تُعد ظاهرة «السماوي» في المغرب من بين أساليب النصب والاحتيال التي انتشرت في السنوات الأخيرة، خاصة في الأحياء الشعبية. وتعود هذه التسمية «السماوي» من جهة إلى الشخص الذي يزعم امتلاكه لقدرات خارقة، كالعلاج بالقرآن أو «الرقية الشرعية»، أو معرفة الغيب، أو «حلّ المشاكل» الزوجية والمالية والسحر… أو إلى الممارسة في حد ذاتها، علما بان صاحبها هو في الحقيقة يستغل سذاجة الناس أو معاناتهم لابتزازهم ماديا ونفسيا.
يقوم العديد ممن يصنفون ضمن خانة «السماوي» بإيهام ضحاياهم بامتلاك قدرات خارقة، فالمعني بالأمر هو إما «ولي صالح» أو «معالج روحاني»، يعتمد في كثير من الأحيان على مظهر متدين أو غامض ليكسب ثقة الضحايا، ونجده يستغل الخوف أو المعاناة النفسية لضحايا غالبا ما يكونون في وضع نفسي هش يعانون من مشاكل زوجية، مرض، تعطّل الزواج أو العمل…، فيتوجهون إلى فئة من «الدجالين» بشكل طوعي، أو يعترض سبيلهم في لحظة من اللحظات «سماويون» ينصبون في الأرض.
نصب متعدد الأبعاد
«سماويون» بارعون في التشخيص الكاذب وخلق الوهم، يقول أحدهم للضحية بأنها «مصابة بالسحر» أو «محسودة» أو «مربوطة»، ثم يطلب منها جلب أشياء معينة (بيض، ملح، ملابس…)، أو حتى المال لشراء «ذبيحة» أو «علاج»، وفي حالات أخرى حلي ومجوهرات بدعوى «تطهيرها» من خلال طرد «النحس» و «السحر» منها. ويعتمد المعنيون على ابتزاز مالي ممنهج، بحيث يتم طلب مبالغ مالية تحت غطاء «فكّ السحر» أو «الرقية»، وغالبا ما تتزايد المبالغ تدريجيا، وقد يصل الأمر إلى ما هو أخطر كاستغلال جنسي في بعض الحالات، حيث قد يطلب «السماوي» من الضحية القيام بطقوس مشبوهة أو خلوات «لعلاجها»، وقد تتحول إلى استغلال جنسي تحت التهديد الروحي أو النفسي.
ظاهرة مستمرة
رغم تداول حكايات النصب التي تعرض لها ضحايا من طرف أصحاب «السماوي»، فإن الظاهرة تظل حاضرة، بسبب عوامل متعددة، منها ما يتعلق بضعف الوعي الديني والعلمي، فكثير من الضحايا يجهلون الفهم الصحيح للدين، ويخلطون بين الرقية الشرعية وبين الشعوذة، إلى جانب الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية، فالأشخاص في وضعية هشة يكونون أكثر عرضة لتصديق مثل هذه الخرافات. كما نجد التقصير مؤسساتي في التوعية والمتابعة القانونية، رغم وجود قوانين تجرّم الشعوذة، إلا أن المتابعة القضائية تبقى ضعيفة، كما أن الحملات التوعوية هي قليلة.
شهادات الألم
في شهادة مؤلمة ومليئة بالحزن، روت رشيدة، إحدى ضحايا «السماوي»، تجربتها لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، محاولة تحذير الآخرين من الوقوع في نفس الفخ. تقول رشيدة إنها في صباح يوم اعتيادي، وبينما كانت في طريقها إلى عملها، أوقفها رجل وامرأة ليسألاها عن عنوان، مضيفة بانها لم تكن تعلم أن هذه اللحظة ستغيّر حياتها، إذ أخبرها الرجل فجأة أنها تعاني من مشاكل وعراقيل في الزواج، وأن هذا هو سبب تأخر نصيبها، وهي حقيقة لامست جرحا دفينا في قلبها، فأجابته بنعم، لتبدأ بعدها رحلة فقدان الوعي والسيطرة.
توضح رشيدة قائلة بأن المعني بالأمر طلب منها أن تعطيه يدها لقراءة طالعها، ومن تلك اللحظة لم تعد تشعر بشيء. تتذكر فقط أنه قال لها «لا تلتفتي إلى الوراء، وبعد مدة افتحي عينيك»، وعندما استعادت وعيها، اكتشفت الفاجعة فقد كانت قد ذهبت إلى البنك قبل ذلك، وسحبت مبلغا مهما من المال، سلمته لهما دون مقاومة، وكأنها كانت تحت تأثير قوى خارجة عن إرادتها. كانت صدمة الضحية كبيرة، فسقطت منهارة وسط الشارع، بعد أن انتابتها نوبة هستيرية من الهلع والبكاء.
تقول رشيدة بأن سنوات مرت على الحادثة، لكنها لا تزال تتلقى العلاج النفسي، فقد فقدت الثقة في الجميع، وأصبح يراودها رهاب شديد من الناس والأماكن العامة. في رسالتها الأخيرة، تحذر رشيدة الجميع من التحدث مع الغرباء أو الوثوق بأي شخص، فالثمن قد يكون أغلى بكثير مما نتخيل.
ثمن أدته كذلك ميلودة، التي لم تكن تتوقع أن طيبة قلبها وكرمها المغربي الأصيل سيكونان سببا في واحدة من أكبر الصدمات التي ستغير مجرى حياتها. تروي ميلودة للجريدة قائلة أنها كانت في منزلها عندما سمعت جرس الباب، ففتحت لتجد رجلا يطلب «ضيف الله» ويقول بأنه جائع. لم تتردد لحظة في تلبية طلبه، وجهزت له بعض الطعام وقدّمته له عند الباب بكل كرم، وبينما كان يشكرها، باغتها بكلمات غريبة حين أخبرها أن لديها حليّاً ذهبية داخل منزلها تحتاج إلى «المباركة»، وزاد قائلا إنه يملك قدرة خارقة على مضاعفة الذهب. وفي لحظة سذاجة وثقت به، وأدخلته ثم أحضرت له مجوهراتها. شرع الرجل في ترديد تعويذات غريبة، ثم وضع الذهب في علبة كرتونية، وقال لها إن الذهب قد بُورك فيه، وأن عليها ألا تفتح العلبة إلا بعد مرور أربع وعشرين ساعة، وأن تحتفظ بها في مكان مظلم بين الملابس.
مرّت الساعات ثقيلة، على مسلودة، وعندما حان وقت فتح العلبة، كانت الفاجعة إذ لم تجد سوى علبة صغيرة مملوءة بالملح، أما ذهبها فقد اختفى تماما. لحظة كانت قاسية على الضحية التي فقدت بصيرتها وأوصلتها ثقتها وربما طمعها لما تعرضت له.
«السماوي» والتنويم المغناطيسي
من الناحية العلمية، تُظهر هذه الظاهرة تشابها مع التنويم المغناطيسي، وهو حالة ذهنية شبيهة بالغيبوبة يكون فيها الشخص شديد التركيز وقابلا للإيحاء، وقد يُنفّذ بعض التعليمات أو التصرفات دون وعي كامل أو إدراك لاحق لتفاصيل ما حدث. ويستخدم التنويم المغناطيسي في العلاج النفسي والسلوكي، لكن في حالات نادرة قد يُساء استخدامه في الإيحاءات السلبية أو التلاعب.
ما بين الظاهرتين يحضر غياب الإرادة المؤقت فيظهر الشخص وكأنه فقد السيطرة على أفعاله مؤقتا، ثم هناك معطى آخر يتعلق بقابلية الإيحاء، حيث يتم استغلال القابلية النفسية أو الذهنية للشخص للاستجابة لأوامر خارجية دون مقاومة، إلى جانب فقدان الذاكرة المؤقت في بعض الحالات، إذ لا يتذكر الضحية ما فعله أثناء تلك الحالة، سواء في التنويم أو تحت تأثير «السماوي».
وفي الحالتين معا، يكون هناك وجود طرف مؤثِّر في الظاهرتين، يقوم بدور الفاعل الذي يمتلك «قدرة» على التأثير على الضحية، سواء روحانية أو نفسية. ورغم أن ظاهرة «السماوي» ترتبط في المعتقدات الشعبية بالخوارق والعوالم غير المرئية، فإن التشابه بينها وبين التنويم المغناطيسي يشير إلى أن ما يُعتقد أنه سحر أو روحانية قد يكون في الحقيقة نوعا من التلاعب النفسي والاستغلال لحالة من الضعف أو القابلية للإيحاء، لهذا من الضروري تعزيز الوعي النفسي والعلمي لدى الناس لفهم مثل هذه الظواهر بعيدا عن الأساطير، وحمايتهم من الوقوع ضحية للخداع أو النصب باسم القوى الخارقة.