شعرية الحواس في ديوان «يد لا تهادن» لأمل الأخضر

تطل علينا الشاعرة أمل الأخضر بديوان جديد اختارت له عنوانا دالا وعميقا «يد لاتهادن» ، بمعنى أن هذه اليد، لا تعرف السكون فهي متوثبة، متأهبة للقول بطريقتها الخاصة، مفعمة بالنبض تماما كالمجس .
ديوان « يد لا تهادن» هو الإصدار الثالث للشاعرة أمل الأخضر صدر سنة 2021، بعد ديوان «بقايا كلام» عن منشورات جمعية الإمتداد الأدبية سنة 1995, وديوان «أشبه بي «الصادر عن دار التوحيدي سنة 2012.
يقع الديوان في 103صفحة من الحجم المتوسط،ويضم 25 نصا، تتصدره لوحة تشكيلية لها علاقة عضوية بثنايا النصوص، وهي للفنان السوري علي الحجار.والعمل الشعري من إصدار دار مقاربات للنشر والصناعات الثقافية.

الشاعر كائن مرهف الإحساس، وهو بالتالي يندمج بكل حمولاته الفكرية والعاطفية والنفسيةْ،حول ذاته ومحيطه الإجتماعي، لا ليعكس ذلك كتابة، بل ليتجاوزه إلى تمظهرات أخرى، ويلعب التخييل، أس العملية الإبداعية في الكشف عن عالم هو في حاجة إلى الكشف.
اختارت الشاعرة أمل الأخضر، من خلال هذا المنجز الشعري وعبر طبوغرافيته نصوصا ذات بناء مقطعي قصير ، وآخر انسيابي طويل، وهذه المورفولوجية أضفت على عناوين النصوص، أنساقا ووحدات عضوية، وكأنها في نول نصي بديع. وكنموذج على ذلك.نصوص : لست معنية بشيء، الشاعر، يد لا تهادن، صباح الخير أيها العالم، كما في خشبة، لست سليمان…
جل قصائد الديوان عانقت القيم الإبداعية، وتم تلاقح السردي والشعري في بعض النصوص وأهمها، فاتحة الديوان الموسوم بعنوان «لست معنية بشيء»،بحيث يعد تحصيل حاصل لمبنى ومعنى الديوان، لما يشمله من حكي وتمثلات واعترافات،ونداءات. وهكذا نقرأ:
لست معنية بشيء ،
بالكم الهائل من صور القتلى والمعطوبين على التلفاز،
ولا الإثنين البغيض، ولا بالنهر يلفظ جثت المنكوبين الباحثين، عن الخبز في بلاد الإفرنج…
لنخلص في هذا النص الملتهب والتنكري الى أنها ليست معنية بشيء،
فقط تخنقني كل هذه الصور،
كلما أغمضت عيني وهدني التعب.
وهكذا تبدو تجليات الانكتاب بكل هذه الحواس الشرسة، وهذا الاضطراب والاختناق،الذي يأسر الذات المتعبة،في هذا الزمن اللعين، ونقرأ من نص شجر شجر،حيث يتواتر الإيقاع وينمو، ليتبدى أن الشجر شاهد على صور تنماز، وفق رؤية للعالم، ارتأت الذات الشاعرة أن تستجليها، فتتعدد صور الشجر وتضخ فيه الأنفاس، فيخبو تارة، ويتقد أحيانا اخرى، ونقرأ من نفس النص :
شجر لشاي الغروب، شجر لاستراحة المحارب، شجر للردهات السرية، لقلوب النساء الصامتات.
أما المعجم فقد تخللته الدقة والبساطة والرمزيةالشاعرية، أساسها ثيمات أهمها الذات والآخر والطبيعة والحلم وفيض الذاكرة، وبذلك تنحاز الشاعرة للإخلاص لما رسمته، لديوانيها السابقين، وهي تؤسس لفردانيتها، قبليا وبعديا. ونقرأ في نص «رأيت في ما يرى النائم»:
رأيت الماء يصفرللرابية.
رأيت التراب يئن تحت وطأة الجبل.
رأيت الهواء يعوي بين فج وفج.
رأيتني إلى أربع منشطرة.
هذه الرؤى ومتوالياتها وإبدالاتها، هي نتيجة للبدايات الأولى للوجود والموجودات، لكن لا غائيتها، تغيرت وأثرت على هذه الأنا وهي بلا بوصلة. أما التركيب فقد انبنى كما سبق الذكر هو الآخر بين هذه المزاوجة بين السرد الحكائي والشعر ، وفق ثنائية الذات الملتاعة ويدها وأصابعها التي طالت كل ما يجيش في الخاطر، ويراوده. وسيلتها في ذلك جدل يمتح من الحواس الملتهبة. وكأن نداءات بروميتيوس ،سارق النار، يلهمها شعلة، لتضيءعتمات هذا الواقع الواهن الوضيع، لآخر أكثر صدقا وطمأنينة وقيما إنسانية.
لنقرأ في نص «غضب بعيد:»
إنني أبكي.
يادمه المخاتل لدمي، ياصلاة روحي لنسيم هبوبه، يارجع الصدى المتواتر:
ياغضبي البعيد في غور روحي وفي أقاصي دروبي.
هكذا يغدو الغضب ملازما للذات والروح معا، ومرد ذلك للانخطاف،الذي يرج الذات، ويطوح به بعيدا. بينما الصورة الشعرية، هي الأخرى تميز هذا المنجز الممهور بمجازاتها وصورها الإيحائية ورؤاها الفانطازية، مما حقق تراكما إضافيا آخر حول هذه الصور إلى أيقونات ومشاهد، لها سعة واضحة وطعم خاص. ونقرأ في نص «مايهمس به القرنفل الضاج للشرفة الوحيدة»:
أريد أن أعد شجر لله في كل البلاد.
أريد أن أفك شفرة حديث الريح للرابية وحديث المطر للمزاريب.
أريد أن أستوقف يمامات الروح المحلقة بين القلوب.
وأسألها جذوة الفرح المؤجل دائما.
هكذا تندرج هذه الأدرية، بحثا دؤوبا عن غياهب زئبقية وسرابية، لتتحول بقدرة قادر إلى أسئلة ملحاحة لهذه الأنا التواقة إلى المعرفة، والماهية والهوية أيضا. أما بخصوص التداول، فقد تم الاشتغال على خطاب يتغيا الدال والمدلول كمرجعية،وملفوظ صريح وشفيف، وسطوة أفعال المضارعة، دون الإلتفات إلى الماضي وسطوته، مما أعطى للنصوص حرارة ودفقا وانسيابية.
ديوان «يد لاتهادن» يعد إضافة نوعية للديوان المغربي، وتجليا متميزا من تجلياته المتعددة، كتب بجمر الشعر وغليانه، أملا في كسر رتابة واقع متناقض، وغايته في ذلك تحريك برك آسنة، وهو بذلك في حاجة إلى المزيد من قراءات أخرى، لاكتشاف خبايا ومكنونات جديدة خاصة بالكتابة الشعرية لدى الشاعرة أمل الأخضر.


الكاتب : ميلود فيروشة

  

بتاريخ : 29/04/2022