صبر الأولين

 

أريد أن أكون معك…
أنت لا غير…
لا غير…
أنت… أنت،
حين تزحف ظلمة الموت
وأنا غير قادر
على إشعال شمعة
ولا فتح نافذة.
حين تنفد فيَّ ينابيع الحياة…
وتتأهب الحياة للرحيل…
وعيناي تتفحصان سجل العمر…
فلا يبقى غير وجع قديم…
أو ذكريات كالظلال تتراقص
على جدران باردة.
أريدك على صدري ونحري
كموج شعري حين يغسل غربتي…
أريدك قرب رمشي وزفراتي
بل كوني رمشي ونفسي…!
كوني آخر هلوساتي…!
كوني الجدار والنافذة والستارة…!
كوني كل هذا الوجود حولي….!
كوني… روح كل قصائدي…
المبعثرة كأيامي…!
ألم تقولي ذاك المساء
حين تفرق الصحب
وشاخ البهاء،
حين تعطل جسر الكلمات
نحو أحلام الكمنجات:
«يوما ما يجمع شعرك ساقٍ
فالسقاة أوفياء
وهم ذاكرة العبث الجميل..»
ألم تقولي ذاك المساء:
تخفف من قلق الطرق،
فالعالم مجرد ظل لمرايا الروح
يوما سيقرأ شعرك ماسح أحذية
على الرصيف…
وتشهد لك الحانات الحالمة،
أنك أدمنت الاستعارات حتى غفوت…»
*******
تعالي… نرقص معا…!
كما كنا في عنفوان الطريق…
فالعشق لا يطلب طراوة الأجساد…
والقلب يتشظى ولا يشيخ…
تعالي… !
دعِي أصابعنا المضطربة تتعانق…
لا يهم إن غدتْ عليلة…
لا يهم إن صار مجرد التلويح
تجربة قاسية…
لا يهم أن نسقط وهنا…
فالأشق أن نخر خذلانا…!»
******
العمر مدبرموحش بلا دفء امرأة
ترمم صدع شرفات الروح…
تغزل للبوح سقفا من حرير الصبر…
لا يهم أن ننام حتى الظهيرة…
لا يهم أن نصحو أكثر من مرة ليلا…
لا يهم ألا يرن الهاتف…
لا يهم من الطارق…
فالباب موارب منذ سنين…
والريح وحدها تبدد عزاء الغرف
وتراهق رقصا على بقايا صور…
أعلم أننا متعبان…
يغلبنا طي الفراش…
يغلبنا إطعام القطط العابرة …
في بهو لم يعد يطيق الطوافات…
أعلم أننا متعبان…
لم يرهقنا الدهر…
بل منافٍ وخيبات
وكثير من الطعن…
فتعالي نرهق معا سياط الليل…!
بما تبقى من صبر الأولين…
فنحن مجرد نسخة باهتة…
من صهيل جليل وصليل..
تعالي نختفِ من القهر…!
في أعين الكمنجات المسهدات
نصُدَّ وجع المنفى القديم بالأغنيات…
فكلٌّ في منفى ولو تجلى…
وكل في لبس مهما روى…
وكل في فوضى مهما سوى…
تعالي… نرقصْ مجازا…!
فالمجاز حقيقة المتأهبين للسفر…
والشعر حقيبة الخيال والشجر
تعالي نؤول بيتا شعريا قديما…
تعالي نفاضل كما في الماضي
بين شاعرين…
بين المتنبي والبحتري…
كم أحببت حكمة البحتري…
كم ضيق عليك أدونيس لذة الفهم…
فترددت بين خيمة نزار…
وعيون بندقية درويش…
ثم لعنت ذاك الزمن…
تسمينه غرفة إنعاش…
لآخر غزلان المجاز.
تعالي….!
مازال الحلم ممكنا…
فالشعر آخر خيام العبور…
حين تتهاوى اللغة ويسكنه لصوص المعنى
تعالي نحول الكناية نكاية في الخديعة !
تعالي … نرقص مجازا…!
قرب بوابة العدم…
*****
أريد أن أعبر نهر الخوف العميق….
خيطَ ضوء يتوق للبهاء..
يبحر حلما كدفء سرير…
في فندق على الطريق…
تسكنه بقايا صور
من روع حروب قديمة
وظلال أرواح تائهة
مازالت تنتظر من انتصر..
وتسأل الصمت عن زمن الهدنة…
تعالي… نتبع أثرالأولين…
ننصب خيمة للعابرين…
نجدد وهج قنديل الأبدية…
كما كنتِ ناري وخيمتي…
في شتاءات الأسفار السرية…
*****
كوني آخر ضوء يعلق بالصور
فيضيئ ظلمة التبدد…!
قال عابر في جوف القصيدة:
« حرقة الفناء أقسى من الفناء…”
لاتبرده غير ابتسامة امرأة
أريدك… أنت لا غير…
فما حولي يشدني للحياة…
وذاك عذاب الفوضى والأشياء…
البكاء لا يليق بالبهاء،
أريدك أنت… لا غير
أنت وحدك… لا غير
حين يزحف ظلام الموت…
فتعطلين خوف الجوارح…
وتهمسين للجوانح…
أن الغياب مجرد عبور….
وأن الفناء أسطورة…
ووراء باب ما…
ذاك الباب سميه ما شئت
حديقة وحياة وصخب…


الكاتب : خالد أخازي

  

بتاريخ : 16/08/2024