عن تاريخ تطور الإصلاحات الدستورية في المغرب منذ الاستقلال إلى الآن..

يبتدئ الأستاذ «إبراهيم رشيدي»، المحامي وعضو المكتب السياسي لـ»حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، مقالته: «عن تطور الإصلاحات الدستورية في المغرب منذ الاستقلال..»بطرح السؤال التالي: «ما هي الإصلاحات الدستورية في المغرب منذ الاستقلال؟»، ليجيب مستفيضا:
“يعود تاريخ المشروع الأول للدستور في المغرب إلى عام 1908. خضع المغرب (بعد الاستقلال) لـ8إصلاحات دستورية منذ عام 1962:7نفذت في عهد الراحل «الحسن الثاني»، وواحد (نقصد الثامن)في يوليوز2011 في عهد جلالة الملك «محمد السادس”. في 14ديسمبر 1962، صدر أول نص دستوري للمغرب (بعد الاستقلال)، والذي شهد بدوره مراجعتان: الأولى مراجعة 30يوليوز1970، والثانية مؤرخة في مارس 1972.
شهدت المراجعة الثانية، تعديلين أحدهما بشأن «خفض عمر تولي الحكم للملك إلى 16عامًا (بدلاً من 18عامًا، بحسب استفتاء “23مايو 1980”)”، والثاني بشأن «تمديد فترة ولاية مجلس النواب» (استفتاء 30مايو 1980). ويعود تاريخ المراجعة (التنقيح)الخامس إلى 9أكتوبر 1992، الذي تم تعديله في السنة المالية 1995، في حين أدخلت مراجعة 7أكتوبر 1996نظام المجلسين في المغرب، ولتكون المراجعة الأخيرة -موضوع استفتاء 1يوليوز2011 – في عهد جلالة الملك «محمد السادس”.
دستور عام 2011..قطيعة مع الماضي

لقد أحدث تولي الملك محمد السادس سدة الحكم، تغييرا في منهجية وأسلوب الإدارة من أجل التوصل إلى نماذج جديدة لمغرب القرن ال21الحديث، بما في ذلك:»قانون الأسرة»في عام 2004، «هيئة الإنصاف والمصالحة»(الملف الرئيسي لبداية الحكم)،»المفهوم الجديد للسلطة»، «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» (INDH); “المشروع الاجتماعي»(مع مفهوم الدولة الاجتماعية)،»الانتقال الطاقي» ; *»النموذج الاقتصادي التنموي الجديد» (Le nouveau modèle de développement économique) – (تهدف المشاريع التي تم افتتاحها خلال السنوات ال25الماضية إلى وضع المملكة المغربية على مسار مغرب حديث وفعال)، إذ تهدف المراجعة الدستورية بشكل أساسي إلى بناء مغرب «حديث»و»ديمقراطي”.
عن مشروع دستور 1908

منذ بداية القرن ال20، اختار المغرب حياة دستورية قادرة على تنظيم سلطات الدولة. هدف أول دستور أساسي في 11أكتوبر 1908، إلى: «تحديث الدولة المغربية للهروب من قبضة ومطامع الأوروبيين – خاصة «فرنسا»و»ألمانيا» – من خلال المطالبة بإعادة تنظيم السلطات العامة”. لم يوقع السلطان على مشروع الدستور هذا أبدا، لأن «اتفاقية فاس»في 30 مارس 1912أنشأت الحماية الفرنسية على المغرب، بعد اتفاقية مقايضة استعمارية انفردت فيها «إسبانيا»بشمال المغرب، بينما حصلت ألمانيا على جزء من الكونغو الفرنسية التي استعادتها»فرنسا»بعد الحرب العظمى.
كان هذا الدستور سابقًا لأوانه في اعتبار أن: «الدولة الشريفية المغربية مستقلة تمامًا وعاصمتها مدينة «فاس»، وأن «الإسلام»دينها وتعتمد المالكية مذهبا لها”، كما أن:»لكل مغربي الحق في التمتع بحريته الشخصية التي تتمثل في أن يفعل كل شخص ويقول ويكتب ما يريد، شريطة احترام النظام العام”، وأن»التعليم الابتدائي إلزامي»و «التعذيب وأي ما يشابه ذلك ويخالف سمة التحضر محظور”، وأن يتكون «المجلس الاستشاري» (Le Conseil consultatif) من هيئتين هما: «مجلس الأمة» (Conseil de la nation) و»مجلس الأعيان» (le Conseil des notables)الذي يفتتح أعماله بحضور السلطان(ملك البلاد) والصدر الأعظم، حيث لنا أن نصف عهد جلالة الملك محمد السادس بأنه:»تتويج للإصلاح الدستوري».
الاتحاد الاشتراكي.. مساهمة دائمة
في الإصلاحات الدستورية

سعى الاتحاد الاشتراكي دائمًا، إلى تقديم مقترحاته للإصلاحات الدستورية في شكل «مذكرة»إلى المجلس الوزاري الملكي بما في ذلك «جميع التحسينات الدستورية والتنقيحات التي يعتبرها الحزب ضرورية لبناء دولة ديمقراطية حديثة”.
يعود تاريخ أول دستور للمغرب (بعد الاستقلال) إلى 14 دجنبر1962، على أنه دخل حيز التنفيذ في 18نونبر1963مع افتتاح الدورة الأولى للبرلمان، التي انتخبت في العام نفسه. كرس دستور سنة 1962، التفوق السياسي للملك وأنشأ نظام «سلطنة دستوري»يمارس فيه الملك حقه في الحكم، غير أنه سرعان ما أصيب البرلمان – الناتج عن هذا الدستور – بالشلل بفعل الحزبين الرئيسيين في ذلك الوقت: «الاستقلال»و «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» (UNFP)بسبب غياب أغلبية متجانسة.
حالة استثنائية!

«في مواجهة أي استحالة لتشكيل حكومة اتحاد وطني وتحقيق أغلبية برلمانية»ولكسر الجمود، لجأ الملك إلى «المادة 35” من الدستور وأعلن حالة الطوارئ. لمدة 5 سنوات، حكم الملك بدون أحزاب، وفقط بمساعدة مستشاريه المدنيين والعسكريين حتى تاريخ 31 يوليوز1970،حيث انتهت حالة الطوارئ رسميًا بإصدار الدستور الجديد، إذ يكرس دستور عام 1970 إلغاء الأحزاب السياسية ويعطي واجهة برلمانية للحكم بالسلطة المطلقة.
وهكذا، يتم تحييد الأحزاب الناشئة من الحركة الوطنية، وعزلها عن الجماهير وحرمانها من العديد من مناضليها من خلال إجراءات قمعية.. سيؤدي تهميش الأحزاب السياسية، إلى تمديد دور الجيش مما سيؤدي إلى محاولة انقلاب في 10يوليوز1971، سوف تدفع الملك إلى «محاولة الانفتاح على حزبي «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»و»الاستقلال”. يكشف الدستور الصادر في 10مارس 1972، عن النطاق الحقيقي للانفتاح نحو الكتلة، حيث يحيي هذا الدستور أحكام نص سنة 1962، لكنه لن يكون ساري المفعول حتى أكتوبر سنة 1977.
الانفتاح على المقترحات الدستورية للكتلة..

دعت «أحزاب الكتلة» إلى المقاطعة في الاستفتاء، وعلى الرغم من موقف المقاطعة هذا ظلت على اتصال بالملك، على أمل التوصل إلى اتفاق بشأن «برنامج إصلاحي»و»تشكيل حكومة ائتلافية”، كون الأمل قد تعزز منذ فشل «انقلاب 16غشت 1972”، والمبادرة الملكية ل»إعادة دمج الأحزاب السياسية في اللعبة السياسية من خلال الدعوة إلى الوحدة الوطنية حول العرش من أجل استعادة الأقاليم الجنوبية”.
في عام 1972، تم التشكيك في وحدة الكتلة من خلال تقسيم حزب «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»في عام 1972 تزامنا مع سقوط «جدار برلين»في عام 1989، والبيئة السياسية الدولية غير المسبوقة. وفي هذا السياق، قرر الملك تقديم مشروع (مسودة) مراجعة للدستور في 20غشت 1992، الذي يستجيب (هذا الدستور) جزئيًا لمذكرات الكتلة.
نقاط القوة في دستور 1992..

لم تحدث التغييرات الدستورية الكبيرة والتجاوزات في نص عام 1972حتى دستور عام 1992. أحدث هذا النص الجديد «تغييرا جذريًا» في ما يتعلق بـ»السلطة التنظيمية»التي انتقلت إلى رئيس الوزراء، بينما في عام 1962 شاركه الأخير مع الملك الذي تولى السلطة بالكامل في عام 1970. تجدر الإشارة إلى أن نص عام 1992 – الذي تم الحفاظ على إنجازاته من خلال مراجعة عام 1996 – هو الذي يشكل نقطة التحول الحاسمة التي تتميز بتعزيز المؤسسة الحكومية وتقويتها مقارنة بالتجارب السابقة.
دستور 1996 يمهد الطريق
أمام التناوب التوافقي..

مهد دستور عام 1996الطريق ل»إنشاء الحكومة بالتناوب»، فضلا عن «إضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات والعلاقات بين السلطات العامة”.بات للملك صلاحيات موسعة تتجاهل كل صلاحيات المؤسسات الأخرى، حيث يوجه الملك العمل البرلماني والحكومي ويرأس مجالس الوزراء ويمكنه التدخل في المجال القضائي. كان من المفترض أن يدعو حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»(USFP)إلى التصويت على دستور عام 1992، لكن «الخلاف الداخلي»و»ضراوة وحدة شباب الاتحاد»دفعت الحزب إلى الامتناع عن التصويت، حيث لم يرض هذا التموقع القادة وعلى رأسهم الكاتب الأول للحزب، الراحل»عبد الرحمن اليوسفي”.
تضمن دستور عام 1996عدة إضافات من نص عام 1992، ولاسيما «التزام المغرب بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان”. في يونيو 1996، قدمت «أحزاب الكتلة» إلى «القصر الملكي»، مذكرة تشير إلى مقترحات للحقوق المتعلقة بالمبادئ الأساسية لحريات المواطنين. في النصوص السابقة، كان تشكيل الحكومة «امتيازًا ملكيًا حصريًا”. عين الملك الوزير الأول (رئيس الوزراء)والوزراء، كما جلب إصلاح عام 1992إضافة وهي: «تعيين الوزراء بناءً على اقتراح الوزير الأول- تماما مثل مصير البرلمان – في دستور عام 1962”، ولم يتم تسوية «مجلس النواب»في عامي 1970 – 1972في حالة حدوث تغيير يتم الإعلان عن حالة الطوارئ. ذكر دستور عام 1992 أن «حالة الطوارئ لم تستتبع حل مجلس النواب”، كما يتم الحفاظ على هذه الإضافة في دستور عام 1996، وللبرلمان بمجلسيه.
أنشأ دستور عام 1992،»مجلسا دستوريا»بدلاً من «الغرفة الدستورية»ل»المحكمة العليا»، وبسلطات مماثلة لسلطات المحاكم والمجالس الدستورية تحت أسماء أخرى. لم يكن حتى عام 1996، أن تم إضفاء الطابع الدستوري على «المجلس الأعلى للحسابات» -الذي كان موجودا بالفعل منذ عام 1979 – وأنشئت مجالس المحاسبة الإقليمية. أنشأ دستور عام 1996الغرفة الثانية المنتخبة بشكل غير مباشر، والتي تمثل الفئات الاجتماعية الوسيطة بين الدولة والمواطنين: «مجلس المستشارين”.
إن عودة «مجلس المستشارين»إلى المشهد الدستوري قد ساهمت، بطريقة ما، في تفضيل التلاعب الانتخابي بالاقتراع غير المباشر المتعلق بثلث مجلس النواب. وفي أعقاب انتخابات عام 1993، انتقدت أحزاب الكتلة الديمقراطية هذا الثلث وطالبت بحل «مجلس النواب»وتنظيم انتخابات جديدة.
المغرب نحو نظام برلماني مبسط

مع كل الإصلاحات الدستورية في العقد الذي يصادف نهاية القرن ال20، يتجه المغرب نحو «النظام البرلماني العقلاني»المستوحى من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة. انتقل تطور «الإصلاح الدستوري»نحو مساءلة أكثر وضوحًا للحكومة أمام الملك ولكن أيضًا أمام البرلمان. واليوم، لدى المغرب «ترسانة من المؤسسات الديمقراطية التي لا ينازعها أحد لما لديها من نظام يعمل فيه البرلمان والسلطة التنفيذية بالتكافل تحت السلطة ووفقًا لتوجيهات وتعليمات الملك التي تشكل العنصر الرئيسي للنظام، ومصدر صلاحيات جميع المؤسسات المتحدة تحت قبة الملكية الحاكمة”.
بعد توليه سدة الحكم في عام 1999، صرح الملك «محمد السادس»من أنه: «يريد ممارسة الحكم من خلال تعريف النظام المغربي كنظام ملكي تنفيذي”، مؤكدا(الملك)أنه: «لا توجد ديمقراطية بدون ديمقراطيين، ومصرا على ضرورة إصلاح الأحزاب السياسية وترقيتها”.في الخطاب الملكي الصادر في 6نونبر2008، تم إنشاء «اللجنة الاستشارية للجهوية»والتي ترأسها المستشار الملكي «عمر عزيمان”.
في الخطاب الافتتاحي أمام البرلمان بتاريخ أكتوبر 2009، سلط الملك الضوء على ركائز «الإصلاح المؤسسي العميق»بما في ذلك: «إصلاح العدالة»و»الجهوية المتقدمة»و”اللامركزية الواسعة”.
نحو تنفيذ دستور 2011..

تم إنشاء «اللجنة الاستشارية للجهوية»برئاسة المستشار الملكي البروفيسور «عبد اللطيف المنوني»في 10مارس 2011، حيث اعتبر»الإصلاح الدستوري»إجراء حاسما يجب ألا يكون موضوع مناقصة سياسية ؛ يجب أن يتم في صفاء وتوافق خاصة مع المؤسسة الملكية.
من حيث المضمون، يجب أن يأخذ الإصلاح في الاعتبار «التغييرات التي حدثت خلال السنوات ال10الأخيرة من عهد جلالة الملك «محمد السادس”، منها: «وضع المرأة» ; «فتح مساحات للحرية» ;” احترام حقوق الإنسان» ; ”اللامركزية الواسعة”، «حقوق الطفل» ; «البيئة»، وما إلى ذلك..، كما يجب أن يكون الإصلاح الدستوري مصحوبًا بـ»إصلاح سياسي يتضمن هويتين غير قابلتين للاختزال”. أدت نهاية «حكومة التناوب»بقيادة الراحل»عبد الرحمن اليوسفي»واستبدالها بالتكنوقراطي»إدريس جطو»، إلى إطلاق «عملية استجواب مؤسساتية”. أعرب اليوسفي في خطابه أمام «اللجنة القيادية»للحزب في 29مارس2003، عن»استياء الحزب ورفضه المنهجية المتبعة في تعيين الوزير الأول (رئيس الوزراء)». في «بروكسل»، عكف على تقديم تحليل واضح (شابه خيبة أمل)من تجربة التناوب، معتبرا أن «حتمية الإصلاح السياسي المؤسسي قد عادت مرة أخرى إلى الأجندة السياسية لبلادنا»، على أن الحزب سيثير بدوره- في وقت لاحق – قضية الإصلاح الدستوري والملكية البرلمانية.
حركة 20 فبراير والإصلاح الدستوري

منذ عام 1990، استمرت دعوة حزبي «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»و الاستقلال»إلى مراجعة الدستور وتقديم مذكرات مشتركة. ألهمت «المذكرة المشتركة» المؤرخة في 9أكتوبر 1992إلى حد كبير مشروع الدستور الذي اعتمد عن طريق الاستفتاء في 4 شتنبر1992. يُظهر الخطاب الملكي الصادر في 9مارس 2011 أن: “«حركة 20فبراير»سارعت بالإصلاح الدستوري من خلال الاستجابة لجميع المطالب السياسية الصريحة مثل «الملكية البرلمانية» ; و»الدستور الديمقراطي والشعبي»; «فصل السلطات»; «التوزيع العادل للثروة» ; «إلغاء المادة 19” ; “إرساء مبدأ المساءلة» ; «الحرية» ; «الكرامة» ; «المواطنة»وما إلى ذلك..”.
تم تحييد هذا النوع الجديد من الحركة الاجتماعية من قبل الدولة بطريقة سلمية كلاسيكية في غياب زعيم تاريخي أو كاريزمي يمكنه التحدث نيابة عن حركة 20 فبراير. استجابة لمطالب حركة 20فبراير، أعلن جلالة الملك «محمد السادس»، في خطاب موجه إلى الأمة في 9مارس 2011، نيته ل»مراجعة دستورية عميقة تركز على توطيد الديمقراطية وسيادة القانون».
عن التقدم المحرز في دستور 2011..

تستند هذه المراجعة الدستورية إلى 7 ركائز: “تكريس تعددية الهوية المغربية والاعتراف الدستوري بالمكون الأمازيغي”، «ترسيخ سيادة القانون مع مراعاة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والتزامات المغرب الدولية”، «تثبيت وتعزيز العدالة في السلطة المستقلة»،»ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات»من خلال: «برلمان منتخب ناتج عن انتخابات حرة مع امتداد مجال القانون والغالبية من مجلس النواب»، «حكومة منبثقة عن الإرادة الشعبية تختار عن طريق صندوق الاقتراع وتتمتع بثقة مجلس النواب» ، «تكريس مبدأ تعيين الوزير الأول (رئيس مجلس الوزراء)ضمن الحزب المهيمن خلال انتخابات مجلس النواب»، «تعزيز سلطة الوزير الأول (رئيس الوزراء)بصفته المسؤول بالكامل عن المجلس الوزاري» ; «إضفاء الطابع الدستوري على سلطة رئيس الحكومة كرئيس لسلطة تنفيذية فعالة وخاضعة للمساءلة الكاملة»، «دسترة مجلس الوزراء»، «تعزيز أدوار الأحزاب والمعارضة البرلمانية والمجتمع المدني»، «ترسيخ آليات تخليق الحياة العامة وضرورة ربط ممارسة السلطة بالرقابة والمساءلة» ; «إضفاء الطابع الدستوري على الهيئات المسؤولة عن الحكم الرشيد لحقوق الإنسان وحماية الحريات”.
إنشاء اللجنة الاستشارية
لمراجعة الدستور

وفي نفس الخطاب، أعلن الملك عن إنشاء لجنة مخصصة لمراجعة الدستور برئاسة مستشار الملك «عبد اللطيف المنوني”، تتمثل مهمة هذه اللجنة في «الاستماع إلى الأحزاب السياسية للنقابات العمالية والمنظمات الشبابية والجهات الفاعلة الثقافية والعلمية من أجل جمع تصوراتهم ومذكراتهم حول هذا الموضوع”، على أن تقدم اللجنة مخلصات عملها إلى الملك في يونيو 2011.
ولتعزيز هذه اللجنة وشرعيتها السياسية، أنشأ جلالة الملك في 10مارس 2011لجنة أخرى تسمى «الآلية السياسية للرصد والتشاور والحوار»(le mécanisme politique du suivi, de concertation et de dialogue)، تتألف من رؤساء الأحزاب السياسية والنقابات ويرأسها «محمد معتصم” مستشار جلالة الملك. وفي الوقت نفسه، يعلن الملك عن إنشاء مؤسستي»الوسيط»و»المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، كما أعطى الملك تعليماته ل»آلية المراقبة»ل»تنظيم اجتماعات تشاورية لإحياء النقاش الدستوري: يتم إنشاء المنتديات في كل مكان في الدولة والأحزاب السياسية والمعارضين”، في حين قررت «حركة 20فبراير»مقاطعة اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.
دعمت، من جهتها، هيئات وطنية وسياسية من قبيل أحزاب: “الحزب الاشتراكي الموحد»و»النهج»و»العدل «والجمعية المغربية لحقوق الإنسان» (AMDH)مسعى الملك.قدم رئيس لجنة مراجعة الدستور المسودة إلى الملك في 10يونيو 2011، كما قدم رئيس آلية الرصد إلى جلالة الملك تقريرا موجزا يتعلق بمداولات الآلية المذكورة. في 17يونيو 2011، قدم الملك إلى الشعب مشروع الدستور الجديد للمملكة الذي سيتم اعتماده على نطاق واسع في الأول من يوليوز2011بأغلبية ساحقة (98.5٪)صوتت ب»نعم».
ماذا عن وضع المعارضة في دستور 2011؟

كرست المعارضة البرلمانية حقوقها في النظام الدستوري، مستعينة بـ: «مبادئ المساواة وعالمية التصويت»، و»حرية الإبداع»، و»المساواة في الوصول إلى وسائل الإعلام والتمويل»، و»حرية التعبير والتجمع والتظاهر”، كما لطالما تم الاعتراف بالمعارضة في النظام السياسي المغربي.
انتقل حزب الاتحاد الاشتراكي، من معارضة الدستور والنظام العام المنبثق عنه إلى معارضة الحكومة، كما التزم بقواعد اللعبة الرسمية من خلال معارضة الحكومة لعدم وجود أغلبية في البرلمان، بيد أن دور المعارضة هو «انتقاد سياسة الأغلبية والتأثير على النصوص المنتجة في البرلمان”،ناهيك عن المشاركة في السيطرة على العمل الحكومي، ولا سيما من خلال إشراك مسؤولية الحكومة. للتذكير، تم تقديم اقتراح «سحب الثقة»والتصويت عليه مرتين في التاريخ الدستوري للمغرب.كانت المرة الأولى، من قبل حزبي المعارضة حزب «الاتحاد الوطني»و»الاستقلال»، بينما تم تقديم الثاني في ماي 1990من قبل «الاتحاد الاشتراكي»و»الاستقلال»بدعم من نائبي من «التقدم والاشتراكية»و»محمد بن سعيد آيت إدر»النائب الوحيد في «منظمة العمل الديمقراطي الشعبي»(OADP). لم يؤد هذان الاقتراحان إلى الإطاحة بالحكومة، ولكن تم استخدامهما كوسيلة للضغط من قبل المعارضة على ترادف حكومة الأغلبية.
تم تقييد استخدام اقتراح «سحب الثقة»في النصوص الدستورية بعد تلك التي صدرت في عام 1962والتي تتطلب فقط «التوقيع على اقتراح «سحب الثقة»من قبل عُشر أعضاء البرلمان”. عززت جميع الدساتير الأخرى، هذا الشرط من خلال «اشتراط توقيع ربع الأعضاء الذين يشكلون مجلس النواب”، مقارنة بما يطلب الآن من أغلبية مطلقة للتصويت على «سحب الثقة». تمكنت المعارضة، من الضغط على السلطات من خلال العمل خارج البرلمان، لا سيما من خلال الإضرابات والمذكرات.
«تضمن المادة 10من دستور 2011للمعارضة البرلمانية، وضعًا يمنحها حقوقًا تمكنها من القيام بمهامها المتعلقة بالعمل التشريعي والحياة السياسية بشكل صحيح”، كما يمنح دستور عام 2011المعارضة البرلمانية وضعا خاصا بمنحها حقوقًا محددة كعنصر لا غنى عنه لعمل النظام السياسي.
إلى جانب الثوابت الوطنية من قبيل: «الدين الإسلامي»، «النظام الملكي»، «الوحدة الوطنية»، «السلامة الإقليمية للمملكة»، يتطلب الدستور تنظيم وعمل الأحزاب السياسية وفقًا للمبادئ الديمقراطية. علاوة على ذلك، يشترط «القانون 36-4” بشأن الأحزاب السياسية على الأحزاب السياسية «تبني الديمقراطية الداخلية دون ذكر الإجراءات القانونية التي من المحتمل أن تجعلها عملية وفعالة”. هناك ضمان آخر يتعلق بحل حزب أو نقابة ما، حيث تنص «المادة 9” من الدستور على أنه «لا يجوز حل الأحزاب السياسية والنقابات أو تعليقها من قبل السلطات العامة إلا بموجب قرار من المحكمة».في الأخير، ومن جهته، أعطى دستور عام 2011المعارضة البرلمانية «القدرة على المشاركة الفعالة في السيطرة على العمل الحكومي، ولا سيما من خلال مقترح سحب الثقة واستجواب الحكومة، وكذلك الأسئلة الشفوية الموجهة إلى الحكومة وفي إطار لجان التحقيق البرلمانية””.
(*) محامي وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية


الكاتب : إبراهيم رشيدي (*)

  

بتاريخ : 01/07/2024