«صوفيا» من الخاص إلى العام

«صوفيا» هو عنوان الفيلم السينمائي الروائي الطويل الذي تم عرضه ضمن فقرة «عروض احتفالية» بالدورة 22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، وهو من بطولة وإخراج الممثل التونسي ظافر العابدين الشهير باسم «فارس» في مسلسل (عروس بيروت) كما لعب أدوارا أخرى في أفلام ومسلسلات مصرية ولبنانية عدة.
يتناول الفيلم حكاية مدرب يملك قاعة رياضة في الملاكمة، متزوج من امرأة إنجليزية، و رغم أنهما مطلقين يطلب منها أن تجيء لتونس وتحضر معها ابنته منها صوفيا، فترضخ لطلبه مفضلة الإقامة في فندق بعيدا عنه وعن أهله، لكن في إحدى الفسحات اليومية يتم خطف صوفيا من طرف مجهول أو مجهولين يطالبون بفدية مالية باهظة، لكن البحث البوليسي في ملف المدرب يكشف أن السلطات البريطانية سبق لها ترحيله بتهمة محاولة التسلل إلى ترابها بطريقة غير شرعية مما يثير الشبهات حوله فتتهمه الشرطة باختطاف ابنته طمعا في فدية محترمة. ويتم اعتقاله لكنه يفر من الاعتقال ليدخل في دوامة من الاختفاءات والجري والمطاردات والبحث لاسترجاع ابنته و إثبات براءته.
الفيلم ذو نسق بوليسي حركي، توفق المخرج البطل في ضخه بشحنة من المواقف المربكة والمشوقة التي تشد أنفاس المتفرج، حيث تتعقد الأحداث فلا يكاد يحل بعضها حتى تتشابك أخرى وهكذا… اتبع معها ظافر كتابة سينمائية لا ندعى أنها بسيطة أو سلسلة لكنها متقنة، قوامها سرد مشوق وربط محكم للوقائع، لا شك أن تجربته الطويلة في المسلسلات ساعدته في ذلك، حيث ينبني معظم المسلسلات على تقنية التعقيد، ثم الحل فتعقيد أشد وهكذا… عماد ذلك الحوار والحركة على قدم المساواة، حيث كان يكسر المشاهد الداخلية التي يطغى فيها الحوار بلقطات خارجية سريعة في الشارع كما في السويقة المكتظة بالراجلين ومحلات الصناعة التقليدية والبحيرة.
كما استغل الأزقة الضيقة في المدينة القديمة بتونس والسطوح لتصوير المطاردات بينه و بين الشرطة بشكل حرفي غير مغرق في المبالغة ولا مبني على صدف غير متوقعة، ساعدته في ذلك لياقة البدنية كرياضي حقيقي – هو أصلا كان لاعب كرة قدم قبل أن يمتهن التمثيل – وبالتالي فأقل ما يمكن قوله عن الفيلم: إنه منجز بأسلوب احترافي واقعي لم يلجأ معه ظافر لخدع سينمائية ولا إلى بديل (دوبلير) ولا إلى حذلقة فنية ولا تقنية. حتى العنوان جعله بسيطا يحيل على اسم شخصي للفتاة المخطوفة دون أن يرفقه بنعت أو وصف ما. فالرجل ممثل محترف ومتمرس بالوقوف أمام الكاميرا لحوالي 30 سنة، فاستغل كل هذا التراكم والخبرة ليقف أمامها لإنجاز هذا الفيلم كما أخرج قبله فيلمين روائيين طويلين: (غدوة) سنة 2021 و (إلى ابني) 2023.
أشار البعض أن الفيلم مقتبس من السيرة الذاتية لظافر العابدين حيث إنه هو نفسه متزوج من امرأة بريطانية و له معها بنت، فلم ينكر ذلك، ولكن حدث اختطاف الطفلة وما تلا ذلك من بحث ومطالبة بالفدية ومتابعة، هو محض خيال، وهو أمر وارد الحدوث كنتيجة أو كأثر من آثار الزواج المختلط، اشتغل عليه ظافر لتقديم حكاية إنسانية شاملة و إن جرت أطوارها بين تونس و إنجلترا، لكن يمكن أن تقع في جميع أرجاء المعمور. و بالتالي فهو لم يقدم شيئا خارقا، و إنما فقط انطلق من الخاص إلى العام، لتقديم فيلم ذي فرجة سينمائية رائقة عنوانه «صوفيا.».


الكاتب : خالد الخضري

  

بتاريخ : 06/12/2025