زمن التجلي و الواقع كما هو أم زمن حصار أرغمني على الهروب إلى عالم الخيال والمقارنة بين زمنين رغم بعد المسافة ؟
سأتجرأ و أعبر بما يفيد أنني في عمق (فلسفة الملابس)… زمن أصرت فيه الجائحة على أن أرتدي ثيابي القديمة .
يا حضرة الوافدة الجديدة بضيافتك أسائلك لماذا أكتب متأخرة؟
لا اتردد في التعقيب عنك بما يفيد أنك أيقظتهمتي لكي أضع في المتناول أمانة كلفني التاريخ بنقلها انسجاما و نظرية ” دانتي ” القائلة ( المعرفة مكونة مما سمعه الإنسان ) هي معرفة أحضر فيها أنا كذات … نحن والآخر… و قبل صلاة الغائب .
كم مرة سئمت حياتي… صارت عبثية بلغة النسيان إلا حقيقة واحدة ما زلت أغزل صوفها على ساقي تحين دوما في سؤال يرافقني لماذا أنا هنا مقيدة ترى من رضعت أو سترضع لبن المكاسب؟
أعيش خرافات تعاد بأشكال مختلفة, بأنس وسمر نتقاسمه مع السحالي والعناكب فالصراصير والبعوض، ومن يشترك معك الخبز مباشرة إنها الجرذان، بل وطيور تبيض الرعب… هكذا استيقظ كل صباح أتفقد بدوري رصيد بيضي… وهؤلاء مؤنسات وحدتي تكسرن الجدران الرقيقة لبيضهن ومن خلاله تكتشف عنف العالم داخل العتمة…باقتباس طفيف من بنات العلوة كما هو وصفهن الشريف بدا لي الآخر بما فيه الأقربون ديكة للخوف تصبح الرجولة سما ضغينة حسدا ممن تشاركهن النضال فالقوة حكر على الذكر.
ربما وجدت بنات العلوة عنوانا لهذا الجناح المنكسر كما يريده الذكر خصوصا حينما تستيقظن كل صباح يتلمسن أطرافهن وما بقي من ريش بهائهن، لكن سرعان ما ينتبهن ويلفهن فزع ترتعد بموجبه الأوصال يتأكدن بأنهن داخل حصار الزجر… يترآى لي وكأنهن يحاولن التحليق عاليا …صدقوني رصدت بعضهن آيات في الحسن والجمال، قلتها سرا كفيلسوفه مبتدئة: أليس هذا الجمال قتلا بألوان وقبل أن تغلف وترمى في مستودع أحزان؟… تخبرني بعضهن أنها عقدت العزم ستحطم عودها القديم وتمزق مخطوط ديوانها المؤجل الآن والمستثمر في جلب ما تيسر وبحبوحة العيش الكريم يسحب من أبناك و مصاريف في ركن من أركان هذه الأجساد …
مرحلتي الموالية في قراءة مقدمة الصفحة كل يوم أجمع معطيات قادمة حتى من استعارة أو مجاز مكشوفة من قواميس يتأرجح بين الجد والعبث عايشتها بالتفاصيل بل سحبت على جسدي قطعة من غطائهن أحكي لها في خلوتي حقيقة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان… فليس بذكر المواخير و(محجوبة الموتشو والحوت والشيخة باضة والحاجة الزعراوية ولغليمية) نحدد سقف ظلمات أيام القيامة الدنيوية واقعكن تتقاطع فيها الأسر والمجتمع والسياسة الاقتصا، ولا تسكبن رحيق الإحساس بالظلم في حيز ضيق بعينه فكرة الثلج تتدحرج منذ زمان.
ذات ظهيرة انقسمتن جماعات تترقبن جديدا يبدو أنكن على علم به… أعي جيدا بما يركبكن من فضول رن جرس القيامة. فتح الباب بصوت واحد لقد قدمت صاحبة الكلب. وهذه الحكاية بدورها استنزفت جهودا بدلتها من أجل الإحاطة بمنبت القضية وما خطب الإنسان؟…جرت العادة عند النطق باسم حيوان فليكن كلبا أن يقرن بكلمة (حاشاكم)… الكلب بطل سجن بولمهارز نمط آخر في تشكيلة هذا الفصيل من حيوانات أليفة تحظى برعاية وحب خاص… هنا في محفل الفجيعة رؤية تتفاوت بين الهزل والجد بين الألم والعبث بل وأنا الآن أدبر زمني بإحصاء أيام رفع حجر وبائك يا جائحة أرتب محكيات زمن حصار زجري زمن السجن و الواقع التافه تفضل وكرمني من معاينة مباشرة لسلسلة من الأحداث المخالفة للعقل والمنطق.
وقفت كأصنام ذات ظهيرا تعيسات السجن تتطلعن إلى القادم بعد فتح الباب الثاني لمرتع القيامة الدنيوي أما الكابرانات فمستغرقات في تجارتهن يمررن الزبائن هكذا جرت العادة وعرف السجن بدون توثيق.
الوافدة الجديدة هذه المرة سبقها عنوان نص الاعتقال… دروة السخرية والاستهزاء ولا اثر للرحمة عند الجميع . استمرت معاناته مدة سجنها من الاحتياطي حتى شهور جادت بهم طبيعة فصل من القانون لم يميز بين الإنسان والحيوان … قبل أن ألملم حيثيات وتفاصيل ماذا جرى لضحية تم التشفي فيها وبالإجماع استطعت تجميع تفاصيل هذا السر الغريب ملصق بشابة لم تجرؤ طيلة مدة سجنها على رفع رأسها وبالتالي تمييز ملامحها. وولأنني صرت مهووسة فاضت استفساراتي بين الإقبال أو الإدبار . اعتبرت كل قصص الاعتقال المتأرجحة بين الحقيقة والتضليل بين الصدق والكذب فكم من سجينة تراوحت مدد حكمها من الإعدام إلى شهر أو اعتقال احتياطي تسرد دواعي وأسباب الاعتقال برداء ابداع سيناريو يخيط أطرافه الخيال أو الكذب حتى وصلت مرحلة صدقت فيها كذبتها.
اقتربت منهن كثيرا حتى وصلت درجة جعل كل سرد أسعى إلى تكراره من مصدره، نعم جعلت منه عملا إبداعيا حقيقا مع الحرص على الفهم التام لما يتواتر أمامي من روايات وما يستتبعها من إشاعات . مؤهلاتي آنذاك الفكرية وآليات تحليل الخطاب متواضعة جدا , لكن الذاكرة لم تخنني صارت بمثابة لوحة إلكترونية بذاكرة قوية جمعت وحصنت تفاصيل المحكيات لأنني كنت مستمعة و قارئة في صمت غير عادية بل شكلت الاستثناء , أحيانا يفضحني فضولي بتكرار الأسئلة فأنا هنا لست بفنانة أو مبدعة قصة أو رواية حقيقتي أنا ناقلة لوقائع عايشتها في عين المكان.
قد يبدو لكم العنوان المفارقة (صاحبة الكلب) بعيدا عن الاحتمال وبالتالي أن يتنزل في الواقع فمن المحال …صدقوني عن هول ما جرى أحدثكم هنا عن نص من مسرحية واقع ميلودراما تابعها المشاهدون بدأ من مسرح الجريمة إلى أن تم تجسيد لب مشهدها (العقدة) في هذه الغرف السوداء… كان لابد لي من أن أفعل شيئا من أجل حماية بطلة الشريط فوضعيتها انكسر فيها الإحساس بها كإنسان , قضيتها رسمت في مخيلتي مسرحية الناموس الجديدة اخترت لها عنوان (البؤس)… البؤس تم بناؤه على نواميس تجارة هشة ولو مع شريك قد يكون كلبا في حماية إنسان… نساء العلوة بما فيهن العرابات بل كافة التعيسات المنسيات تمتد أعناقهن عند النداء أو زيارة أو الاستعداد للنقل إلى المحكمة من أجل المثول أمام القضاء… يشتد الضحك بكل ايقاعات القهقهة من أعماق منخورة بمخلفات أعقاب السجائر… عريفات أو سجانات الغرف السوداء تنادي بصوت جهوري (صاحبة الكلب شدي الصف المحكمة) حتى تقسيم العمل من نصيبها الشق النثن تنادي حاملات الهراوات: صاحبة الكلب ركزي ما دمت هنا تنظيف مجاري الصرف الصحي وحمل أثقال السجن مكلفة بآدائها منذ الآن… حتى البلطجيات بنات جامع لفنا والهائمات على باب الضياع المقيمات في (الخطارات) ينتظرن حقهن في تقريع الشابة وإبداع شتى الأوصاف بالمباشر فالمناسبة لا تستدعي الهمز واللمز فقط.
لكي أقطف حقيقة باقة (البؤس) لممت آليات استفساري ركزت على ما يساعدني على جرها من الأعماق… ما هو الخطب عزيزتي ولم هذه القسوة التي وقع عليها الاجماع؟… مكتوب علي الفشل أستاذة وأسرة بوالدين يعانيان من سقم بين وشلل و إخوة صغار لم يملأ بطونهم عائدات هزيلة جدا مقابل عرق كتفيا عند سيدات يسحبن آخر نفس لقوتي الجسدية يمارسن قوة فيزيائية في رفع ما ثقل أثاثا و ما صعب علي الوصول إليه تنظيفا، حتى إذا ما حاولت إحدى نهارات القسوة سقطت أرضا ألملم كسوري استدعى جبرها سنة ونصف …ساقني قدر تجارة بيع متعة عابرة إلى عجوز انتهت صلاحية سلاحه, بحثه على اللذة مررها إلى كلبه بوابة الغوص في الاستمناء… هكذا تلصص أحدهم ومباشرة إلى حراس بنمط خاص في المخيم وتم اقتيادي بتهمة ممارسة بغاء مع…
رويت فضولي بهذا البوح واكتفيت باختزال الميلودراما الحية المحكية من البطلة بالمباشر في ما سبق وقرأت للأكاديمية المغربية زهور كرام:
ليس هناك سيناريو جاهزأو قصة مكتوبة أو ممثلون يتهيؤون لتقمص الأدوار وديكورات مصطنعة لتشخيص الأحداث، ولكن هناك واقع يومي ملموس تجتهد الصورة السينمائية لالتقاطه قبل أن تذوب آخر ملامحه مع غروب الشمس.
انتهى كلام الدكتورة و تلاه تفاصيل حياة مترعة بالفجيعة بالكوابيس المفزعة يطفو على السطح بؤس الصورة بكلب يضاجع إنسان.