طقوس الاستمطار والاستجفاف في المجتمع المغربي

 

بحكم خلفيته الإثنوغرافية انتبه إدموند دوتي في كتابه «مراكش» الصادر بحر سنة 1905 إلى طقسي الاستمطار والاستجفاف في جنوب المغرب. وقد جرت هذه الطقوس بغرض استجلاب المطر، أو طلب تغيير الأحوال المناخية شأن كثير من المجتمعات البدائية التي كثيرا ما وسم الإثنوغرافيين فيها هذا الطقس بالتعارض بين الفصل الساخن والفصل البارد، أو الصراع بين فصلي الشتاء والحر. وربما هذا ما تومئ إليه أصوات الصياح التي ترافق طقوس الاستمطار.
في مراكش كان الناس يقبلون أيام عاشوراء على طقس رش الماء لحظة استطالة الجفاف، ومثل ذلك وجد في مازغان والشياظمة أيام عيد المولد النبوي التي كان فيها الناس يتراشون بالماء إلى أن تبتل ثيابهم…وعند أهل فاس وقف أوجين أوبان عند طقس جمع سبعين ألف حصى في سبعين ألف كيس ثم يغلقونها ويتلون عليها من آيات القران في أحد الأضرحة، ويلقون بها في وادي سبو .
لا يعدو الأمر أن يكون سوى طقوس سحرية توظف لاستدرار الماء، مثلما وجدت أيضا في المجتمعات الأوربية من خلال تغطيس تماثيل القديسين في الماء ، أو حتى عند الشانات من خلال غطس تمثال بوذا، وعند الرومان بغطس دمية في واد تابير. هكذا، يظهر أن طقس الماء ينتمي إلى سجل الطقوس البدائية التي اتخذت صيغا مختلفة في كل الحضارات الزراعية ذات المنحى المائي.
والواقع، يرتكز هذا الطقس في الجنوب المغربي على عملية التراش بالماء، وتسمى هذه العملية ب»حليلو». تفصيل هذا الطقس على النحو التالي: «…إذا استطال الجفاف واشتدت وطأته احتشدت النساء والأطفال وأخذوا مغرفة (تاغنجة) وشدوا إليها قصبة طويلة والى القصبة قصبة أخرى صغيرة على هيأة صليب، ويفرغون فيها من أجمل الألبسة النسائية التي يجدونها في الدوار، ويكون فيها قفطان الحرير وسبنية الحرير…ثم يطوفون بها في الحقول، وتسير ترافقها النساء والأطفال وهم يرمونها بالماء ويرشون بعضهم بعضا، ويرددون :
تاغنجة حلات راسها
يا ربي بلّْ خراسها
تاغنجة يا مرجة
يا ربي اعطينا الشتا
أي دلالة تحمل الدمية في طقس تاغنجا؟
توصل جيمس فيزر إلى أن الدمية التي يفرغ عليها اللباس تدخل ضمن سجل الطقوس السحرية التي يُتوسل به لزيادة قوة الروح الكامنة في الحب . وهو ما عثر عليه دوتي في قبائل بني خنوس والشلف في الجزائر. نفس الأمر عند قبائل جبالة في الريف الذين يطوفون في أواسط فبراير في الحقول وهم يحملون دمية قد ألبسوها من الثياب الفاخرة ويسمونها ماطا . وقد أضاف كودار Godard أن الدمية تُحرق بعد الانتهاء من الطواف، بيد أنها تبدو إفادة مشكوكا في صحتها، وتتطلب إلى ما يسندها من وقائع وقرائن. وعند الرحامنة هناك طقس يسمى بطقس الحبل، «…تقف النساء على جانب من الحقل والرجال على جانب آخر، ويأخذون يجذبون في ما بينهم حبلا إلى أن ينقطع، وحينذاك يجعل المتفرجون يرشون الفريقين بالماء إلى أن يبتلا، ثم يجتمعون على كسكس… «.
مع شارل دوفوكو، كان بعض الرحل في جنوب المغرب إذا خرجوا في غزواتهم حملوا معهم أولياءهم ليتبركوا بهم، فإذا لم يوفقوا إلى ما يريدون أنحوا عليهم بأحط السباب وشنيع الشتائم . وفي مراكش كان الناس إذا اشتد بهم الجفاف توجهوا إلى سيدي بلعباس وجعلوا غطاء على أحد الشمعدانات التي تضيء الولي دلالة على الحط من قدره . وعند أهل الرحامنة لحظة استطالة الجفاف يخرج الناس للبحث عن الأولياء من أجل الدعاء لهم بجلب الماء. هذه الحالات وغيرها، هي التي تجعل الطلب يكثر على الأولياء في لحظات الجفاف.
تبعا لذلك، يتوشح طقس الاستحمام في مناطق الجنوب المغربي بدلالتين رمزيتين: أولاها بتعذيب الشخص الموقر بسبب إخلاله بوظيفته، وثانيها بالتوسل لجلب واستدرار الماء. هاتان الدلالتان ترافقهما طقوس فلاحية مصاحبة في جل المناسبات الفلاحية.
في عموم الحواضر الكبرى كان الناس يلجأون في لحظات الجدب والاستجفاف إلى إحياء صلاة الاستسقاء، وهي صلاة تقام على صورة واحدة في عموم البلاد بطلب من السلطان. يلجأ الناس إلى قلب ثيابهم بناء على حديثين أوردهما البخاري في صحيحه . وفي العادة تقام بالقرب من الأضرحة والأولياء، ترفقها وليمة جماعية تسمى «الموسم». ويجري في أعقابها ذبح وليمة سوداء اللون لطلب الأمطار، وفي منطقة الحوز يجري في هذا الطقس رش الأطفال بالماء، وفي الشياظمة تتم كتابة بعض الآيات القرآنية وتعلق على لوح في المسجد وتترك هناك طالما احتجب المطر.
على مستوى الذهنيات، انشطرت ذهنية العامة إلى مستويين في التفكير، ذهب البعض إلى ربط انحباس المطر بحضور المسيحيين في بلاد العالم الاسلامي، وذهب البعض إلى طلب المسيحين الدعاء للمسلمين من أجل هطول المطر.
وبقدر ما همَّ تفكير الأوروبيين في طقوس الاستمطار مثلما نجد عند دوتي وألفرد بيل، مثلما همّ التفكير أيضا في طقوس الاستجفاف بغرض منع الأمطار. كان الرحالة والبغالة والمرافقون للمواكب والقوافل يأخذون إبريقا من الفخار كان قد حوى من قبل زيتا ويجعلونه تحت سقف قد اخترقه المطر ولا يزال يرشح منه الماء أو يضعونه تحت خيمة، في موضع ينفذ منه الماء ويتساقط قطرات على الأرض، فإذا امتلأ الإبريق قاموا بدفنه في التراب فتنقطع الأمطار .
وبما أن أهل مراكش أهل تشجير النخيل، فقد كانوا شديدي التوجس من الأمطار الفائضة، وإذا أرادوا وقاية أنفسهم من الطقس السيء، أخذوا غرابا وفقأوا عينه ثم شدوه إلى نخلة. وفي سبيل ذلك، لجأ المراكشيون إلى صناعة محراث خشبي صغير يشدون إليه قطا ويجعلون يحرثون به الحقل، فيكون وقفا للأمطار. لا غرو أن تحدث المماثلة في هذا الطقس مع عديد من المجتمعات البشرية التي كانت توظف المحراث والقط لتوقيف سقوط الأمطار.


الكاتب : عبد الحكيم الزاوي

  

بتاريخ : 31/12/2021