عزيزة جلال أسطورة الأجيال

أثار مؤخرا ظهور الفنانة المغربية المعتزلة عزيزة جلال في حوار تلفزيوني، جدلا واسعا بين رواد الشبكة العنكبوتية، هي التي لم يسمع جمهورها أخبارا عنها منذ ما يقارب 30 سنة، اختارت فيها الفنانة أن تعيش حياتها كزوجة وأم بعيدا عن الأضواء.
وقد أطلت عزيزة على جمهور العالم العربي من خلال البرنامج الحواري «من الصفر» لمعده وصاحب فكرته ومقدمه، الروائي والإعلامي السعودي الشاب، مفيد النويصر.
البرنامج، الذي تبثه قناة «إم بي سي 1» كل مساء يعرف، في حد ذاته، شهرة تتزايد في كل مرة ويتداول حلقاته رواد الشبكة العنكبوتية يوما بعد يوم. والسبب، طريقته، إذ يعتمد في بنائه على مبدأ منح الفرصة للضيف أن يحكي، لمدة ساعة، عن حياته وكفاحه منذ «نقطة الصفر»، كما أن الضيف يتم اختياره انطلاقا من كونه شخصا ناجحا، تمكن من إثبات ذاته و تحقيقها، و بالتالي فروايته تنقل تلك الطاقة الإيجابية التي تدفع بالإنسان لتجاوز العديد من التحديات خلال مساره، كل ذلك بأسلوب شيق يمتزج فيه السرد بملامح و تعابير الجسد والوجه، ويتخلل ذلك الوقوف على الديكور المحيط للراوي كما لقطات من صور ممثلة تعكس بعضا من قصصه، كأن تمثله وهو طفل داخل حيه أو في بيته، مما يضفي على كل ذلك مزيدا من التشويق، كونه يتم عبر مراحل حيث تتوزع كل حكاية على عدة حلقات.
من خلال إذن نفس البرنامج المثير للاهتمام، أطلت عزيزة جلال على جمهورها العربي بعد غياب طويل، هي التي عرفت أوج عطائها في مدة قصيرة، ثم اختفت تاركة المجال للعديد من التأويلات والتفسيرات عن ذلك الاعتزال المفاجئ، تساؤلات ظلت معظمها إذا لم نقل كلها دون إجابات، مما جعل من الفنانة أسطورة تتحاكى الأجيال عن صوتها و طلتها ورصانتها و شهرتها، إلى أن ظهرت بعد 30 سنة لتوضح عدة نقاط و تفتح قلبها، بل لتغني مقاطع من أغاني خالدة عرفت بها، بالرغم من كونها أغاني أعادت إحياءها، في ما بعد، مجموعة من الفنانات العربيات منهن، فلة ونانسي عجرم وأسماء المنور و أمال عبد القادر و مريم بلمير…. لكن صوت عزيزة جلال وطلتها أرجعا للجمهور العربي المتعطش، ذلك الزمن الجميل بأغانيه و أجوائه.
من بين النقاط التي تطرقت إليها الفنانة، سبب اعتزالها الذي تبين بأنه كان قرارها الشخصي ولا دخل لزوجها الراحل فيه، عكس ما كان يتداول آنذاك. قرار صادر عن مخاض داخلي عاشته الفنانة نظرا لتخوفها من الشهرة وما بعدها، و استخارت فيه لله أثناء صلواتها، و كان لفترة قبل لقائها بزوجها، رجل الأعمال السعودي «الشيخ علي بن بطي الغامدي»، و حكت عن الظروف التي تزوجت فيها وعن لقائها بزوجها و العلاقة التي ربطت بينهما.
وفي حديث آخر، تطرقت الفنانة لطفولتها هي الفتاة المزدادة سنة 1958، بمدينة مكناس، نفس المدينة التي تابعت تعليمها بمدارسها، ودرست المقامات الموسيقية وقواعد الصولفيج فيها، وقد رافق سردها بعض الصور التي تمثل طفولتها في هاته المدينة و بالخصوص في أحد الأحياء القديمة، حيث ترعرعت في بيت جديها، وقد عرجت عزيزة جلال في حكيها الشيق،على تفاصيل ولوجها عالم الفن «من الصفر»، و كان ذلك سنة 1975 بعد أن كانت في سفر مع والدتها إلى مدينة الرباط، و شرحت كيف أن الأقدار جعلتها تزور مقر الإذاعة والتلفزيون، وتلتقي الراحل عبد النبي الجيراري المشرف على برنامج «مواهب» الذي كان له الفضل في بروز العديد من الأصوات و اعتلائها الشهرة ومن بينها عزيزة جلال، و تبادر بتقديم نفسها وتغني للجيراري ويعجب بصوتها ويقترح عليها المشاركة في المسابقة الغنائية، إذ غنت أغنيات لأسمهان من بينها «ليالي الأنس في فيينا» ونالت إعجاب الأساتذة في البرنامج .
وللتذكير، فإنه مباشرة بعد نجاح عزيزة جلال في المرور للأدوار النهائية في البرنامج، لحن لها عبد النبي الجيراري أغنية «نقلت عيوني هنا وهناك» في مناسبة المسيرة الخضراء سنة 1975، و هي أغنية تتغنى بالمغرب، وبطبيعته، وتلتها أعمال أخرى لملحنين مغاربة أمثال حسن القدميري وعبد القادر الراشدي وعبد العاطي أمنا وأحمد البيضاوي وأغلبها أغاني وطنية كانت تساهم بها في إحياء حفلات عيد العرش أثناء عهد الملك الحسن الثاني، كما أنه بعد ظهورها ببرنامج «مواهب»، استمرت رحلتها التصاعدية نحو الشهرة استهلتها بسفرها إلى الإمارات العربية المتحدة حيث أعادت غناء مجموعة من أغاني المطرب الإماراتي الراحل جابر جاسم، فاشتهرت تلك الأغنيات بصوتها وهي «سيدي يا سيد ساداتي» و«غزيل فلة»و «ياشوق»، ثم سافرت إلى القاهرة و منها كانت انطلاقتها الفنية الحقيقية، حيث تسابق على التعامل معها العديد من عمالقة التلحين كمحمد الموجي في «إلا أول ما تقابلنا» وهو الحب لعبة «ورياض السنباطي في «والتقينا» و«زي مانت» و«من أنا» كمال الطويل في «من حقك تعاتبني» و«روحي فيك»، بليغ حمدي في «حرمت الحب عليه» و«مستنياك» وحلمي بكر في «منك وإليك»، وكادت أن تتعامل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يعد لها لحنا خاصا قبل أن تعلن اعتزالها سنة 1985، وقد عرف أيضا عن عزيزة جلال كونها قامت بغناء العديد من الأغاني لأسمهان وأم كلثوم ولكن بأسلوبها المتفرد الذي كون مدرسة تخرجت منها العديد من المطربات. فضلا عن كل هذا كانت عزيزة، وهي في القاهرة، تتلقى عروضا من المنتجين السينمائيين للتمثيل في السينما، كما نجحت في إحياء حفلات غنائية في كل من المغرب والقاهرة والإسكندرية وفي حفلات معرض دمشق الدولي و في العراق و الكويت و أبو ظبي وقرطاج بتونس وفي العديد من عواصم الوطن العربي، و لكنها لم تخض أي تجربة من تجارب الغناء في السينما أو من خلال أعمال الأوبريت في المسرح الغنائي.
الجميل في حدث ظهور الفنانة المغربية المعتزلة، هو تجاوب فئة كبيرة من الجمهور المغربي والعربي مع هاته الخرجة المفاجئة، جمهور من مختلف الأعمار، وإطلاقه العنان لأرائه و أحاسيسه، من خلال تعليقات تؤرخها العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة منها اليوتيوب. هناك من تحدث عن الزمن الجميل وهناك من توجه لها بلغة المخاطب قائلا بأنه يعرفها منذ كان طفلا أو من خلال والدته المعجبة بها، و هناك من الرومانسيات من تأثرن بعلاقة الحب التي ربطتها بزوجها، وهناك من أشاد بصوتها الذي لا يزال قويا و عذبا، و من السيدات من عبرن عن إعجابهن بجمالها بالرغم من مرور السنين التي لا تلاحظ على ملامحها، قائلين:
«عزيزة جلال الجمال والصوت والتواضع شوفو شكلها ولا عملية تجميل واحدة ولا حتى أسنانها عامله فيهم شيء ما شاء لله والمشكلة شوفو كم سنها ما شاء لله تبارك الرحمان».
«رغم مرور سنين طويلة لم ننساك أبدا دائما يضرب بك المثل في الرقي والأخلاق العالية والصوت الذهبي والغناء الجميل الطروب أكن لك شخصيا حبا واحتراما كبيرا، لله يطول في عمرك و يرزقك الصحة».
«مثقفة جدا و هادئة جدا وتفكيرها واسع و تعبيرها سلس ممتع السهل الممتنع».
من جهة أخرى هناك من رواد الشبكة من تساءل عن سبب ظهورها، الآن، واعتبر أن ذلك تمهيدا لعودتها للساحة الفنية، خاصة بعد وفاة زوجها منذ ثلاث سنوات، وانقسم هؤلاء إلى فريق ينصحها بعدم العودة لكي تبقى على طريق «التوبة» التي اختارته لنفسها، حسب اعتقاده، منذ 30 سنة، ومن هؤلاء نختار بعض الشهادات:
«أتمنى ألا ترجعي لهذا العالم المتسخ و تتوبي لله عز وجل».
«هذه السيدة لها قبول ما شاء لله … عرفتها و هي شابة في بداية حياتها الفنية… كانت هادئة و مهذبة ولم تغتر بفنها رغم أنها اعتلت هرم الغناء في فترة جد وجيزة… وصوتها الساحر اكتسب قلوب الملايين من العرب والمغاربة…اعتزلت الفن في عز انطلاقها وشبابها و عاشت مع زوجها حياة محترمة حتى لقي ربه… لله يحفظها و يحفظ أبنائها…لازالت أنيقة و لم تزدها السنون إلا وقارا… الفن في هذا الوقت صار عفنا لا ترجعي إلى الغناء و لكن استمري في حكي حياتك الذاتية بهذا الأسلوب الشيق …نحبك في لله…».
وفريق اعتبرها أكبر من أن ترجع للمشهد الفني الحالي بما يعرفه من انحطاط ونصحها بعدم الاختلاط بهاته الأجواء، تبرز من خلال بعض التعليقات:
«نصيحة إلى السيدة عزيزة جلال بأن تفكر مليا قبل أخذ قرار الرجوع إلى الغناء ـ هل تظن أن جمهور السبعينيات والثمانينيات هو نفسه الموجود حاليا ؟ لا أظن ـ كل شيء تغير، من أين سنأتى ببليغ والموجي والسنباطي وعبد الوهاب محمد ومرسي جميل عزيز وغيرهم من صناع الأغنية الجميلة ؟ بعد مرور 35 سنة علي صوتك بدون تمارين ولا بروفات هل تظني أنك ستجدينه بنفس العذوبة والقوة ؟ لا أظن ـ انا من عشاق الطرب الجميل، أرفض أن تلحق أية إهانة لفنان من فناني الزمن الجميل، فلتبقى مطربتنا القديرة عزيزة جلال ذكرى جميلة مع العمالقة مثل نجاة الصغيرة، وردة، شادية، فائزة احمد».
«لاترجعي للغناء قدمتي أجمل ماكان خليكي في القمة لاتنزلي منها».
«كنتي في الزمن الجميل فابقى ذكرى جميلة فقط هذا زمن العفن والانحطاط الفني».
من جهتي لا يمكن لي إلا أن أفرح لأي قرار تتخذه هاته النجمة التي أصبحت أسطورة، فضلا عن ذلك لا أعطي لنفسي الحق أن أدعوها للتوبة و كأن الفن جرما أو خطيئة، كما أن عزيزة جلال فرضت احترامها حتى قبل اعتزالها وزواجها ومازالت كذلك.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 08/06/2019