صُــوَرٌ من تحولات كائن ليليٍّ

 

1
عندما يأتي المساءُ
ونجومُ الليل تُنْثَرْ،
ألتحِفُ العباءةَ ـ الريشْ،
أدور حول نفسي مثل الدرويشْ،
أنِطُّ على قَدَمٍ واحدةٍ
أوْ أتقافزُ، منشرحاً،
كحيوان الكَنْغَرْ.
أتكوَّرْ
أتنمرْ،
أتصوَّرْ: أن الكونَ كرةٌ
أقذفها برجلي المكسورةْ،
أصيب المرمى.
تهتز الجنباتُ مبهوتةً مبهورةْ،
وأرى الليلَ
امرأةً غاويةْ،
أمدُّ لها يداً مرتعشةً حانيةْ،
تطيرُ فأتبعها،
يدفعني خدرٌ لذيذٌ
وعطشٌ شديدٌ،
حتى إذا أصبحتُ قاب قوسين
أو أدنى من ظلها،
أبصرتُ الهاويةْ.
أبصرت موتاً مُحْدِقاً،
ينتظر في أقصى الزاويةْ.
لكنْ،
ـ وفي مثل الفجاءةْ ـ
صفقتْ، مهتاجَةْ،
فوق كل رابيةْ،
بطوفانِ أجنحتها،
كأنما لتوقظني من غفوتي
وتنقذني من غفلتي،
ديوكُ الباديةْ.
2
أنا مصابٌ بالليلِ،
يسكنني حمار الليلِ.
مُسَرْنماً
أمشي على غير هدىً
مني إلياَّ.
أخبط خبط عَشواءَ
ما دلني أحدٌ
على القعر العميقْ.
حتى إذا أخطأتُ الطريقْ،
صحتُ: واضيعتاهْ..
وشرعتُ في النهيقْ.

3
أنا مصابٌ بليلٍ كموج البحر،
كلما أرخى سدولهُ عليّا
أدخل فيّا،
أمشي مني إليّا،
أقطع طريقا وَعْراً
يمتد من سريري
إلى مقعدي عند الشرفة،
أصبح نطفةْ..
أتحول مسخاً،
او سِنَّوْراً أخضرْ
كالأسطورةْ،
أقلب الصورةْ،
وأنخرط في المواءْ.

4
أنا مصابٌ بالليل.
في الليلِ،
أتحول كلباً أبصبصُ،
وفي وجه القمر،
أرفع ذيلي.
أقول: يا ويلي:
كيف فاتني ما فاتني
في الأزمنة الخوالي،
من لذائذَ وطرائدَ وموائدَ
وغيدٍ وغوانِ.
أشرع في النباحِ
حتى يتمزق حبلي
أسمع لهمس قلبي، ونبض عقلي:
فهذي قوافلُ هداةٍ ضلتْ،
وتلك مدائنُ بغاةٍ صلَّتْ لربها،
وضمت في عُبِّها،
مضاجعَ ومراقدَ أهلي،
وزَمَّتْ، في كواغدِ الخرافةِ البنيَّةِ،
قصصاً ومروياتٍ،
تشيبُ لها النواصي
وبها دمُ الأزمنة يغلي،
متى ما طفقت تحكي وتُمْلي،
فهي تضع السماء أرضاً،
وترفع للأرض طنُباً وتُعْلي.
………….
هبْ.. هبْ. هبْ .. هبْ
هبْ.. هبْ.. هبْ:
أنا الكلب الذي عاش قبلي،
يكونني كل ليلٍ بعد أن ْ تواصينا بالحلولِ:
صوتا بنباحٍ،
وقوائمَ بنعلِ.
يؤنسني كالمحجة،
ويُريني جهلي.
وعند مطلع الفجر يختفي
متبوعا ملسوعاً
بأنغام المعازفِ والزَّمْرِ،
كما يختفي النجمُ القطبيُّ
محمَرَّ الوجنتين خلف التَلِّ،
بطيئاً يمشي الهُوَيْنى على مهْلِ.
أسألكمْ يا أهلي، فلا تردوا سُؤْلي:
هل ثمةَ كلبٌ في الكلاب مثلي؟.


الكاتب : محمد بودويك

  

بتاريخ : 10/03/2023