«عبد الله العروي: بين التمثل الذاتي و صورة العالم»

نور الدين صدوق يواصل الحفر في منجز العروي

 

عن دار (الآن ناشرون و موزعون) عمان / الأردن، صدر للناقد والروائي المغربي نور الدين ، كتاب «عبد الله العروي : بين التمثل الذاتي و صورة العالم»، الذي يأتي استكمالا لمشروع نقدي دأب فيه صدوق على الحفر والاشتغال على منجز صاحب «الإيديولوجية العربية المعاصرة»، من زوايا نقدية عديدة.
عن هذا الإصدار الجديد، يقول الناقد نور الدين صدوق:

«يأتي هذا التأليف الذي قصدنا إفراده للروائي «عبد الله العروي»، ليستكمل منجزا نشر في ( 1994) ووسم بالتحديد «عبد الله العروي وحداثة الرواية»، حيث خصت التجربة الإبداعية متمثلة في الرباعية (الغربة، اليتيم، الفريق و أوراق) بالدرس و التحليل، علما بأني أوليت في (1996) أهمية لـ :
( «أوراق» سيرة إدريس الذهنية)، في سياق إقرارها على طلبة السنة الثالثة من التعليم الثانوي التأهيلي.
إن خطة الاستكمال، وليدة التحققات الأدبية السردية التي نشرها الروائي «العروي» و المجسدة في روايتين : «غيلة» و «الآفة» و اليوميات «خواطر الصباح» التي ظهرت في أربعة أجزاء، إلى مسرحية «رجل الذكرى» التي ألحقت بداية برواية «الغربة»(1971)، لتتم إعادة نشرها في كتاب مستقل(2014). والواقع أن هذه التحققات أملت التفكير النقدي في هذه الآثار المتفردة الدالة عن اقتدار وكفاءة روائية تعي تما الوعي حدود انشغالاتها واهتماماتها الإبداعية. من ثم آلينا أن تنطبع خطوة الاستكمال بالشمولية، و يتحقق التركيز على التعبير الأدبي من خلال تنوع صيغه و أشكاله التي تجلو كون الإبداع في الرواية لا يتم و لا يتحقق تأسيسا من شكل بذاته، و إنما من خلال اشكال يمليها واقع التعبير والكتابة السردية ،كما المعنى المتضمن في هذه الكتابة إلى التحولات الاجتماعية ، التاريخية و الثقافية.
على أن الاستكمال الشمولي اقتضى استعادة المنجز السابق، بالتالي الانخراط في توسيعه من منطلق المعاين من إصدارات متباينة في كمها دون أن يكون في نوعها والقصد منها. ذلك أن التراكم المتحقق على مستوى التجربة السيرذاتية، لم يتأكد بخصوص شكل الكتابة البوليسي أو الخيال العلمي. و هو ما يوضح بأن طبيعة الامتداد بالتعبير الأدبي لم تكن واردة، وإنما تحكم فيها التفكير في اللاحق، إلى التحولات الاجتماعية و ما تستلزمه من أشكال الكتابة و التأليف، خاصة و أن الروائي «العروي» لم ينصص في التجربتين المتأخرتين بدقة «رواية بوليسية» و «رواية الخيال العلمي»، بل ظل الثابت التجنيس الرئيس و الأساس «رواية»، مع مطلق الإدراك بكون المعنى في الرواية، يحدد شكل الكتابة في الرواية. بمعنى آخر، إذا كان تراكم الامتداد يتجسد في (الغربة، اليتيم، الفريق، أوراق)، فإن الكيف دلت عليه «غيلة» و «الآفة». والواقع أن هذه النقلة في الكتابة الروائية تفرد بها المنجز الإبداعي للروائي»العروي». وهو تفرد يكسر تقليدية الكتابة في الشكل عينه، وهو البارز على مستوى الرواية العربية ومنها المغربية. وهنا يطرح السؤال: أكان اللاحق مجسدا في التجربتين المتأخرتين يقع خارج دائرة الذات؟
من المؤكد أن ظلال الذات تظل حاضرة مهما جهدنا في تذويبها و تصريفها ضمن تفاصيل السرد بأحداثه وتفاعلاته. بيد أن اللافت كونها تبرز بجلاء ضمن تجارب روائية تأسيسا من اختيارات وقناعات الروائي إلى مرجعياته، و هو الملموس في الآثار الروائية لـ «محمد زفزاف»، «محمد برادة»، « غالب هلسا»، «حيدر حيدر» و «جبرا إبراهيم جبرا». إذ الكتابة في الجوهر تنبع من الذاكرة، الماضي بما هي «محفزة» (حسب تعبير الأستاذ «محمد برادة») لفهم الحاضر و قضاياه. و إذا كان الروائي «عبد الله العروي» أولى الذات المستحق في الرباعية، و إلا فمن تكون شخصية « إدريس» في تماهياتها، فإن تجربتي «غيلة» و «الآفة» تتمثلان الذات ممحوة عبر أكثر من شخصية.
نخلص إلى أن التوسيع الذي خضع له منجز «العروي» على المستوى السردي، يوازى بتوسيع نقدي لما كنا أقدمنا عليه سابقا، في محاولة للتركيز على التعبير الأدبي من خلال تنوع أشكاله، إلى المضامين المعبر عنها. واخترنا الختم إضافة ملحق يحيل على صورة «عبد الله العروي» رجل الآداب في تصوراته النقدية و مواقفه الأدبية حول الكتابة الروائية عالميا و عربيا..
نص مقدمة كتاب «عبد الله العروي : بين التمثل الذاتي وصورة العالم» الصادر حديثا عن دار (الآن ناشرون و موزعون) عمان / الأردن.


بتاريخ : 26/03/2021