أصدرت دار Alifbata الفرنسية، في 22 غشت 2025، القصة المصوّرة “سيدات الفراولة، أصابع سحرية” للكاتبة أناليز فيرنيه، في 128 صفحة ملونة، والمستوحاة من التحقيقات الميدانية التي أنجزتها الباحثة المتخصصة في الهجرة شادية أعراب.
يروي العمل حكاية ثلاث نساء مغربيات: فريدة، نادية ونجاة، اللواتي يغادرن بلدهن كل عام، مثل آلاف النساء الموسميات، نحو حقول الفراولة في مدينة هويلفا الإسبانية، يتركن أطفالهن خلفهن ليخضن تجربة عمل شاقة وسط البيوت البلاستيكية، حيث يواجهن حرارة خانقة، مبيدات سامة، أجورا زهيدة، وتعاملا قاسيا من بعض أرباب العمل.
بالإضافة إلى المعاناة اليومية لهؤلاء العاملات اللواتي يهجرن الأرض والأولاد بحثا عن تحسين حالتهن المادية وظروف عيشهن المزرية سلطت الرواية المصوّرة الضوء أيضا على قوة التضامن بين هؤلاء النساء ومؤازرتهن لبعضهن البعض، ودعمهن المتبادل الذي يصبح وسط تلك الظروف القاسية مصدر صمود إنساني.
تقول فريدة مثلا: “أشتاق لأطفالي كل يوم، لكننا نساعد بعضنا البعض حتى لا تهزمنا المعاناة”. بينما تصف نادية ساعات العمل الطويلة تحت الشمس والإهانات المتكررة، وتشير نجاة إلى أن حتى الطعام والماء أحيانا يكونان نادرين، لكن التآزر بين العاملات يمنحهن القدرة على الاستمرار.
هذا العمل الفني لا يكتفي بسرد القصص، بل يحول الشهادات الحية والبيانات البحثية إلى صور ورسوم نابضة بالحياة، ما يسمح للقارئ بالاقتراب من تفاصيل المعاناة اليومية، وفي الوقت نفسه إبراز البعد الإنساني لعاملات غالبا ما يتم إغفال أصواتهن في النقاش العام.
تستند القصة إلى أبحاث شادية أعراب، التي بدأت منذ 2009 بتوثيق أوضاع العاملات الموسميات في إسبانيا، قبل أن توسع دراستها لتشمل معطيات من منطقة أزيلال عام 2011 وتحديثات ميدانية سنة 2017. هدفها كان إلقاء الضوء على قضايا الكرامة، ظروف العمل، وصعوبات الهجرة، وإعادة الاعتبار لنساء ظللن “غير مرئيات” في التقارير الرسمية.
ويأتي الإصدار الجديد بعد أشهر من ترجمة الكتاب الأصلي إلى العربية على يد الأكاديمي خالد بن صغير عن دار En Toutes Lettres، ما يتيح للقارئ المغربي والعربي فرصة الاطلاع على هذه التجربة الإنسانية في صيغة بصرية مؤثرة.
رغم أن نظام الهجرة الموسمية يتيح للعاملات العودة إلى المغرب، كلما أتممن عملهن بتلك الحقول، إلا أن الأسئلة تظل مطروحة حول تحسين ظروفهن المعيشية، وضمان حقوقهن الأساسية في بيئة عمل لائقة. وتبرز الرواية المصوّرة هذه الإشكالات بجرأة، لتعيد طرح ملف حقوق المهاجرات المغربيات في الحقول الأوروبية إلى واجهة النقاش.
يذكر أن شادية أعراب هي باحثة فرنسية مغربية في علم الجغرافيا الاجتماعية، كرّست مسيرتها لدراسة قضايا الهجرة والاندماج، مع تركيز خاص على واقع النساء المغربيات العاملات في الهجرة الموسمية. ولدت في مدينة أنجيه بفرنسا وسط أسرة مهاجرة، ما جعلها منذ البداية قريبة من أسئلة الهوية والانتماء، لتتحول لاحقا إلى واحدة من أبرز الأصوات الأكاديمية المهتمة بالهجرة المغربية نحو أوروبا والخليج.
«سيدات الفراولة، أصابع سحرية»: رواية مصوّرة تكشف معاناة العاملات المغربيات الموسميات

الكاتب : خديجة مشتري
بتاريخ : 28/08/2025