام الكبار قد عجزوا عن تحقيق آماله، لذلك فقد صبّ اهتمامه وعاطفته الصادقة على من يعلق الأمل عليهم، وأبدع في تقديم أقصى ما يستطيعه من قدرات فنية وإبداعية لكي يحقق الهدف الذي يصبو إليه.
وفي هذا المجال زوّد المكتبة العربية بمجموعة كبيرة من أروع ما كُتب حتى الآن على مستوى الوطن العربي للأطفال، بالإضافة إلى مجموعة من القصص المُعرَّبة بالاشتراك مع زوجته د. ملكة أبيض .
– 4 –
ستبقى قصائده/ أناشيده، ذات اللغة الجياشة بالأمل والغضب العظيمين، والمتميزة بحصافة الأسلوب، وقوة التعبير، ووحدة القافية ( مع تنوع طبيعي فيها)، وسلامة اللغة؛ ستبقى، رغم تنوع مواضيعها، مشدودة كلها بخيوط تجربة واحدة، هي تجربة النضال القومي لتحقيق حرية وكرامة ووحدة الأمة العربية.