صبري جفتجي يتحدث عن كتابه «الإسلام والعدالة والديمقراطية»

مشروعي يتناول تصحيح الرؤى الاستشراقية عن الإسلام

 

بدأ صبري جفتجي (جامعة كانساس الولاية) العمل على كتابه «الإسلام والعدالة والديمقراطية» في 2013، وهي السنة التي شهدت عودة الأنظمة السلطوية والصراعات إلى معظم الشرق الأوسط، بعد عامين من الاحتجاجات وعمليات انتقال للسلطة، وذلك لشرح كيف شكّلت الخطابات الإسلاميّة عن العدالة التفضيلات السياسية للمتدينين من رجال ونساء وأثّرت على تصرفاتهم منذ بداية التاريخ الإسلامي.

 

p ما هي الموضوعات والمسائل والأدبيات التي يتناولها الكتاب؟

هناك العديد من الدراسات التي تشرح غياب الديمقراطية عن العالم الإسلامي مستندة إلى عوامل مؤسساتيّة واقتصاديّة أو تاريخيّة جامعة. وبعض هذه الدراسات تستخدم مقاربة الحضارات لتقديم الإسلام على أنه معاد للديمقراطية؛ وتحاول دراسات أخرى تقديم نظريات محليّة تبحث عن الجذور الإسلامية للتعددية. هذا الكتاب يركّز على [مفهوم] خلافة (وكالة) المسلم لدراسة «المسلمين والديمقراطية» عوضا عن «الإسلام والديمقراطية». ويستخدم الكتاب منظورا مستحدثا إذ يركّز على «العدل» وهو واحد من القيم العليا في الدين الإسلامي، لتفسير الجذور الدينيّة للتفضيلات السياسية للمسلمين. في الكتاب، أستكشف المسارات التاريخية لمفاهيم العدل الإسلامي، وأُظهر كيف أن الخطابات المتعلقة بهذه المفاهيم أنتجت أفعالا سياسية أو غيّبتها من الماضي وحتّى الحاضر. وهذه الفكرة الرئيسية مدعومة من زوايا مختلفة. ويوّفر الفصلان الثالث والرابع معالجة أولى منهجية لنظرية العدل الإسلامية من العصر الكلاسيكي إلى العصر الحديث. ويقدّم الفصل الرابع تفسيرا مبتكرا لإثنين من أكثر الفلاسفة الإسلاميين تأثيرا في القرن العشرين، وهما سيد قطب وعلي شريعتي، عن طريق إعادة تكوين الفلسفة السياسية لكل منهما والمتعلّقة بمفهومي الخلافة والإحسان الإسلاميين. وتوّفر هذه المقاربة إمكانيات نظرية جديدة حول الجذور السياسيّة للتفضيلات السياسيّة. أما الفصل الخامس، فيقدّم تحليلا لخطاب المنشورات الإسلامية لإثبات كيف أعاد الإسلاميين صياغة الخطابات عن [أهمية الحفاظ على] النظام لدعم الوضع القائم في وجه «الخطر الشيوعي» المفترض خلال الحرب الباردة. من جهة أخرى، يتتبّع الفصل السادس المتوارث المتواصل من مفاهيم العدل الإسلامي وتأثيرها على التفضيلات السياسيّة من خلال مقابلات شخصية مطوّلة مع أعضاء الحركات الإسلامية في تركيّا. وبذلك، يوّفر الفصلان الخامس والسادس السردية العملية الأولى عن الروابط بين مفاهيم العدل وبين الديمقراطية في العقلية الإسلامية. أخيرا، في الفصلين السابع والثامن، يقدّم الكتاب أيضا تقييما كميّا عن تأثير قيم العدالة مثل المساواة والآراء المتعلقة بالظلم السياسي على التوجهات الديمقراطية والسلوكيات الاحتجاجيّة.

p كيف يرتبط هذا الكتاب أو يبتعد عن عملك السابق؟

n معظم أعمالي السابقة تتمحور حول التدين الإسلاميّ والتوجهات الديمقراطية مستخدما مقاربة كميّة. فمثلا، في «التحديث، الإسلام، أو رأس المال الاجتماعي»، لم أجد أي تلازم بين التدين وبين دعم الديمقراطية في حين أنه في «الانقسام الإسلامي-العلماني»، وجدت روابط مجدية إحصائيا بين القيم الإسلامية وبين دعم الشريعة والديمقراطية. في كتاب «الإسلام، العدالة الاجتماعية والديموقراطيّة»، بدأت استكشف احتمالات تأثير قيم العدالة الاجتماعية الإسلامية على التوجهات الديمقراطية. هذا الكتاب ينطلق من أعمالي السابقة بأكثر من طريقة. أولا، وعوضا عن الاكتفاء بالتركيز على الورع والديمقراطية، يستكشف الكتاب قيما دينية وامكانياتها في توليد مزاعم تشرّع الديمقراطية والشمولية في آن. ثانيا، أستخدم مقاربة لها أساليب متعددة من خلال الجمع بين التحاليل الإحصائية لنتائج الاستطلاعات، مع مقابلات شخصية مطوّلة وتحليلات أرشيفية ونصيّة لكتابات الإسلاميين. وأخيرا، يذهب الكتاب أبعد من التفضيلات السياسية المعاصرة ويقدّم وقائع تاريخية منذ بدايات الإسلام، فالقرون الوسطى، والتيارات الدستورية في القرن التاسع عشر، وصولا إلى الربيع العربي من أجل تعقّب المسارات التاريخية للعدل، وتطور الخطابات المتعلقة بالنظام وبالحريّة، وبنى الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي.

p من تأمل أن يقرأ هذا الكتاب، وما نوع التأثير الذي ترغب أن يخلّفه؟

n في المقام الأوّل، آمل أن يكون هذا الكتاب محط اهتمام الباحثين والطلاب في دراسات الإسلام، والسياسة، والشرق الأوسط. بالنسبة لهذه الفئة، أود أن يكون هذا الكتاب نموذجا عن العمل العلمي الاجتماعي المتجذّر في المبادئ الإسلامية والتاريخ الغني للعالم الإسلامي. ثانيا، ونظرا للحجم الكبير من المعلومات الخاطئة والمضلّلة عن الإسلام والعقائد السياسيّة المختلفة، آمل أن يصبح الكتاب مصدرا للخبراء وللجمهور الأوسع موفرا معرفة موضوعية ومبنية على الوقائع عن الإسلام وعن السياسة. يجب أن يكون تصحيحيا لحجج [صراع] الحضارات التي تصوّر الإسلام وانعكاساته السياسية بطرق سلبية واستشراقيّة. ويدعو الكتاب الباحثين، والخبراء، وصناع السياسة الذي يركزون في العادة على عناصر بنيوية محددة في تفضيلات المسلمين السياسية، إلى التفكير بمفاهيم الخليفة والعدل والسياسات المسلمة.

p ما هي المشاريع الأخرى التي تعمل على إنجازها الآن؟

n أوّد الإشارة إلى مشروعين أعمل على إنجازهما حاليا هما مرتبطان بالكتاب بطريقة ما. المشروع الأول، وهو اقتراح كتاب، يستكشف الركائز الدينية لبناء الدول في الشرق الأوسط. وبالتحديد، أقدم وجهة نظر مبتكرة عن بناء الدول من خلال استكشاف تفاعل الدراويش غير التقليديين مع الإدارة المركزية في الأناضول في القرون الوسطى وخلال العصر الكلاسيكي من الإمبراطورية العثمانية. وهذه الدراسة مبنية على فكرة أن الخطابات الإسلامية عن النظام والحرية تعارضت في التاريخ الإسلامي لصياغة السياسات المسلمة. هو يهدف إلى إظهار أن القيم الدينية أثّرت على السياسة، متجاوزا مفاهيم مثل الأطر القانونية، والأسس السنية، والعلماء التابعين، والركود السياسي. عوضا عن ذلك، أناقش أن عصيان الدراويش الخارجين عن السيطرة، و جاذبية المعتقدات الدينية التوفيقية أدت دورا في عملية بناء الدول في العالم المسلم.
المشروع الثاني يبحث في التجليات المعاصرة للقيم الدينية في صلتها بالتفضيلات السياسية. هذا المشروع ينظر في كيفية قيام الظواهر الطبيعة، والأمراض، والآفاق الدينية بصياغة شكل التديّن المسلم، الذي يؤثر بدوره على الفردية كعنصر محدد في التوجهات الديمقراطية. ولي مقال حديث يوفر تقييما عمليا شاملا عن وقع انتشار الأوبئة وهيمنة الإسلام على التدين والإطار الجماعي- الفردي، ينشر في العدد المقبل من «مجلة الدراسة العلمية للأديان».

p هل يساعدنا كتابك على فهم السياسات الإسلامية المعاصرة؟

n نعم. يقترح كتابي أن الفتنة الأولى أو الحرب الأهلية الأولى في بدايات التاريخ الإسلامي أدت إلى خطابات متباينة عن النظام (الركود السياسي) وعن الحرية (العدالة السياسية).
اليوم هناك الكثير من الأنظمة التي تستخدم الخطابات الدينية المتعلقة بالنظام لتبرير الحكم الاستبدادي. فمثلا، حين انطلقت احتجاجات الربيع العربي في 2011، لجأت السعودية والإمارات إلى خدمات الباحثين الدينيين وخطابات النظام لمنع الاحتجاج. واستخدام مراجع دينية في وجه مخاطر الاضطرابات والصراعات على أنها تشكل تهديدا لمصلحة رفاه المجتمع الإسلامي ليست استراتيجية جديدة. فقد استخدمت خطابات النظام أيضا لمواجهة ما يسمى «بتهديد الشيوعية» في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين على امتداد العالم الإسلامي. في ذلك الوقت، وصم الإسلاميون الشيوعية بأنها عقيدة خطيرة تهدد نظام المجتمع المسلم وأخلاقه. واستعمل الرئيس التركي أردوغان خطابات مماثلة عن النظام في وجه تحدي كبير واجهه حكمه (احتجاجات غيزي في 2013). وهو وصف هذه الاحتجاجات بأنها مظاهرات شغب ينفذها «لصوص» يهددون نظام المجتمع، ويسيئون إلى الدين، ويخلقون فتنة. ومع ذلك، كانت هناك مجموعة من الإسلاميين المعارضين لأردوغان من بين المحتجين. ويشرح كتابي هذه المواقف المتناقضة من خلال المسارات المتباينة للخطاب الديني والتفضيلات السياسية المرافقة لها.

 


الكاتب : عن «جدلية»

  

بتاريخ : 27/07/2022