في سياق يتسم بعودة النقاش العمومي حول توازنات المالية العمومية وقدرة الدولة على مواصلة تنفيذ التزاماتها الاجتماعية والاستثمارية، تكشف أحدث تقديرات صادرة عن مركز الأبحاث «التجاري غلوبال ريسيرتش» عن صورة دقيقة لمسار عجز الخزينة ومديونيتها خلال سنة 2025، وهي معطيات تمنح قراءة استباقية لواحدة من أكثر الملفات حساسية في الاقتصاد الوطني. فحسب تقرير «Budget Focus»، يرتقب أن يبلغ العجز 58,2 مليار درهم، أي ما يعادل 3,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو مستوى يعكس استقرارا نسبيا مقارنة بالسنوات الأخيرة، لكنه يواصل إبقاء الضغط قائما على قدرة الميزانية على امتصاص الصدمات الخارجية والالتزامات الداخلية المتزايدة.
وتترجم هذه التوقعات استمرار مسار تصاعدي للدين العمومي، حيث يرتقب أن يصل إجمالي دين الخزينة إلى 1.140 مليار درهم سنة 2025 مقابل 1.082 مليار درهم سنة 2024، بما يعكس زيادة ملحوظة في وتيرة اللجوء إلى التمويل سواء داخليا أو خارجيا. ويبرز التقرير أن الدين الداخلي سيبلغ 830 مليار درهم بزيادة 2,3 في المائة، بينما سيقفز الدين الخارجي بنسبة 14,7 في المائة لينتقل من 270 مليار درهم إلى 309 ملايير درهم في ظرف سنة واحدة، وهي وتيرة تعكس عودة قوية لآليات التمويل الخارجي في هندسة ميزانية الدولة.
وتبدو هذه الأرقام منسجمة مع توقعات النمو المدرجة في قانون المالية، والمحددة في 4,6 في المائة، والتي تسمح بحصر معدل المديونية في حدود 68,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام. غير أن دينامية الدين تختلف بين شقيه الداخلي والخارجي، إذ يتوقع أن تستقر المديونية الداخلية عند 51,2 في المائة في أكتوبر 2025، وتنخفض قليلا إلى 49,9 في المائة عند متم السنة، مقابل تسارع لافت في المديونية الخارجية المنتظرة أن ترتفع من 16,9 في المائة متم 2024 إلى 18,6 في المائة سنة 2025، وهو مستوى يواصل تعزيزه بفعل السحوبات والقروض الموجهة لدعم المشاريع الهيكلية وتمويل احتياجات التوازن.
وفي ما يتعلق بحاجيات التمويل الخام للخزينة، يتوقع التقرير أن تبلغ 6,9 ملايير درهم مع نهاية 2025، اعتمادا على مزيج من عناصر التمويل أهمها تغطية عجز الميزانية ومتأخرات الخزينة المقدرة بـ 2,1 مليار درهم، إضافة إلى استحقاقات تبلغ 9 ملايير درهم عند متم السنة. ومن خلال اعتماد فرضية تحقيق 80 في المائة من التمويلات الخارجية المقررة في قانون المالية، والبالغة 60 مليار درهم، يتوقع أن تحصل الخزينة على 48 مليار درهم من الخارج، مما يسمح بتغطية 4,8 ملايير درهم من حاجياتها التمويلية الخام، فيما سيتم تغطية الباقي البالغ 2,1 مليار درهم من السوق الداخلية.
ويمثل هذا اللجوء المحدود للسوق المحلية، والذي تقدر حاجياته بمليار درهم شهريا متم أكتوبر 2025، عاملا مطمئنا بالنسبة لسوق السندات، إذ لن يفرض ضغوطا إضافية على أسعار الفائدة، خاصة في ظل الطلب المرتفع الذي شهدته السوق خلال نونبر الماضي، حيث تجاوز 38 مليار درهم وهو أعلى مستوى يسجل منذ يوليوز 2024، مع تلبية 40 في المائة فقط من الطلبات، ما يعكس اهتماما قويا من المستثمرين بسندات الخزينة.
ويسجل التقرير أن السحوبات الخارجية بلغت 43 مليار درهم عند متم أكتوبر 2025، أي بنسبة إنجاز تصل إلى 72 في المائة من المتوقع في قانون المالية. وتستند هذه الدينامية إلى خروج الخزينة الناجح إلى السوق الدولية في مارس الماضي، إضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين إثر رفع وكالة «ستاندرد آند بورز» لتصنيف المغرب إلى درجة الاستثمار في شتنبر 2025، وهو عامل ساهم في تقليص كلفة التمويل وتوسيع قاعدة الدائنين.
وبينما تعكس هذه المعطيات قدرة الخزينة على تدبير التوازنات في سياق يتسم بتعدد الإكراهات، إلا أنها تطرح في المقابل أسئلة حول هوامش المناورة المتاحة خلال السنوات المقبلة، خاصة مع ارتفاع مستوى المديونية الخارجية وتزايد ارتباطها بتقلبات الأسواق الدولية وأسعار الفائدة العالمية. كما يدفع استمرار اللجوء إلى الاقتراض، سواء داخليا أو خارجيا، إلى إعادة ترتيب أولويات السياسات العمومية، لضمان الحفاظ على دينامية النمو دون المساس بصلابة الإطار المالي للدولة.
وتقدم هذه الصورة الإجمالية ملامح سنة مالية تتواصل فيها الحاجة إلى تمويلات كبيرة لتغطية العجز وتلبية متطلبات الاستثمار العمومي، في وقت يتزايد فيه الطلب الاجتماعي على تحسين الخدمات العمومية وتوسيع قاعدة الدعم. وبين ضغوط الالتزامات وتحديات الاستقرار، تبدو المالية العمومية مقبلة على سنة دقيقة، عنوانها الرئيسي هو القدرة على الحفاظ على التوازنات في ظل ارتفاع الدين وتباطؤ هوامش التمويل، وهو ما يجعل مراقبة تطور هذه المؤشرات ضرورة أساسية لفهم اتجاهات الاقتصاد الوطني خلال 2025 وما بعدها.
عجز الخزينة يرتفع إلى 58.2 مليار درهم في 2025 ومديونية الدولة تتجاوز 1.140 مليار درهم
بتاريخ : 12/12/2025

