صورة المرأة في الحكاية الشعبية

 

في جل الحكايات الشعبية نجد أن المرأة قد تعددت صورها حيث شكلت ركيزة أساسية في التناسل والمحافظة على بقاء الأفراد والمحركة للأحداث. وتأتي صورة الأم في المقدمة حيث احتلت مساحة واسعة، فهي تمتلك قوة الإنجاب وقد جاء في الحكاية على مستويين المحبة والشريرة رغم أن المتعارف عليه أن الصورة الطبيعية للأم الواقعية هي المحبة كما جاء في حكاية (عائشة والقط الأسود)، حيث تظهر ازدواجية المرأة كأم. فمرة تلك المرأة الطيبة الحنون المحبة لأولادها ( بنتها) والوجه الثاني تلك الأم التي لا يهمها سوى تحقيق هواها وأغراضها ولو ضحت بأولادها ( بنتها) التي التهمتها الغولة .. فهنا نموذج للمرأة الأم التي تكون في موضع الحارس الأمين والمربية النشطة الدؤوب لأولادها كما في حكاية ( المرأتين) والمتجسدة في ( النية ) وفي الجانب الأخر ( قلة النية) والتي وقفت موقفا شاذا متعارضا مع طبيعتها سعيا منها في تحقيق ذاتها . كما أن المرأة الأخت تبرز بدورها في صورتين ايجابية وسلبية حيث الصورة الايجابية تتمثل في العلاقة الودية بين الأخت وأخيها ( حكاية هاينة والغول) والصورة السلبية تتمثل في علاقة الأخت بأختها والتي تنطوي على عنصر الغيرة والحقد ( الأخوات الثلاث) .. كما تأخذ المرأة صورة زوجة الأب والتي تظهرها الحكايات في معظمها متسلطة ظالمة ، همها الوحيد هو التخلص من أبناء زوجها ( فتاة في النهر) وذلك من شدة انصياع الزوج / الأب لمطالبها وذوبان شخصيته ووقوعه التام تحت سيطرتها. فهو كائن يدور في فلكها وأداة لتحقيق رغباتها. في حين تكون المرأة الضرة في أغلب الحكايات قائمة على الصراع والاستحواذ على الزوج والكراهية تبلغ أشدها بينهما ونادرا ما تكون العلاقة بينهما علاقة ود واحترام. ويظهر هذا الصراع خاصة من الزوجة الثانية كونها هي المحبوبة من قبل الزوج أو التي تلد الأبناء .. وفي ما يتعلق بدور المرأة / الحماة والكنة والتي تحدد أهم العلاقات وهي علاقة الزواج فالزوج يمثل نقطة الالتقاء بين الأم والكنة ( زوجته) وقد يحتد الصراع بينهما فالأولى تخشى على ابنها من زوجته أن تسرقه منها في حين أن الزوجة تحتاج إليه ليرعاها.
من خلال هذه الصور المتعددة للمرأة تبدو شاخصة وهي تحاكي الواقع المعيش إذ شكلت على الدوام شخصية إشكالية يصعب على أي كان ضبط ملامحها ومكوناتها .. فالمرأة شخصية ساعية إلى تفتح ذاتها الفردية ونضجها المستقل والمتحرر وأيضا يمكن اعتبارها شخصية تتصادم فيها سلوكيات مختلفة وأحيانا متناقضة وأيضا يمكن هجرها أو الهجرة إليها وفي كل الحالات فهي كائن حاضر وغائب في آن. لهذا كانت شخصية المرأة كائنا إشكاليا متعدد الوجوه بتعدد الحكايات والحكائين ( الرواة) حيث التعبير الذي تتشابك خيوطه. فالمرآة البطلة تتقلب بين الوصل والصدود وهي في الحالتين منقادة لا تملك أمرها ولا تستطيع أن تتخير طريقها، حيث تنوع صور التضاد في الملامح المعنوية فقد تجمع صفات الخير والصفاء والكرم والطيبة والتسامح، أو تمتاز بالغدر والخداع والمكر .. ففي هذه الحكايات السابق ذكرها تتجلى صورة المرأة إما أنها إنسانة ضعيفة نتيجة انقيادها إلى عواطفها أو لصمتها وسلبيتها غير طموحة، وأنها عديمة القدرة على حماية نفسها من الأذى والأوضاع الخطرة وحاجتها إلى الرجل الذي تعتبره المنقذ لها. وهنا يتجلى للمتلقي خضوع المرآة للرجل واستمرارية هيمنة المجتمع الذكوري وتسلطه .. وما يمكن استخلاصه هو صعوبة دور المرأة ( إيجابيا / سلبيا ) والذي يبدو بسيطا في الظاهر لكنه شاق ومحير في الواقع .. هذه الحكايات تعبر عن هواجس المرأة الراغبة في الخروج عن صمتها والساعية إلى تكسير زجاج المسكوت عنه في مجتمع ذكوري يكمم فمها، ويقيدها بأغلال المواضعات الصارمة التي تحرمها من التعبير وتحقيق ذاتها بحرية، حيث عواطفها وتأثرها شيء بشري كما قوة الرقة والعذوبة وصقل العاطفة والأحاسيس الإنسانية العميقة. كما أن هذه الحكايات تشكل جسد المرأة الحاضر بقوة بغرض دغدغة المشاعر وإثارة غريزة المتلقي واستفزاز الشهوة الذكورية كما في بعض حكايات «ألف ليلة وليلة» كما تتوخى معالجة قضاياها والتعبير عن مكابداتها وهزائمها أو نشواتها وانتصاراتها. وهكذا نجد في هذه الحكايات معالجة قضية الأنثى المقهورة في مجتمع تطغى عليه العلاقات المادية التي تحول دون تحقيق حلمها المنشود نتيجة التقيد بالمواضعات الاجتماعية التي تصادر حريتها في اختيار ما يناسبها، فتغدو مشيأة سلبية خاضعة تماما للقيم الذكورية التي تحدد موقعها في المجتمع ووظيفتها في الأسرة تحديدا مسبقا لا تستطيع الفكاك من شباكه ولا تستطيع تلافي نتائجه ولو بالأنين ومن هنا يمكن المجازفة بتصنيف نماذج الأنثى من خلال الاعتماد على سلوكاتها ودوافعها الموضوعية التي تتراءى : + النموذج السلبي : ويراد به التواكل والخنوع والخضوع دون بذل مجهود لتجاوز الأمر كانتظار القدر أن يلقي بطوق النجاح لها (حكاية امرأتين) كما حكاية (هاينة والغول)
+ النموذج الإيجابي : وهو يمثل شخصية المرأة التي لا تستسلم أمام الآخرين الذين يريدون قهرها أو أمام العقبات التي تحول دون تحقيق طموحاتها المشروعة التي تتناغم مع القيم الإنسانية والروحية كما في حكاية ( بنت الدراز). + النموذج الشرير: والمتجلي في المرأة التي تتجسد فيها صفات هدامة مناقضة للقيم الأخلاقية المثالية كالحسد والحقد والجشع والسطو والعدوان كحكاية (بنت السلطان). وبالعودة إلى الحكايات، فإن البطولة في أغلبها تسند إلى المرأة وليس الذكر ويمكن تلخيص هذه التيمات والرؤى النسوية في ما يلي : ° إحساس الأنثى بالدونية ومصادرة حريتها . ° مكابدة عناء الإحساس بالعجز عن مواجهة مصيرها وتغييره. ° مشيأة جامدة مهملة وليس كائنا يشريا موجودا . ° تميز المرأة بالصبر في مقارعة ظروفها . ° إيمان المرأة بالسحر والشعوذة والدجل طمعا في تحقيق طموحاتها المستعصية على التحقيق خيرة كانت أو شريرة. ° هيمنة العاطفة عليها ونزوعها نزوعا رومانسيا . ° الرغبة المتأججة في الخروج من المكان المغلق إلى الفضاء الحياتي العام .


الكاتب : منير محقق

  

بتاريخ : 22/11/2021