يواصل الدكتور محمد مصطفى القباج في القسم الخامس من سلسلته »»عم يتحدثون»» مشروعه التوثيقي والقرائي لبعض الكتب والمقالات التي تتنوع مضامينها واهتماماتها مابين قضايا التربية واللغة والمعرفة والفلسفة، بالإضافة إلى قضايا الهوية والعولمة، كما يثير القباج في هذا الجزء الخامس من «عمّ يتحدثون»، قضايا فنية خاصة في مجال المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية. ويروم هذا الكتاب، الذي يقع في 457 صفحة،
التوثيق وطرح رؤى حفاظا على نصوص متفرقة من الضياع، نصوص تغطي أبحاثا ورؤى وسير أعلام من المغرب والمشرق، بالإضافة إلى قراءات وحوارات.
يقدم الدكتور القباج في هذا الجزء، رؤاه ووجهة نظره حول عدد من المفاهيم التي برزت في العقدين الأخيرين كمفهوم العولمة، والتحديات التي يطرحها على مستوى القيم والهوية والخصوصية الثقافية، ولقد خصص القباج لهذا الموضوع حيزا هاما من الكتاب ضمنه رؤيته حول مآلات العولمة اليوم، وميكانيزمات اشتغالها داخل التربة الحضارية المعاصرة، والتي تتوزع ما بين الاقتصادي الذي تحكمه رأسمالية متوحشة تمسك بدفة الاقتصاد العالمي عبر الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للحدود،
وما بين الإيديولوجي، والتكنولوجي المرتبط بثورة الاتصالات والتواصل التي سمحت بحرية واسعة في تبادل المعلومات والمعارف.
وفي خضم هذه التحولات، يقول القباج، »»اشتغلت آليات الصياغة الجنينية لعالم جديد تكرست فيه بصفة فورية الإيديولوجية الليبرالية بشكلها القديم والجديد،« والتي عمقت الهوة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، أي بين دول الرفه المفرط ودول الفقر المفرط»، وأدت في نهاية المطاف، وكنتيجة حتمية، إلى التأثير على بنيات الدول والهويات الوطنية والثقافية وعولمة القيم ونمط الاستهلاك وسيادة النموذج الواحد في الثقافة والإعلام، والسلوكات والأفكار، وتضخم قيم الفردانية، كما أدت، وهنا مكمن الخطورة،إلى التخلي عن كثير من المفاهيم المؤسِسة للسيادة وعلاقة الدولة بالمجتمع وبوسائل الإعلام.
إن هذا الوضع يقتضي، أمام صعوبة تجاوزه، إلى »»أنسنة« «هذه العولمة حسب الدكتور مصطفى القباج من خلال »تعزيز العدالة والإنصاف الدوليين دون تمييز بين دول قوية ودول ضعيفة،« وإقرار قطبية متعددة تسمح بالتوازنات في العلاقات الدولية، وإرساء »مواطنة عولمية« مع إصلاح جذري لمنظمة »الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وهنا يلفت القباج إلى أن هذه المهمة ملقاة أيضا على القوى الفكرية والسياسية الحية لتصحيح المسار الحضاري، وتدعيمه بقيم جديدة قاعدتها الصلبة ونواتها هي » «العيش المشترك«.»
في باب «رؤى وأبحاث» أيضا، يعرض القباج »محن اللغة العربية في المغرب« ،معتبرا أن أن «كل لغة تنتعش في ظل الروح الديمقراطية المقرة بالتعددية وأهمية الاختلاف، أي أن السلوك الديمقراطي يتفادى إضعاف أية لغة على حساب لغة أخرى««. وقد حدد القباج هذه المحن في سبع تمثلت في:
– دعوات التيار الفرنكفوني إلى التخلي عن اللغة العربية وتعويضها بالدارجة، وهو ماسيتسبب في تفكيك وارتباك لغويين.
– هذا التفكيك سيؤدي إلى هدم المعمار اللساني مع ما ينتج عن ذلك من إشاعة الثقافة الشفوية وعدم تحقق التراكم المعرفي المساهم في تطور المجتمعات.
– إحداث نوع من الهجنة اللغوية بحيث يتحول الخطاب إلى جمل مفككة تمتزج فيها اللغات الدخيلة (فرنسية – إنجليزية – إسبانية).
– شيوع الأخطاء اللغوية.
– تأثير طغيان اللغات الأجنبية على مسألة الترقي الاجتماعي، وهو ما يفسر استئثار أنصار التيار الفرنكوني بمناصب المسؤوليات العليا.
– غياب الاجتهادات اللغوية التي تستفيد من المباحث اللسانية المستجدة.
– غياب سياسة لغوية للدولة تحمي هذه اللغة العربية وتطورها.
يعالج الكتاب، أيضا، مسألة الأخلاقيات بوصفها مبحثا فلسفيا، كما يتناول أهم الأحداث التي عرفها المسرح المغربي منذ نشأته من خلال تتبع كل ما كتبه الأكاديميون والنقاد والإعلاميون، مثيرا مسألة »غياب التوثيق المسرحي«.
التي تؤدي إلى إحراج معرفي لغياب الوثائق »التي تدل على صحة المعطيات المتعلقة بتاريخ المسرح بالمغرب«، ويقدم نماذج لبعض المسرحيين والنقاد ممن انشغلوا بهذا الهاجس كعبد الواحد عوزي، أحمد مسعاية، عبدالرحمان بن زيدان، عبد القادر السميحي وحسن بحراوي…..
القسم الثاني من الكتاب، خصصه مصطفى القباج لدراسة فلسفة كارل بوبر انطلاقا من تجربته بجامعة محمد الخامس بالرباط.
القسم الثالث يتضمن توطئات لكتب كل من التربويوي محمد الدريج، و الباحث عبدالرحمان الملحوني ونبيل بن عبد الجليل، فيما يتطرق القسم الرابع إلى سمات التفكير الفلسفي عند كل من عبد السلام بنعبد العالي ومحمد المصباحي والطاهر وعزيز والراحل محمد سبيلا ومصطفى الزباخ.
يتضمن الكتاب في جزأيه الخامس والسادس بعض الحوارات التي أجراها الدكتور القباج، فضلا قراءة في كتابه»المجتمع المدني، المواطنة والتطوع»، وملحق حول الفعل الثقافي في المغرب. «
ويعزز الإصدار الجديد خزانة غزيرة من مؤلفات القباج التي تناولت قضايا فكرية وبيداغوجية وثقافية متنوعة، نذكر من بينها «من قضايا الإبداع المسرحي»، «التربية والثقافة في زمن العولمة»، «مشاغل فكر في زمن الدولة»، «مبحث الحرية في الفكر المغربي المعاصر»، «المسرح والفلسفة»» عم يتحدثون؟»، «نظرات في فكر أعلام من المغرب المعاصر»، «حوار الثقافات وحقوق الإنسان في زمن العولمة»، «مقاربات في الحوار والمواطنة ومجتمع المعرفة»، «محمد عزيز الحبابي: الفكر المتحرك من الشخصانية الواقعية إلى الشخصانية الإسلامية إلى الغدية»…
«عم يتحدثون» في جزئه الخامس: مصطفى القباج يناقش مآلات العولمة وقضايا الهوية
الكاتب : حفيظة الفارسي
بتاريخ : 27/09/2024