«التراث الثقافي لجهة درعة تافيلالت الواقع والآفاق».. شكل المحور الرئيسي لخمس مداخلات خلال يوم دراسي نظم بمناسبة الاحتفال بشهر التراث ، مؤخرا ، من قبل جمعية السلام للثقافة والتنمية بشراكة مع المحافظة الجهوية للتراث الثقافي بجهة درعة تافيلالت و بتنسيق مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية/ ورزازات وكلية العلوم و التقنيات بالرشيدية.
وناقشت مداخلات باحثين وأساتذة جامعيين خمس محاور أساسية وهي «التراث الثقافي الواحي»، الذي عرف من خلاله الأستاذ لحسن كبيري بالواحة التي اتخذها الإنسان مقرا له منذ القدم لوجود الماء وبنى بها القصور للسكن ولضمان الاستمرارية لوجود التنوع البيولوجي بالواحة ، التي صنفها إلى عدة أنواع منها الواحات الشاطئية والصحراوية والجبلية والهضبية …وتعود واحة تافيلالت، يقول المتدخل، إلى قرون بعيدة حيث وجد بها الإنسان والتي عرفت بواسطة الصخور المنحوتة الموجودة بها.
الدكتور كريمي سعيد تحدث في محور «التراث اللامادي الذاكرة الجماعية « عن الروافد التي يزخر بها هذا التراث ،معتبرا أن الرافد الأمازيغي مكون أساسي لهذا التراث، الى جانب الرافد العربي والإفريقي و اليهودي وروافد أخرى كثيرة تشكلت من قبائل و اثنيات تركت بصمات أثرت و تأثرت على مستوى الصناعة والعادات و اللباس و الوشم والرقص … وجعلت من الواحة منطقة للتسامح والعيش الجمعي والجماعي، تاركة منظومة بشرية حية تهدف الى الاعتراف بحاملي التراث الثقافي غير المادي، مستشهدا بالمقولة الإفريقية: «عند موت إفريقي مسن تموت معه مكتبة كاملة»، لذا، يقول المتدخلن يجب صيانة هذا التراث والحد من ضياع أشكال مختلفة ومتنوعة منه ، وتحسيس المواطن بقيمته وحثه على المحافظة عليه وتثمينه كونه يمثل العمق الثقافي في المجتمع ويعمل على تقوية الهوية الوطنية.
من جهته أشار جمال البوقعة مدير المحافظة الجهوية في محور «التراث الأثري بجهة درعة تافيلالت.. مواقع الفنون الصخرية نموذجا»، الى مواقع الفنون الصخرية التي توجد بجهة درعة تافيلالت وخاصة بأقاليم زاكورة ، تنغير والرشيدية، معتبرا أن الأدوات الحجرية كانت تتحرك في المجال، وذلك عبر رسوم تعبيرية للإنسان القديم على الصخور لتتشكل منها عناصر التراث الأثري بالواحة الكبرى التي تمتد من واحة فكيك إلى طاطا، حسب المتدخل، ليبقى الفن الصخري تراثا ماديا ثابتا.
محمد أزرور أستاذ بكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية ركز في مداخلته «التراث المعماري ومواد البناء المحلية» على أنواع البناء في قصور و قصبات جهة درعة تافيلالت، المتمثلة في «الركز، التابوت ، الطين» الذي قد يصل علوه الى 20 مترا أو 5 طوابق، مشيرا إلى فوائد البناء بالتابوت والطين المركز الذي اتخذه الأجداد كنوع من البناء، حيث نظرا لسمكه وصلابته يحافظ على تليين الجو أثناء وقت الحر كما هو في وقت القر، لهذا، يضيف المتحدث ، لجأ فرنسيون بالمغرب، سنوات 1962 و 67 و 72، إلى بناء 2750 مسكنا في الداوديات بمراكش و 200 مسكن في ورزازات بنفس الطرقة، معتبرين أن الرجوع الى البناء بالتابوت يحافظ على تلطيف الجو وعلى حماية البيئة، وله أهمية في التنمية المستدامة، ومن ثم ينبغي تشجيع الساكنة على البناء اعتمادا على المواد الصديقة للبيئة.
وتطرق لحسن أيت لفقيه عن اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، إلى موضوع «مثبطات إعمال الحقوق الثقافية، جهة درعة تافيلالت نموذجا»، مشيرا إلى مفهوم الثقافة الذي وصفه بالمعقد، بالرجوع الى الحقوق الثقافية التي لم تجد مكانتها في جهة درعة تافيلالت رغم غزارتها، متسائلا في ذات السياق عن الحقوق الثقافية، فردية أم جماعية، التي لم تلق ما تستحق من الأهمية للنهوض بالتراث غير المادي بالجهة وتعريفه وجمعه، ليتستى لكل فرد الحق في أن يشارك في الحقوق الثقافية طبقا للمادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وخلال هذا اللقاء الذي أداره رئيس الجمعية المنظمة امبارك أيت القايد، تم التأكيد على الأهمية الحيوية التي يكتسيها الاهتمام بالتراث غير المادي بجهة درعة تافيلالت ، بالنظر إلى الدور الذي يضطلع به في التنمية المستدامة باعتباره يمثل العمق الثقافي في الجهة ويعمل على تقوية الهوية الوطنية.