عزلة الكاتب أم عزلة الكتابة ؟

العزلة تفرض ذاتها، تتحرك ضمن ذاتية مقننة. ضروري التأقلم معها لتصبح روتينا، هي بمثابة تعسف/ منفى يومي للذوات .
أتذكر كتابات العزلة التي شيدها الكبار، أنعزل لكي أعرف ذاتي ، حقيقتي ، مقدار صبري وانتظار الذي يأتي ..
العزلة التي اخترتها هي أن اقرأ الكتب المتراكمة في مكتبتي أو التي سبق أن قرأتها وأثارت اهتمامي، في الحقيقة لم أختر العزلة، هي التي اختارتني وفرضت ظروفها علي … إذن يجب أن أتمطط، وأدرب نفسي عليها وحين يختارك الشيء المفروض، تذعن مرغما ..
للأسف، توقف ينبوع الكتابة لدي في مقابل تفتح شهية القراءة ، حينها تتحول الى لعبة ، هي مفتتح لما سيأتي بعدها ..
أستيقظ في مربع سيمائي محدد ومسنن مرسوم، الجدران، النوافذ، الأبواب، الصور، السقف.. الفراش، المذياع والكتب أول شيء وآخر شيء تقع عليه عيناي، هي أول من أراه وآخر من ينام قرب حضني .
في المكتبة أرتب الكتب، أنفض الغبار عنها، أجالسها وأحس بأنفاسها المتقطعة هنا وهناك :
ابن قتيبة وابن خلدون، والمتصوفة وسارتر وبول أوستر وموراكامي و»موت صغير» ودروس الفلسفة ومشاريع التاريخ الجهوي والشعر والقصص القصيرة جدا، المتعددة بأسمائها ومقارباتها، والزجل بفرسانه والمجلات بمختلف أشكالها وألوانها..
أسمع أنينها وأمسح دموعها، أتفقد حواشيها وهوامش ما كتبته يوما ما أو ورقة منسية وأوراقا مالية مدسوسة، الغالب أني نسيتها ..أنفض الغبار بحنان وعلى مهل. أتأمل الصور المركونة والذكريات والرسائل والجوائز، أعيد طبع الحياة إليها بلمسها، بإحساس دفين لإنعاشها ببلسم العناية بإعادة الحياة إليها بسيروم الانتباه .
هذه الكتب كانت حيوات ميتة أحييها الآن ، هي تحتاج اليد الرهيفة والعناية اللازمة ولو بجذبها من مكانها، وقراءة عناوينها …أشدّ بيدها، أدربها على المشي كعجوز وحيد وتدربني على تجنب السقوط، نشرع في عقد صداقة العشق وإعادة الحب إلى عرشه .
العزلة مرتبطة بي ارتباط الجبل بمخيلتي، صديقي السابق .. هو الذي كان السبّاق إلى ربط صلة الصداقة وامتداد جسر العشق بيننا ..
المكتبة حديقة مرتبة مزينة تحتاج الاهتمام والعناية اللازمة ونفض الغبار عنها، فكل يوم أفتح كتابا، أصادقه ثم أضعه لألامس خيوط تلابيب كتاب آخر .. لا قيمة لحياة بدون كتب ومشاهدة أفلام، كما يقول إدغار موران..
هذه العزلة أصبحت مدمنا عليها، محاصرا بين فضاء محسوم ومكرر بين المكتبة والمطبخ والشرفة وغرفة النوم، خطوات تحت حراسة مشددة ومراقبة صارمة مضبوطة بالقراءة والتأمل والانتظار..


الكاتب : عزالدين الماعزي

  

بتاريخ : 07/04/2020