شهادة لقيادي سابق في البولساريو ، الوجه الخفي لـ «مافيا» البوليساريو والسكان «الرهائن» في مخيمات تندوف

البوليساريو لا تستطيع فعل أي شيء بدون دعم الجزائر التي تقدم الخبز والعدس للصحراويين الرهائن

 

في مقال «بالغ الأهمية» لمجلة «جون أفريك» (Jeune Afrique)، وقعته الصحافيتان «فدوى إصلاح» و«ريم بوصميد»، تمكنت المجلة (في باريس) من إجراء حوار مع الوزير السابق وسفير الجمهورية الصحراوية (المزعومة) «هادي أحمد بريك لله»، الذي أدلى بشهادة «نادرة» حول منطومة العمل الداخلية لدى الجبهة، و كيف انتهى به الأمر إلى مغادرة صفوفها، متنقلا من تندوف إلى مدريد مرورا بالجزائر العاصمة وكراكاس، و كيف تحولت قصة هذا القومي الصحراوي (سابقا) إلى قصة «معارض شرس» يرى في خطة «الحكم الذاتي» التي اقترحتها المملكة «أساسا جيدا» لإنهاء هذا الصراع.
على عكس العديد من الصحراويين الآخرين الذين غادروا مخيمات تندوف، لم يستقر الحاج «أحمد بريك لله» («الحاج أحمد باريكالا» على أوراقه الإسبانية) في المغرب، بل توجه صوب «إسبانيا» في «أستورياس»، وهو خيار يعكس رغبته في وضع نفسه كـ»بديل سياسي موثوق به» لجبهة البوليساريو التي يعتبر هذا الوزير الصحراوي السابق « أنها محكوم عليها بالاختفاء بالطريقة نفسها التي اختفى بها الجيش الجمهوري الأيرلندي في أيرلندا»، وهذا ما جعله يؤسس «الحركة الصحراوية من أجل السلام» (MSP) في أبريل 2022.
في مواجهة «الركود المستمر» و»الافتقار إلى الآفاق» و»إثارة الحروب» لقادة البوليساريو، تقترح حركة الحاج أحمد «طريقة سلمية للخروج إلى النور، وجمع الصحراويين المشتتين، ومعهم الأعضاء السابقين في جبهة البوليساريو». فبعد أن غادرت جبهة البوليساريو، بسبب الصراعات الداخلية، تعمل «الحركة» المعنية على إيجاد «حل توفيقي قابل للتطبيق ودائم لمشكلة الصحراء».
وتدعم «الحركة الصحراوية من أجل السلام»، على خلاف جبهة البوليساريو، ب»شكل علني»، خطة الحكم الذاتي المغربية، كما ترغب في «التفاوض على شروطها» بخلاف ما يفعله الآخرون، فضلا عن كونها «خطا سياسيا جديدا» تدعمه شخصيات سياسية رفيعة المستوى مثل الرئيس السابق للحكومة الإسبانية «خوسيه لويس ثاباتيرو»، وذلك من أجل تسوية الصراع الذي استمر لأكثر من 40 عامًا.
إن هذا النهج الذي يعارض ما يدعو إليه قادة البوليساريو، رغم أنه يُنظر إليه بوضوح على أنه «عمل من أعمال الخيانة العظمى»، جعل الحاج «أحمد بريك لله» ينتقل من منصب كبير في ما يسمى بـ «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» إلى مرتبة شخص غير مرغوب فيه و معارض شرس.
ولد «الحاج أحمد بريك لله» عام 1957 في «فيلا سيسنيروس» (الداخلة حاليًا)، والده عمل ضابطا في الجيش الإسباني، أما والدته (ابنة أحد الشخصيات البارزة)، فتنحدر من قبيلة «أولاد دليم»، وهي ابنة عم «أحمد ولد سويلم» (مسؤول كبير سابق في البوليساريو أصبح سفير المغرب في إسبانيا عام 2010).
وبعد أن قضى مرحلة شبابه بهدوء في ظل شقيقه الأكبر ومعلمه (ممثل الجمهورية الوهمية في الأمم المتحدة) «أحمد بخاري»، انتقل في أوائل عام 1975 مع عائلته إلى «موريتانيا» ثم إلى «جزر الكناري «. يقول: «تركنا الداخلة بسبب مناخ من عدم الاستقرار والخوف هناك.. أخي الذي كان طالب قانون في مدريد تم سحب منحته الدراسية، لأنه كان يلتقي بطلاب آخرين للحديث عن كل هذا، وتداول كل أنواع الشائعات حول مستقبلنا إذا ما مرت المنطقة تحت العلم المغربي».
بعد بضعة أشهر من «اتفاقات مدريد الثلاثية» في 14 نوفمبر 1975، انتقل كثيرا بين «إسبانيا» و«المغرب» و»موريتانيا» بسبب «المسيرة الخضراء»، حيث اتجهت العائلة إلى «مدريد» في عام 1977، ومنها إلى «الجزائر العاصمة»، وأخيراً إلى «تندوف» (بعد اقتراح من الابن الأكبر الذي كان على اتصال مع الصحراويين من نواكشوط وطانطان والآباء المؤسسين لجبهة البوليساريو).
ويتابع الحاج أحمد بريك لله: «..كما هو الحال بالنسبة لجميع الشباب الصحراوي الذي وصل إلى المعسكرات الواقعة في الصحراء الجزائرية، تلقينا 6 أشهر من التدريب العسكري، و تحملنا لتشبعنا بالجمل الثورية المزخرفة التي أغرت الكثيرين من لدن المناهضين لـ»الحسن الثاني» أي «معمر القذافي»، و»الجزائر» التي كانت تبحث عن قيادة إقليمية بشتى الطرق.. لكن، سرعان ما أصبت بخيبة أمل بعد التحمس في الأسابيع الأولى من هذه المغامرة الصحراوية الحارة. فبعد أجواء الراحة، و نوعية الحياة التي عشناها في الداخلة، ولاحقا في «لاس بالماس»، كان علينا أن نواجه (في المخيمات) ظروفا معيشية «قاسية» للغاية، تشمل المناخ الجاف مع درجات حرارة شديدة تتجاوز 50 درجة مئوية في كثير من الأحيان، و حتى إن وجد الظل أثناء النهار، فقد تنخفض ​​درجة الحرارة فيه لتبلغ أقل من 0 درجة، مع كثير من العواصف الرملية التي لا تتحملها المساكن المتهالكة جدا (الخيام و المنشآت المبنية من الطوب اللين مع أسقف غالبا ما تكون مصنوعة من الصفائح المعدنية)، ناهيك عن غياب المياه العذبة وكثرة الانقطاعات الكهربائية… كل ذلك في ساحة حرب، حيث يلتقي الأصدقاء ليلاقوا حتفهم».
هذا الشاب (محاورنا) الذي أضطر للتخلي عن خططه الدراسية (المستقبلية) تم تكليفه عام 1978 بـ «قسم الإعلام» في البوليساريو، لنشر معلوماته وأفكاره (بعد فترة تدريب لمدة عام في «دائرة التوجيه الثوري» (DOR) في «كوبا» بقيادة «فيدل كاسترو» أحد أكبر مؤيدي الجبهة الإنفصالية )، ثم أصبح بعدها صحفيا، ثم مسؤولا عن البرامج باللغة الإسبانية في «راديو صحارى» (يبث في منطقة المخيمات، وكذلك في الجزائر وإسبانيا)، كما عمل في صحيفة «الصحراء الليبرالية» اليومية. وقد مكنته وظيفته هذه، من نسج شبكة كبيرة من العلاقات في المغرب العربي، وفي أوروبا (إسبانيا خاصة)، وفي العديد من بلدان أمريكا اللاتينية.
بتاريخ 20 شتنبر 1985، كان «هادي أحمد بريك لله» في «روما» في مهمة من «وزارة الإعلام» عندما هاجم «البوليساريو» مركب الصيد الإسباني «إل خوكيتو» (El Junquito) الذي يعمل في المياه بين السواحل الأطلسية للصحراء وجزر الكناري، حيث تم أسر طاقم المركب بكامله كرهائن في هجوم أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة عدد من الصيادين. وبعد تحرير البحارة، قررت إسبانيا طرد «أحمد بخاري» ممثل الجمهورية المزعومة في مدريد، ومنع تواجد أي تمثيل لها على أراضيها، وهو ما أحدث ضجة في صفوف قادتها الذين هرعوا لحل الأزمة الدبلوماسية، واستنجد «محفوظ علي بيبه» بصفته «رئيس العلاقات الخارجية»، من الجزائر العاصمة، بخدمات هادي أحمد بريك لله الذي استبدل «غطاء الصحفي» الخاص به بـ»ضابط خدمة ميدانية»، ليتم تعيينه ك»دبلوماسي»، بناءً على طلب بيبا، حيث سافر بشكل سري إلى إسبانيا لحضور «مؤتمرات الحزب الشيوعي».. فمع الإسبان، كان يطالب بالتقارب مع جبهة البوليساريو وتطبيع العلاقات معها، ومع السلطات الصحراوية، كان يدافع عن ضرورة وقف الهجمات وأعمال العنف. وقد أثمرت إستراتيجيته منذ أن اقترب منه «ميغيل أنخيل موراتينوس» واقتربت منه الأجهزة السرية ثم الخارجية الإسبانية، ليتمكن بعد عدة اجتماعات في «مدريد» و»روما» و»لندن» من أن يضع موطأ قدم للبوليساريو «رسميا»، ومرة أخرى على الأراضي الإسبانية، ليتم تعيينه بعد ذلك ممثلاً عن الجمهورية المزعومة.
بناءً على قوة هذا النجاح الأول، افتتح الرجل (ذو الشارب)، في الثمانينيات، «مكتبا للوفد الصحراوي» في «مدريد»، وكذلك في 200 مدينة إسبانية أخرى (كان يعمل على توأمتها بالمعسكرات) لتطوير الاتصالات مع الصحافة والبلديات والمؤسسات الرسمية. غير أن حياته المهنية كـ»دبلوماسي» بدأت في عام 1996 مع تعيينه «سفيرا» للجمهورية الصحراوية المزعومة في فنزويلا، حيث سيقوم من كاراكاس (وبموارد قليلة) بتطوير شبكة واسعة من العلاقات في أمريكا اللاتينية (بؤرة للمواجهة مع الدبلوماسية المغربية)، إذ أكد أن حصل على 5000 دولار/شهريا لتمويل تحركاته (ما سماه بالمشروع الطموح) على أن الأموال ترسل كل شهر من حساب مفتوح في فرع لـ»البنك الوطني الجزائري» (BNA) في الجزائر العاصمة، لتغطية جميع تكاليف المستشارين و السكن والرواتب والرسوم المتضمنة.
إلى جانب التمويل الجزائري (السخي على ما يبدو)، اعتمد ضيفنا على أصدقائه الجدد من أمريكا اللاتينية من قبيل «هوغو شافيز» (رئيس فنزويلا آنذاك)، وخلفه «نيكولاس مادورو»، ورئيس بوليفيا «إيفو موراليس»، لزيادة حجم المساعدات المخصصة لجبهة البوليساريو، في مهمة سيبرز فيها، كما كان في إسبانيا قبل بضع سنوات، حيث بالإضافة إلى إطلاق إجراءات متعددة مثل منح الإجازات الصيفية (داخل العائلات الإسبانية) للأطفال في المخيمات (ما يصل إلى 7000 طفل في السنة عبر عشرات الطائرات المستأجرة للخطوط الجوية الجزائرية) قام أيضا بتشكيل «لجان دعم» في أركان لتنسيق عمل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لصالح اللاجئين في المخيمات، أي بناء ما كان سيشكل العمود الفقري للجمهورية المزعومة، وهي المساعدات الإنسانية والمالية. غير أنه يعترف أن هذا النظام الذي قام ببنائه انهار مع مرور الوقت، ذاكرا : « إن هذه الشبكة الكبيرة لجبهة البوليساريو، التي كان هدفها الأصلي مساعدة الصحراويين الذين يعيشون في المخيمات، هي أيضا نقطة ضعفها الأقوى.. ذلك لأن للعديدين منهم المصلحة في عدم رؤية حل لهذا الصراع، لأن رواتبهم قائمة عليه.. في حين أنه يتم تبديد هذه المساعدة إلى حد كبير بسبب الفساد المستشري داخل البوليساريو، إذ لا تصل إلا جزئيا إلى أولئك الذين يحتاجون إليها حقا».
كانت مهام الدائرة الوزارية للتعاون في البوليساريو تتمثل، قبل كل شيء، في «البحث عن مصادر التمويل و المساعدات المرسلة إلى حسابات الرئاسة» في البنك الوطني الجزائري لصالح قادة البوليساريو في تندوف، كما هو الحال بالنسبة للمساعدات العينية المهمة التي تصل بواسطة «القوافل» (الكرافانات) مرتين في السنة، وفي بعض الحالات يمكن أن نحصي أكثر من مائة شاحنة ومقطورة ومركبة مليئة بالمساعدات لصالح المنطقة.

مافيا البوليساريو..

هناك أيضا، دعم «نقدي» قوي، حيث تفضل بعض اللجان تقديم مساهماتها نقدًا. وأنا كدبلوماسي، وفي منصب وزاري لاحقا، شهدت حالات جمعيات ولجان دعم قدمت المساعدة في «مظاريف» أعطيت للمديرين من الفروع المحلية للبوليساريو»، ليتم جمعها بعد ذلك، وتوجيهها إلى المخيمات، ومن ثم إلى رئاسة الجمهورية لتقوم بتوزيعها». وهكذا وجد الصحفي السابق (الذي عمل في الدبلوماسية) نفسه يحمل حقائب نيابة عن البوليساريو. «أحرص على نقل النقود (كما فعلت ذات مرة عام 2006، عندما اضطررت بنفسي إلى تقديم مساعدة مباشرة من الدولة إلى تندوف بقيمة ورقة 7 ملايين دولار نقدا، مخصصة لتمويل مدرسة وتغطية احتياجات المياه في المخيمات». وأكد المتحدث أن «المافيا (البوليساريو) لديها رغبة واحدة فقط: «إثراء نفسها على ظهر السكان الصحراويين الذين يعيشون في فقر مذقع في المخيمات».
وتابع «لقد جمعت الكثير من الأموال، الملايين من الدولارات». كنت كوزير (سابقا) مسؤولاً عن «التعاون اللامركزي»، أي «جمع جميع المساعدات الموجهة إلى البوليساريو، والتي لا تمنح من قبل «الحكوموات المركزية»، ولكن من «البلديات» و«المناطق» و»المنظمات غير الحكومية» و«المراكز النقابية» و«المنظمات الإنسانية» في دول مثل «إسبانيا» و«النرويج»، «السويد»، «جنوب إفريقيا»، «إيطاليا». وكان هذا يمثل مبالغ كبيرة.. في إسبانيا (على سبيل المثال) يمكن أن يصل «التعاون اللامركزي» إلى 40 مليون دولار/سنويا، وهذا ما دفعني إلى تقديم استقالتي بعد 6 أشهر (5 ماي 2012)، لأنني لم أستطع قبول رؤية اللاجئين في المخيمات يعانون بينما يستفيد بشكل أساسي كبار المسؤولين التنفيذيين في البوليساريو الذين استخدموا تلك المساعدات ممرا لتمويل مسار حياتهم وأفراد عائلاتهم الذين يرسلونهم للعيش في أوروبا، بالإضافة إلى شراء المنازل، بينما يعاني سكان المخيمات من ظروف معيشية وصحية قاسية جدا.. والأسوأ من ذلك، أنني اضطررت إلى كتابة تقارير كاذبة (وصفها بالمشوهة) في الغالب للمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الأخرى لتبرير استخدام المساعدات.
ويستطرد: «هذه المبالغ كان من الممكن أن توجه لبناء مساكن متينة، وإطلاق مشاريع حضرية هيكلية من أجل السكان، وتطوير الزراعة، غير أن ما يحدث في الواقع أن تلك المبالغ تصب، قبل كل شيء، في مصلحة النواة الحاكمة في السلطة، التي لا تستجيب إلا جزئيا للمطالب الإجتماعية.. كخلاصة، و بعد مرور ما يقرب من 50 عاما على إنشائها، لا يوجد في تلك الجمهورية المزعومة أي مستشفيات، وقد فشلت جميع المشاريع الزراعية، كما تغيب حاليا المياه الصالحة للشرب في المنازل، ليعتمد اللاجئون كليا على أكياس من العدس أو الأرز لسد جوعهم. كما على أطفالهم الذهاب إلى الجزائر العاصمة أو كوبا لمواصلة دراستهم الجامعية… ومرة ​​أخرى، يجب أن يتم (التوسط لك) لتتمكن من الولوج إلى الدراسات العليا، على أن «معظم الأطباء (الصحراويين) هم أبناء وبنات لكبار الشخصيات، وهم الوحيدون الذين حصلوا على منح دراسية». إنك بحاجة، مع البوليساريو، إلى من يتوسط لك في كل وأي شيء (دراسة، جواز سفر…).

العظماء السبعة!

لقد أصبح محاورنا، الذي أمضى معظم حياته بين «إسبانيا» و«أمريكا اللاتينية»، بعد استقالته في عام 2012، على دراية بواقع السلطة القائمة هناك. حيث كانت تتركز عملية صنع القرار الداخلي، في أيدي 7 شخصيات يطلق عليها اسم «Los 7 Magnificos» (العظماء السبعة) معظمهم من قبيلة «الركيبات» وأعضاء ما كان يسمى في عام 1989 «اللجنة التنفيذية» أو «مجلس قيادة الثورة» للبوليساريو، وهم: الرئيس الصحراوي السابق «محمد عبد العزيز»، «بشير مصطفى السيد» (وزير ومستشار، وهو الرقم الثاني حاليا هناك)، «محمد الأمين ولد البوهالي» (رئيس المخابرات السابق، القائد الحالي للجيش الاحتياطي)، «محمد لمين أحمد» (رئيس الوزراء السابق، المسؤول حاليا عن إدارة المالية)، «محفوظ علي بيبه» (رئيس الوزراء السابق/ توفي عام 2010)، «إبراهيم غالي» (الذي خلف عبد العزيز في الرئاسة) و«أيوب لحبيب» (القائد العسكري السابق للجمهورية – الفار إلى المغرب في 2022 / توفي في نونبر 2022).
على الرغم من اختفاء هذه «اللجنة التنفيذية» نظريا في عام 1989، إلا أن الشخصيات نفسها احتفظت بنفوذها من خلال «مكتب الأمانة»، لدرجة أن كل من يعارضها يعرض نفسه للإدراج في «القائمة السوداء»، وللعقوبات التي يمكن أن تصل إلى السجن والتعذيب. «من هنا، اعتقدت (مسبقا) أن العديد من الأشخاص، بمن فيهم أصدقاء الطفولة قد يكونون لقوا حتفهم في المعارك، غير ان الواقع أنهم توفوا في سجون البوليساريو».. كما أن المعسكرات هي أيضا مسرح للاعتداءات الجنسية بشكل منتظم، ومكان جيد لإساءة استخدام السلطة التي تؤدي إلى العنف الجنسي والاغتصاب (لدرجة أن يقولون على سبيل المزاح إن النعمة الحقيقية تكمن في كونك أعزبا وبدون أطفال!).
في دجنبر 2015، قرر محاورنا «التعبير عن تحفظاته في رسالة مفتوحة تمت قراءتها خلال مؤتمر البوليساريو الرابع عشر»، لتكون النتيجة معامتله من لدن قادة الجبهة على أنه مصاب بمرض عقلي، ليتم استبعاده بسرعة. لكنه انزعج مما وقع له، واقتنع بأن «التغيير لن يحدث أبدا»، ولهذا السبب «ألقى المنشفة» (استسلم) بشكل نهائي في نونبر 2017، بعد الدخول في تفكير طويل حول مستقبل الشعب الصحراوي، وهو ما سيقوده أولا إلى إطلاق المبادرة الصحراوية من أجل التغيير مع مجموعة من الجنود والمدنيين، بما في ذلك عضو سابق في أمانة البوليساريو، وقبل أن يقرر (بعد ثلاث سنوات) في أبريل 2020 بناء مسار سياسي جديد يراه السبيل الوحيد الممكن للخروج بالشباب والساكنة الصحراوية إلى مستقبل و أفق مشرق للجميع.
يردف في هذا الصدد: «إن حالة السكان الصحراويين في المخيمات تؤلمني.. يعيش الناس في بؤس، ويتم تحويل وتداول معظم أموال المساعدات بواسطة قلة صغيرة من المسؤولين.. إن اختيار البوليساريو لجر الناس إلى الحرب على أنه الحل الوحيد، أمر سخيف حقا.. يدرك الكثير من الشباب ذلك، خاصة مع قنوات الاتصال الجديدة (مواقع التواصل) بالرغم من معاناتهم من قلة الآفاق هناك، وهو ما يشعرهم بالوحدة، علاوة على عجزهم عن الهجرة إلى أوروبا، ما يضطرهم إلى ممارسة تهريب المخدرات و الوقود على وجه الخصوص، أو ااإنضمام إلى الجماعات الجهادية العاملة في منطقة الساحل… هذا الوضع لا يمكن أن يستمر هكذا. أريد أن أمضي بشعبي إلى الأمام، لإيجاد حل لهذا الصراع المستمر منذ فترة طويلة. لهذا، اخترت الإستقرار في إسبانيا للحفاظ على مصداقية عملي. علاوة على ذلك، ليست لدي أية إتصالات بالسلطات المغربية، لكنني أنوي التفاوض نيابة عن سكان المخيمات مع المملكة على أساس خطة الحكم الذاتي التي تبدو لي حلا وسط هذا الصراع.. إن النصر العسكري مستحيل (ولن يجدي شيئا)، إذ لا يمكننا الاستمرار في الركض وراء السراب، وجبهة البوليساريو لا تستطيع أن تفعل أي شيء بدون دعم الجزائر التي تقدم الخبز والعدس للصحراويين، لشعبنا الذي ليس إلا رهينة بين أيديهم.. لهذا ينبغي وضع حد مستعجل لكل هذا..».

عن ( Jeune Afrique)


الكاتب : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 06/12/2022