سؤال التأثير في معتقدات وأفكار وتوجهات الرأي العام الاسباني
يستدعي البحث الوافي والمستفيض في مجريات العلاقات بين المغرب واسبانيا ماضيا حاضرا وآفاقا للمستقبل، بأن لا يقتصر الأمر على الشق الرسمي المرتبط بتدبير الملفات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والمالية وغيرها، بل علينا أن نولي بالغ الأهمية أيضا للشق الشعبي والنبش في تلك الصورة المتجدرة في المتخيل الشعبي القابعة عند كلا الطرفين المغربي والاسباني، على اعتبار أن الشعوب تظل دوما طرفا فاعلا وأساسيا تتأثر وتؤثر في العلاقات بين الدول.
الغاية من ذلك، تكمن في خلق أوراش عمل وفتح قنوات للتشاور والحوار والتداول حول مجمل قضايا الافتراق من أجل الالتقاء مع الاسبان. فالمجتمع الاسباني في حاجة إلى الكثير من التفكير العميق والانفتاح على المغاربة لمحـو صورة « الموروفوبيا» وذهنية الإخضاع والاستعلاء والتفوق، وتصحيح المواقف الإنسانية، وإقناعه واقتناعه بوجاهة موقف المغاربة وحقهم المشروع في الدفاع عن وحدتهم الترابية، وفي قضايا خلافية أخرى تعود للماضي.
هذا التوجه المدني في حاجة أيضا إلى إستراتيجية وخارطة طريق للمستقبل لنسج علاقات متنوعة متكاملة للحوار الدائم تؤسس لقيم التعايش السلمي وحسن الجوار. وبدل أن تكون الأندلس وغيرها من أزمات الماضي، نقط سوداء في التاريخ المشترك للشعبين عليها أن تتحول إلى علامة مضيئة بارزة في التواصل الحضاري والثقافي بين المغاربة والإسبان، وبلسما لجراح مؤلمة.
ولا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى اعتماد المغرب في دستوره الجديد لسنة 2011، على الرافد الأندلسي كرافد من روافد الهوية المغربية يقينا من المشرع بأن الهوية الأندلسية ظلت عبر العصور حاضرة في الوجدان من خلال الثقافة والفن والطرب والأدب والمأكل والملبس والعمران فضلا عن مفكرين وفلاسفة وشعراء ورجال سياسة وعلم وأولياء صالحين هاجروا واستقروا بالمغرب بعد سقوط الأندلس. هي إذن قمة للتمازج والتداخل والترابط المغربي الاسباني الأبدي، الذي يتجلى في العبارة الشهيرة: « المغرب يملك الإنسان الأندلسي واسبانيا تمتلك العمران الأندلسي».
من المعلوم أن اسبانيا مقبلة نهاية السنة الجارية على أجندة انتخابية تعرف دائما صراعات قوية بين الأحزاب السياسية المتنافسة، حول العديد من القضايا المحلية والخارجية في مقدمتها هذه السنة قضية استقلال كاطالونيا والعلاقة مع المغرب. ومن المقرر أن تتولى اسبانيا رئاسة الاتحاد الأوربي الدورية التي تستمر 6 أشهر ابتداء من يوليو 2023، وتجري انتخاباتها البرلمانية، في العاشر دجنبر 2023، التي سيكون فيها السيد بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء ورئيس الحزب الاشتراكي، أمام المحك للدفاع باستماتة عن حصيلة الأربع سنوات من منجزاته منها السياسة الخارجية، وتقديم برنامجه الانتخابي الجديد، والذي سيكون فيه ملف العلاقات الإسبانية المغربية حاضرا دون أدنى شك بقوة على طاولة النقاش الانتخابي.
كان من المفترض، أن تكون أرضية الحوار والتشاور وتبادل الرؤى قد تم تثبيت بنياتها بين الهيئات والمؤسسات السياسية والنقابية والمدنية المغربية مع نظيرتها الاسبانية، وشرعت منذ مدة في الاشتغال على مختلف المحاور، لتقريب وجهات النظر وتبديد مسافات سوء الفهم والتقدير بين الطرفين وكبح جماح التصورات النمطية المستبدة بالعقليات. هو مشروع يتطلب جهود سنوات وعمل مكثف لم ينجز منه ولو الجزء اليسير. ولا أعتقد ونحن على بعد 8 أشهر من الانتخابات البرلمانية التي ستفرز لنا حكومة اسبانية جديدة، أن هناك ما يمكن القيام به للتأثير في معتقدات وأفكار وتوجهات الرأي العام الاسباني حول قضايا الشأن المغربي.
هي مهمة ليست بالسهلة، لكنها ليست مستحيلة، فقد آن الأوان لتدشين ورشها، بعد أن حققت حكومتا البلدين خطوات جد متقدمة أرست بها دعائم علاقات المستقبل وطيدة، ليظل الرهان قائم على مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب وغيرها للعب دور مكمل مساند للحكومات.