عبد الحميد الجماهري ولد الناس وحاجتو ماشي ديالو

حينما فكرنا اليوم في تكريم الأخ عبد الحميد جماهري، فإننا في الحقيقة، أردنا أن يكون هذا التكريم بثلاثة أبعاد، أي تكريم الصحفي والشاعر والإنسان أيضا، وهي الصفات التي انصهرت في ذات واحدة.
عبد الحميد جماهري هذا الإنسان القادم من القرى الموغلة في الطيبة حيث الفلاح يتوسد النية ليلا، وفي الصباح يغدق منها على الأرض ، ببراءة هي إرثه وسماده ، لذلك تأتي الغلة وافرة ويصبح للخبز طعم خاص، والأكيد أن ذلك المذاق لم ولن يفارقه، كظله، لحد الآن.
عبد الحميد اجماهري، خبر الاعتقال وأدى ضريبة النضال وهو يبحث عن وطن يتسع للجميع، كما حلم به رفقة جيله، لذلك كانت مهنة المتاعب زاوية أخرى ونافذة عانق من خلالها هموم وانتظارات المواطنين لكن بلغة موليير من خلال جريدة «ليبراسيون» قبل أن يعود اللسان إلى أصله، ليمتد الجهر بالحق داخل جريدة الاتحاد الاشتراكي، الذي تدرج فيها وهو الآن مدير تحريرها ونشرها.
هذا اللسان المتعدد، لم يكتف بلغة الصحافة التقريرية، بل ظل يسعفها دائما بما ملكت يمينه من خيال الشعراء الذين لم يرتد عن كتيبتهم حتى اشتعل رأسه شعرا، فكان ديوانه البكر «مهن الوهم» وديوان «بنصف معنى فقط» «ونثريات الغريب» وآخر الأعمال الإبداعية ديوان «جاؤوا لنقص في السماء» وفيه تقول الشاعرة والناقدة أمينة الصيباري: «عبد الحميد جماهري، شاعر تتبعه اللغة طواعية كحيوان أليف، هكذا يقودها من عنقها تارة، بكل يسر شعرا ونثرا، ويتركها في أحايين كثيرة تتعقبه إلى حتفها، حيث لا مكان للشعر عادة، فتجد عمودا له ضاربا في السياسة تخترقه طلقات شعرية في منتهى العذوبة، إمعانا في إحراج التقريرية الجافة». انتهى الاقتباس.
لم تقتصر موهبة عبد الحميد جماهري على الشعر فقط، بل تخطته إلى النثر والترجمات والسير ذاتية السياسية، فهو الذي جعل القارئ والمغاربة يتجولون داخل زنازن تازمامارت ويتفحصون الوجوه التي عانقت قدرها داخل الدرك الأسفل من العذاب والتعذيب، بعدما حول هذه المأساة التي رواها محمد الرايس إلى مشاهد مرعبة من خلال ما خطته يده على صفحات جريدة الاتحاد الاشتراكي ، إلى غير ذلك من الكتابات ، كان آخرها مؤلفه «ذهبنا إلى الصين، وعدنا .. من المستقبل»، الذي يوثق فيه لرحلات قام بها حديثا إلى الصين، ولمشاهداته وانطباعاته الأولية حول تجربة هذا البلد .
رغم الصورة النمطية التي يوصف بها السياسي في بلادنا اليوم للأسف، وأن،» أولاد عبد الواحد كلهم واحد» ، إلا أن عبد الحميد جماهري ، يبقى ولد الناس، كما يقول المغاربة، وولد باه ومو، استطاع عن وعي أن يخرج من دائرة هذا التوصيف والتصنيف الذي يراد به تبخيس العمل السياسي لأشياء في نفس من يغذون هذه النظرة، وفي اعتقادي أن صوفيته التي اكتسبها من والده الفقيه والفقير لله، رحمه الله ، حصنته من هذا «التنمر «، إن صح التعبير ،» كما حصنه الشعر أيضا، فالشعر قبل أن يكون كلاما بليغا مبنيا على الاستعارة والأوصاف، والجمالية، فهو إحساس، والإحساس دائما هو قرين القلب.
باختصار شديد، عبد الحميد جماهري «حاجتو ماشي ديالو»، يحب أغاني فيروز كما يحب «حاجتي ف كريني « .
الجماهري «خونا» وحبيبنا وحبيب الجماهير، كما نناديه، لذلك وبالإجماع فكرنا في تكريمه اليوم، ولو بشكل رمزي، لأننا نعرف أن أفضل صفة محببة إلى قلبه، صفة الشاعر، والشعر مبني أيضا على الرمزيات.

* شهادة قدمت في الندوة المنظمة من طرف جمعية «المحمدية للصحافة والإعلام» بتنسيق مع النقابة الوطنية للصحافة، تكريما للكاتب الصحفي والشاعر عبد الحميد الجماهري


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 20/04/2022