صديقتي المتميزة، لطيفة حليم، أراك تفتحين نافذتك بمونريال لتطلي على نافذتي بباريس، ويداك تمتدان لتحضنا ورقتي عن روايتيك اللتين تكسران الحواجز وتختصران المسافات.
قرأت لك روايتيك “الدنيا جات و نهاران”، وإليك إطلالتي بخصوصهما.
روايتا “الدنيا جات” و “نهاران”، للأديبة المتألقة المغربية – الكندية، لهما نكهة خاصة، تجمعان بين جمال السرد والالتزام والسؤال النسائي.
روايتان يملؤهما الجمال الأنثوي والأناقة في كل ثناياهما. جمال تقليدي يحمل وجهي للافضول وللازهور، وجمال عصري يحمله وجه منى.
هما روايتان في واحدة، رواية كل النساء التواقات للتحرر، التحرر من القيود التي وضعها التاريخ والمجتمع، دون كسر الجسور بين الماضي والحاضر، بل الحفاظ على ما هو جميل فيهما.
سرد لطيفة حليم يكسر فقط قيود التقليد التي ترى في المرأة خادمة للرجل، قيود العادات والتقاليد التي تجعل من المرأة أداة للمتعة الذكورية، القيود التي تفرض على المرأة أن تتواطأ ضد ذاتها. كما تكشف عنه العلاقة بين السيد العباس وزوجته للافضول التي تعلم بعلاقة الخيانة التي تجمع بين السيد والدادة للا ياقوت، وتصمت، ورضوخ للا ياقوت لهذه العلاقة لأن الدادة هي في لاوعي السيد أمة، والأمة من مهامها إرضاء نزوات السيد!
تقاليد توزع الأدوار بين الجنسين، حيث الفضاء الداخلي، بما يعنيه من إنجاب وتربية وطبخ واعتناء بالزوج من دلالة ترمز للانغلاق والتقوقع.
الروايتان تجمعان بين التاريخ والسياسة عبر الأمكنة من المغرب، إلى كندا إلى العراق…
سرد يكسر الحدود بين الفضاءات العربية والغربية، ليجعل منها فضاء واحدا يمتد عبر الحضارة والتمازج. تمتح من الماضي لتحلل الحاضر ولو في ومضات، تنطلق من الذات النسائية لتنفتح على كل العوالم لتقول لنا أن الحدود بين الأمكنة، وهمية.
حكي لطيفة حليم يجمع بين المتناقضات التي تولد العالم، الحركة والسكون، بين التقليد والحداثة وغيرها من المتناقضات التي تجعل رواياتها لوحة فنية سريالية، تتطلب الكثير من الجهد لفك رموزها.
“الدنيا جات” و”نهاران”، تعكسان شغف الكاتبة بالكتابة عبر منى. رغبة بلغت من الجموح حدا أتعبنا كما أتعبها. هي طفلة رافضة، تريد تكسير كل ما يعيق هذه الرغبة. تخرق كل ما يعيدها إلى أدوارها التقليدية (احتراق الطنجرة). هي لا تأسف على هذا الاحتراق بل تريده ولو بشكل غير واع، حتى لا يطلب منها أن تكرر تاريخ للافضول…
روايتا لطيفة حليم، قصة أجيال نسائية تتواتر، جيل السكون و الامتثال (للافضول وللا ياقوت) و جيل الحركة و الحرية، جيل منى التي تتجول في شوارع مونريال…
الحضور النسائي في روايتي لطيفة حليم، حضور قوي يتنامى مع الأجيال، و الحضور الذكوري بمعاييره التقليدية بدأ يخفت كلما تقدم التاريخ نحو تحرر النساء.
مع السيد العباس، نشعر بالقوة والجبروت الذي أصبح يتلاشى ويصبح مجرد ذكرى في مخيلة منى وانفتاحها على العالم، وهنا نلمس دور السفر في بناء الشخصية النسائية الجديدة.
“• الدنيا جات”،منشورات زاوية، الرباط، 2007، و “نهاران”، منشورات فكر،الرباط، 2012