سنرى اكتشافات أثرية على هذه الأرض التاريخية
صورة البحث الأركيولوجي في المغرب تكاد لا تُرى إلا في ما ندر، ويبقى ذلك مقصورا على المجلات والكتابات العلمية المتخصصة التي لاتخرج عن دائرة المجتمع العلمي ..تحصل أعمال معتبرة يتوصل فيها البحاثة وعلماء الآثار إلى اكتشافات ولقى أثرية يسلط عليها الضوء بشكل خافت خجول وينتهي الأمر ..في حين أن الأبحاث ونتائجها تهم تاريخ المغرب الذي يجب أن يكون متاحا ومعلوما ومستهلكا لدى المجتمع الإعلامي والسياسي ..
أن تعالج ملفا أو قضية في منطقة أو مدينة مغربية وتكون عارفا بما حصل ومر فيها عبر الغابر من الزمن ..مسألة مهمة ومفيدة ..الجهل عدو الإنسانية..
في هذا الحوار مع البروفيسور وعالم الآثار المغربي عبد الجليل بوزوكار، نناقش وضعية الأركيولوجيا ومسارات الاشتغال الوطني عليها ..ما الذي تغير وإلى أين وصلنا اليوم..لعلها أفكار قمينة بالتشريح الفاهم والغوص في جزئياتها الرصينة..
p سؤال مفتاح..علم الآثار في المغرب لم يكن من أولويات السياسات الحكومية المتعاقبة في ما مضى، اليوم ما الذي تغير؟ هل هنالك استراتيجيات وميزانية كافية مرصودة للبحث العلمي في الآثار والتراث؟
n يحتفل المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث هذه السنة بالذكرى 40 لإحداثه ،أي أن القرار الحكومي اتخذ سنة 1985 بشكل متزامن مع إعادة هيكلة مصلحة الآثار، خلق معهد خاص بالآثار والتراث هو أمر فريد من نوعه بمنطقة شمال أفريقيا، يعد الوحيد المختص في التكوين والبحث معا.
لم تكن الإمكانيات المادية في حجم الإرادة السياسية التي ساهمت في إنشاء المعهد سنة 1985 ولم تكن تناسب غنى وتنوع التراث الأركيولوجي. وبفضل مديرة سابقة للمعهد، وفريق شاب آنذاك، تم تشجيع الانفتاح على التعاون الدولي في البحث و التكوين، ما خلق توازنا، ونجاحا في الأوراش. وحسب اعتقادي هناك ثلاثة أوراش سجلت نجاحا مازلنا نجني ثماره إلى اليوم… أولها مغربة الأطر حيث انطلق المعهد بمجموعة من الباحثات والباحثين كان لهم الدور الكبير في البحث وخاصة في التكوين، ثانيها فتح باب التكوين أمام الحاصلين على شهادة البكالوريا من الشباب المغربي والإفريقي، وهذا أمر مهم الإشارة إليه ، وثالثها هو عقد اتفاقيات للتعاون الدولي شملت أساسا تكوين المتفوقين من الخريجين بأسلاك الدكتوراه بالخارج وخاصة فرنسا ومستوى أقل اسبانيا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ولاحقا ألمانيا والصين..
انطلاقا من 2022 ستتغير الأمور بشكل كبير، إذ يحصل المعهد الوطني إلى حدود اليوم على دعم رسمي كبير ..هذا انعكس إيجابا على المورد البشري من أساتذة باحثين وتقنيين وإداريين وهيكلة كبيرة لبناية المعهد بإضافة مرافق عديدة وخاصة مختبرات فريدة من نوعها بإفريقيا. قبل هذا التاريخ كانت هناك أقسام مثل قسم آثار ما قبل الإسلام والذي كان على وشك الإغلاق نظرا لتقاعد الرعيل الأول من الباحثين، تم تطعيمه بعدد من الباحثات والباحثين الشباب مما أعاد إليه توازنه ليلعب دوره في التكوين والبحث بمواقع مهمة بالمغرب مثل «وليلي»، «ليكسوس» ومؤخرا الورش الكبير في «شالة».
p هل تشعرون كباحثين أن الوضع يسمح بتقدم البحث والتنقيب في جغرافيا تاريخية عميقة على أرض مغربية وشمال إفريقية مرت عليها حضارات متنوعة ..وتشي بالمزيد من الاكتشافات؟
n البحث والتنقيب يمكن أن يتطور إن هو ارتكز على رؤية بأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد مدعومة بالموارد البشرية والتكنولوجيا الحديثة. إن توفرت هذه العناصر الثلاثة، أعتقد أنه بالإمكان توسيع رقعة البحث والإبداع في التكوين لربطه بالفضاء الأكاديمي والاستجابة لمتطلبات سوق الشغل.
بكل موضوعية هي عناصر موجودة وبدأنا نرى اتساع الأبحاث وارتفاع عددها والجيل الجديد من الباحثات والباحثين ذوو تكوين ممتاز ويتقنون استعمال التكنولوجيا الحديثة، وهي عوامل أدت إلى إغناء الخريطة الأركيولوجية الوطنية والقيام باكتشافات مهمة بعضها تم نشر نتائجه والبعض الآخر في الطريق …
p أنت كعالم آثار ..اشتغلت في الداخل والخارج ..بعيدا عن المسؤولية الرسمية التي تتقلد ..ما الذي ينقصنا في هذا المجال العلمي، وما الذي ينتظرنا لفعله؟
n إنشاء المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث هو في حد ذاته إنجاز كبير وجاء ليسد نقصا لم يكن من الممكن لأقسام التاريخ بالجامعة المغربية أن تقوم به، بل جاء لإرساء أسس التعاون بين علم التاريخ وعلم الآثار. أعلم بعض الحكايات حول البدايات الأولى للمعهد، وكيف كان الأمر أقرب إلى المغامرة منه إلى إنشاء مؤسسة جامعية تعنى بالبحث والتكوين وما رافق ذلك من صعوبات كبيرة تم التغلب عليها بفضل إرادة الرعيل المؤسس للمعهد، ودعم قطاع الثقافة ومساعدة الجامعة المغربية بأساتذة أكفاء للمساهمة في التكوين وبفضل التعاون الدولي.
ينتظرنا الكثير وينبغي الاستفادة من تراكم 40 سنة من الخبرة لتجديد الدرس الأركيولوجي والأنثروبولوجي وتطوير معارف ومهارات خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث والمساهمة في كتابة تاريخ المغرب. الأركيولوجيا المغربية تعيش فترة انتقالية حيث شرع الرعيل الأول في تسليم المشعل للجيل الجديد من الباحثات والباحثين مع اقتراح مواضيع جديدة ومتجددة للأبحاث والتطوير المستمر للتكوين. ما ينتظرنا هو تثبيت أقدام المدرسة المغربية لعلوم الآثار والتراث ولا أتحدث عن الإرساء، ذلك أن اللبنات الأولى لها بدأت في الظهور.
p مواقع متعددة وجدت فيها آثار و «لقى تاريخية «..يؤخذ ما تم العثور عليه ويغلق الملف ..وبعض من المواقع الأثرية تركت للإهمال وعبث الطبيعة ..ما تعليقك أستاذ على هذا الكلام ؟
n تقام عمليات للتنقيب بمواقع أركيولوجية وبعد نشر النتائج أو حتى قبلها، قد يحدث أن يسقط بعضها في النسيان. هناك حقيقة يعرفها علماء الآثار والطلبة الباحثون بسلك الدكتوراه ، وهي أن كل يوم في التنقيب توازيه خمسة أيام من العمل بالمختبر، ولكم أن تتخيلوا باحثة أو باحثا يشرف على برنامجين للأبحاث يقضي في التنقيب مدة الشهرين ..سيلزمه 300 يوم لدراسة اللقى. إذا أضفنا إلى ذلك عملية التدريس والإشراف على الأبحاث الأكاديمية، سيصبح الباحثون تحت ضغط كبير، وهو ما حدث في السابق ويفسر جزئيا وضعية بعض المواقع.
بفضل الأطر الشابة وتفاني الرعيل الأول لباحثي المعهد، تغير الوضع وأصبحت برامج التنقيب مفتوحة أكثر في وجه طلبة «الدكتوراه» و»الماستر»، وأحيانا السلك الأساسي. وللعلم فإن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث يقوم بالبحث والتكوين وهناك أيضا مصالح أخرى بالقطاع الوصي موكول إليها المحافظة على المواقع الأركيولوجية وتشتغل على هذا الأمر بتعاون مع المعهد .
p هل الأركيولوجية المغربية اليوم تحتاج لبرامج تكوينية وتخريج باحثين جدد، بالنظر لحجم المواقع والتنقيبات المنتظرة ..مغارة تافوغالت ، موقع سيجلماسة ، موقع «بيزمون» الصويرة..بتركيز أستاذ هل ينقصنا الدعم والتمويل في مثل هذه الأبحاث التي ما تزال في بداياتها ؟
n هناك بالفعل الكثير من أوراش التنقيب بالعديد من المواقع الأثرية، ما يتطلب مواصلة تكوين أطر متوسطة وعالية في علوم الآثار والتراث.. أصبحنا نرى أوراشا للتنقيب، هي الأكبر من نوعها بعد الاستقلال مثل الحفريات الجديدة خارج «السور المريني» بموقع «شالة -عين اجنا « أو موقع «سجلماسة» ، الذي تقام به حفريات هي الأكبر التي يعرفها هذا الموقع منذ فترة الثمانينات من القرن الماضي. وبالموقعين معا يتكون الفريق من طاقم مغربي فقط ويستعمل العديد من التقنيات الحديثة وطرق في التنقيب تستجيب للمعايير الدولية في هذا المجال .
وإلى جانب الأبحاث هناك تدبير التراث الثقافي بما فيه الشق الأركيولوجي.. أعتقد أن هناك ستة مستجدات تجعل من المعهد أداة فعالة لمواكبة أوراش كبرى بتوفير أطر عالية ومكونة تكوينا جيدا…
أولا: تم رفع وتيرة توظيف خريجي المعهد في الثلاث سنوات الأخيرة، وإلحاقهم بالمعهد أو مديرية التراث الثقافي أو المديريات الجهوية للثقافة، ذلك أن التزامات المغرب تجاه التراث الثقافي وطنيا وعلى صعيد المنظمات القارية مثل الإيسيسكو أو اليونيسكو، تجعل من الضروري التوفر على أطر متخصصة.
ثانيا: القانون الإطار للجهوية أعطى للجهات اختصاصات لتدبير التراث الثقافي مما يتطلب أطرا متمكنة وعالية التكوين.
ثالثا: التطور الكبير الذي يشهده قطاع المتاحف الذي تسهر عليه المؤسسة الوطنية للمتاحف، وما تقوم به من تجديد لمتاحف قديمة وإنشاء أخرى جديدة والأمر يعني توفير أطر عالية التكوين في علم المتاحف ومهن التراث. وللإشارة فإن المؤسسة الوطنية للمتاحف أصبحت المشغل الرئيسي لخريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث للسنة الثالثة على التوالي.
رابعا: التطور الذي تعرفه متاحف القطاع الخاص بعد إرساء منظومة «علامة المتحف Label musée» وإخضاعها لدفتر تحملات يتضمن التوفر في أجهزتها التدبيرية على أطر متخصصة .
خامسا:انفتاح أكبر ومتزايد للجامعة المغربية على علوم الآثار والتراث مع ما يتطلبه الأمر من حاصلين على شهادة الدكتوراه بتجربة في الميدان والمختبر..
سادسا: متاحف تابعة لمؤسسات عمومية أو شبه عمومية تستقطب عددا من خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث مثل متحف بنك المغرب..
p علاقة بنفس الموضوع، ذكرتم أن الحلي التي وجدتم في موقع الصويرة تعد أقدم حلي في العالم.على ماذا استندتم ؟
n لا أخفيكم أن اكتشاف «مغارة بيزمون» بالصويرة أحدث لدي شخصيا ولدى الفريق العلمي سعادة كبيرة وحذرا أكبر. كنا نعرف بشكل نسبي أن الطبقات الأركيولوجية التي تم بها الاكتشاف هي قديمة، وقد يتجاوز عمرها آلاف السنين وعلى الأقل ستكون أقدم مما عثر عليه سابقا ب «مغارة الحمام « بتافوغالت. كان الحذر سيد الموقف من 2019 إلى حدود النشر العلمي أواخر 2021.
قمنا باستعمال ثلاث تقنيات للتاريخ وهي الكاربون 14 لإثبات أن عمرها يفوق 50 ألف سنة. وهو أقصى حد يصله مدى هذه التقنية، وتقنية نظائر «اليورانيوم والطوريوم»، وأخيرا التوهج المحفز بالضوء. وتم الأمر بأربعة مختبرات: اثنان بالمغرب وهما مختبر التاريخات بمختبر التحاليل التقنية والعلمية التابع للدرك الملكي بالرباط، والذي أصبح الآن معهدا، والمركز الوطني للعلوم والتقنيات النووية بالمعمورة، واثنين بالخارج، الأول بألمانيا بمعهد «ماكس بلانك» في لايبزيغ ، وبانجلترا بجامعة شفيلد.
وبخلاف الكاربون 14 الذي لا يمكنه تأريخ لقى يفوق عمرها 50 ألف سنة، تم الحصول بالتقنيات الأخرى وخاصة نظائر «اليورانيوم والطوريوم» على عمر يتراوح ما بين 142 ألف و 150 ألف سنة.. لتصبح بذلك الحلي التي تم العثور عليها بمغارة «بيزمون « هي الأقدم في العالم إلى حد الآن.
p أيضا نريد الحديث عما سميتموه بأقدم استغلال لشجرة الأركان ؟
n بقايا متفحمة لشجرة الأركان تم العثور عليها بنفس الطبقات التي وجدت بها أقدم حلي في العالم بمغارة «بيزمون» بالصويرة. لم يقتصر الأمر على استغلال الأغصان ، بل تعداه إلى الثمار من خلال تقنيات مبتكرة هي موضوع رسالة لنيل شهادة الدكتوراه لطالب مغربي هو إسماعيل الزياني أول متخصص مغربي في تشخيص الفحم الخشبي والثمار القديم.
بالعودة إلى استغلال شجر الأركان منذ 150 ألف سنة فهو أمر بالغ الأهمية، وما توصل إليه الباحث المذكور سابقا، هو في طريقه إلى النشر العلمي.
p بالعلاقة وجدتم آثار دببة وأسود ..مزيدا من التوضيح والشرح ..أستاذ؟
n في ما يخص الدببة، تم العثور على عدد كبير منها ب «مغارة الحطاب 2» بمنطقة «واد لاو» ، والبعض من عظامها يحمل آثار تعرضها للنار. نعرف أن الدببة تدخل في فترة سبات خلال الشتاء وتستفيق مع قدوم الربيع، ويتم الأمر وهي في حالة متعبة نظرا لطول فترة خلودها للنوم وقلة حركتها مما يجعلها في حالة ضعف ووهن وبالتالي يسهل اصطيادها من طرف الإنسان. وهذا ما حدث على الأرجح بهذه المغارة منذ آلاف السنين.
في ما يخص الأسود وخاصة أسد الأطلس، فقد وجدت بقاياه العظمية بالعديد من المواقع الأثرية بالمغرب، وأقدمها يعود إلى أسلافه التي تفرعت عنها الفهود والأسود بموقع «أهل الغلام» بالدار البيضاء وعمرها يقدر بأكثر من مليوني سنة ، وأخرى تعود للأسود عمرها حوالي 400 ألف إلى 300 ألف سنة بمواقع بالدار البيضاء و»جبل إيغود»، وصولا إلى أسد الأطلس الذي تم العثور عليه ب «مغارة بيزمون « بالصويرة وعمره أكثر من 100 ألف سنة ..واستمر في التواجد إلى أواسط القرن العشرين حيث انقرض في الطبيعة ولكن ما زالت أعداد منه بالحديقة الوطنية للحيوانات بالرباط.
p جمجمة أقدم إنسان عاقل بموقع سيدي شيكر.علم بذلك العالم كله.ماذا بعد ذلك….المنطقة تقبع في التهميش ولم تتحول لموقع جذب سياحي وأثري ولا تواصل التنقيب..فقط مجسم رديء. نقطة، عودة للسطر؟
-أحدث اكتشاف أقدم إنسان عاقل بموقع «جبل ايغود» رجة في الأوساط العلمية الدولية وأثار انتباها كبيرا داخل المغرب. الاكتشاف في حد ذاته سلط الضوء على المنطقة ، وكل من زارها بعد ذلك سيلاحظ وجود طريق معبدة جديدة على عدة كيلوميترات وتؤدي إلى الموقع، إضافة إلى تشييد بناية مهمة هي بمثابة مركز للتعريف بتراث الموقع يحتوي على مرافق للتعريف بالموقع وباللقى الأركيولوجية والأنثروبولوجية التي وجدت به، أيضا مختبرات وفضاء لعمل الباحثين وأماكن إيواء واستراحة الزوار والتمتع بمشاهدة المجال، وهو على شكل محمية لأنواع نادرة من الغزلان كانت متواجدة بالمنطقة منذ القدم وتم إدخالها من جديد.
ما يخص الأبحاث، وكما تعلمون، فإن الموقع قبل أن تكتشف به عظام بشرية في الستينات من القرن الماضي، كان على شكل مقلع لمادة «الباريتين»، وطريقة الحفر للبحث عن هذه المادة ساهمت في تدمير جزء كبير من الموقع. سنوات عدة بعد ذلك لم تشمل الحفريات الحديثة إلا جزءا قليلا متبقيا من الموقع، وبالتالي من الواجب والمستحب الحفاظ على القليل المتبقي منه.
مشروع تثمين الموقع هو حسب اعتقادي مهم للحركة السياحية وخاصة الشق الثقافي والعلمي أيضا…
p دائما تقول في تصريحاتك إن تاريخ المغرب مبهر. لماذا لا يسلط الضوء وفق خطة تواصلية من لدنكم كباحثين وعلماء ومعهد من أجل وضع المغاربة أمام تاريخهم السحيق، وعدم الاكتفاء فقط بالنشر في المجلات العلمية التي تبقى مقتصرة على جمهور البحاثة والمتخصصين ؟
n إن النشر العلمي مهم جدا وهو الذي يعطي مصداقية للنتائج قبل مشاركتها مع المختصين والعموم. ومع تراكم الاكتشافات الأركيولوجية وتسارع وتيرتها والتطور الذي تعرفه وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعلومة متاحة أو أصبحنا نحن مطالبين بإتاحتها وهو ما يمكن أن نسميه «تواصل القرب».
اليوم نستعين بمختصين في التواصل يقدمون المساعدة والمشورة، وهو ما بدأ يظهر على موقع المعهد أو صفحاته الرسمية ، كما أن المعهد خلق لأول مرة في تاريخه «مكتب الطلبة» سنة 2023 وهو نشيط في التواصل على المنصات الرقمية. وهناك ناد خلقته مجموعة من الطلبة يدعى «اركيوموف أو الأركيولوجيا تتحرك»، نشيط جدا وأكثر حضورا على هذه المنصات أيضا.
ننشر بلاغات صحفية حول الاكتشافات التي تتم في إطار برامج بحثية يشرف عليها المعهد ونتفاعل مع وسائل الإعلام. كمؤسسة علمية لها أربعون سنة من الوجود، نحرص على مصداقية المعلومة الموجهة للنشر وأن تكون مطابقة لما ورد في النشر العلمي حتى تحافظ المؤسسة على مصداقيتها عند المختصين والرأي العام.
هناك إحصائيات حول عملية تواصلنا وهي مشجعة جدا ونطمح إلى المزيد، وتنويع طرق إيصال المعلومة للجمهور الواسع.
p المغرب الأركيولوجي، إن شئنا ، هل خرج من دهشة البدايات.هل بدأ يستقيم ويقوى عوده العلمي. هل يمكن اليوم الحديث عن فريق علمي يتوسل البحث بطرق رصينة تشابه التي يشتغل بها الأجانب.لكن دعني دكتور أطرح السؤال: البحث العلمي لكي يتطور تلزمه ميزانيات ضخمة ترصد ؟
n يمكن أن ألخص مسار الأبحاث الأركيولوجية كما التالي: مرحلة التأسيس والخروج من دهشة البدايات كما سميتموها وقد انطلقت سنة 1985 وهي تبصم أيضا على الشروع في التخلص التدريجي من إرث فترة الحماية، تأتي مرحلة أخرى في أواخر تسعينيات القرن الماضي وهي التحاق الفوج الأول بالمعهد من خريجيه الذين تم إيفادهم إلى الخارج لتحضير رسائل الدكتوراه ليعطوا نفسا جديدا للرعيل الأول من الباحثين الذين واكبوا انطلاقة المعهد ..ثم مرحلة ثالثة بدأت سنة 2007 ببداية النشر العلمي بمجلات علمية محكمة دولية كبرى والتي تسارعت وتيرته ومازالت في شكل تصاعدي إلى الآن، ثم مرحلة بدأت في 2023 من خلال الدعم الرسمي لإعادة هيكلة المعهد في ما يخص البناية وتجهيزها والمعدات التقنية ثم الموارد البشرية.
خلال 40 سنة، استفاد المعهد من تراكم خبرات مهمة في البحث والتكوين والمرحلة الانتقالية التي يعيشها الآن ، حيث نلاحظ مزيجا من خبرات الجيل الأول من الباحثين والأفكار الجديدة للجيل الشاب من الباحثين، هذه المرحلة وهذا التعاون هو الذي أسهم في بروز اللبنات الأولى للمدرسة المغربية في الأركيولوجيا ، لكن الأمر لا يعني الانغلاق حيث سيظل للتعاون الدولي أهميته، إذ تسود الاستفادة المتبادلة للباحثين وللطلبة من كلا الجانبين.
p ماذا يحتاج عالم آثار، تدقيقا، للوصول إلى حقائقه التاريخية… كسؤال أخير ؟
n لا توجد حقائق مطلقة والوصول إليها بشكل قطعي ضرب من المستحيل، إن لم يكن من الخيال. هناك العديد من الاكتشافات والتي تمكن من توفير سردية تاريخية أو جزء منها، عبر قراءات متأنية وموضوعية لا تحمل النتائج أكثر مما تستطيع، وأن تكون خاصة متطابقة مع النشر العلمي الذي يتم بمجلات علمية محكمة.
إنه أمر يتطلب الكثير من الجهد ونكران الذات والتحلي بالكثير من المسؤولية تجاه النفس أولا، والمجتمع العلمي والجمهور الواسع..
تلاحظون أنني أركز على الأخلاقيات وسلامة المنهج والصرامة في التعامل مع النتائج، أما التقنيات فهي فقط وسائل للوصول إلى نتائج تفضي إلى بعض الحقيقة، والتي تكتمل تدريجيا، دون أن تكون مطلقة، عند الاستعانة بعلوم أخرى أي ضمن مقاربة متعددة التخصصات.