التقرير الجديد لخبراء المناخ «إنذار أحمر للبشرية»
وصف تقرير أممي التغيرات المناخية في العالم بأنها «إنذار أحمر للبشرية»، مؤكدا أن تداعياتها ستستمر لآلاف السنين بفعل تسارع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير متوقع.
وقالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، في تقريرها الصادر اليوم الاثنين، إن دور البشر في الاحترار العالمي لا لبس فيه، محذرة من أن بعض عواقب هذا الاحترار، بما فيها ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار، ستبقى غير قابلة للعكس لمئات أو آلاف السنين.
وأوضح الخبراء أن الحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية عما كما متوقعا قبل 10 سنوات، وتوقعوا تكرار موجات الحرة الشديد كل 10 سنوات بعد أن كانت تحدث مرة كل 50 عاما، وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة أصبحا أيضا أكثر تواترا.
وورد بالتقرير أنه بغض النظر عن معدل انبعاثات غازات الدفيئة في المستقبل، فإن مستوى المحيطات سيستمر في الارتفاع خصوصا في ظل تسارع وتيرة ذوبان القمم الجليدية، ويقدر الخبراء الأمميون أن يرتفع مستوى سطح البحر إلى متر بحلول العام 2100.
كما أكد التقرير أن النشاطات البشرية تسببت في ارتفاع درجة الحرارة بواقع 1.1 درجة تقريبا منذ القرن19.
وحذر الخبراء من أن قدرة الغابات والتربة والمحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، المنبعث جراء النشاطات البشرية، من المرجح أن تتراجع مع استمرار الانبعاثات، وهو ما يهدد الجهود المبذولة لحصر نطاق ظاهرة الاحترار المناخي في مستويات مقبولة.
وتعليقا على التقرير، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنه «إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا».
وأضاف غوتيريش أن هذا التقرير يعلن نهاية الوقود الأحفوري الذي «يدمر كوكب الأرض».
ويأتي نشر التقرير الأممي في وقت تشهد مناطق في العالم بينها الشرق الأوسط موجات حر شديد، كما تشهد دول عدة كاليونان وتركيا والولايات المتحدة حرائق واسعة.
وفي كل الحالات، سيصل الاحترار العالمي قرابة العام 2030 إلى 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعة، أي قبل عشر سنوات من التقدير السابق للهيئة في العام2018 .
التفاوت القائم بين البلدان الغنية والفقيرة
ينعكس التفاوت القائم بين البلدان الغنية والفقيرة في التوقعات المناخية أيضا، ففي وقت يقدم الخبراء الأمميون أحدث تقديراتهم، يصعب على بعض المناطق استشراف كيف سيتغير مناخها بسبب عدم كفاية البيانات.
كشفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة عن آخر توقعاتها المناخية بالاستناد إلى أحدث المعارف ذات الصلة وأكثرها دق ة.
وقدمت الهيئة في تقريرها الواقع في 40 صفحة والموج إلى المسؤولين السياسيين ثلاث خرائط للعالم مع مضلعات سداسية تمثل مناطق مختلفة.
ويظهر ارتفاع شديد في موجات الحر في المناطق كلها تقريبا، لكن في ما يخص الأمطار الغزيرة والجفاف، تبقى مناطق كثيرة مغطاة باللون الرمادي بسبب نقص في معطيات أو أدلة كافية من تقديم علماء.
وتقول باولا أرياس من جامعة أنتيوكيا الكولومبية التي شاركت في إعداد هذا التقرير «لا يمكننا أن نستخدم ونقيم سوى المنشورات (العلمية) المتوفرة». ولا تجري هيئة المناخ في الأمم المتحدة أبحاثها الخاصة في هذا الصدد، بل إنها تستند إلى الدراسات العلمية المتوف رة.
وتصرح أرياس أن «أميركا الجنوبية تساهم إلى حد بعيد في المناخ الإقليمي وتمثل مصدرا مهم ا للرطوبة في أميركا الوسطى».
لكننا «بحاجة إلى مزيد من بيانات المراقبة. وليس لدينا ما يكفي منها لدراسة الظواهر المناخية القصوى»، على حد قول باولا أرياس.
ويطال نقص المعطيات بشكل فادح أيضا القارة الإفريقية.
ويقارن محمد أدوو، رئيس مركز التفكير حول المناخ «باور شيفت أفريكا» في نيروبي، بين الوضع القائم ومقولة شهيرة مفادها: إذا ما سقطت شجرة في الغابة لكن أحدا لم يكن موجودا لسماعها، فهل سيكون لسقوطها وقع؟
ويقول «يعايش الناس هنا في إفريقيا ارتفاع الحرار ومستوى المحيطات والظواهر المناخية القصوى على القارة. لكن، إذا لم يتول علماء تسجيل هذه المعطيات، فسيكون من الصعب جدا رفع الصوت الإفريقي في النقاش حول مكافحة التغير المناخي».
ويشدد تقرير هيئة المناخ على دور «الأنشطة البشرية» في الاحترار المناخي بواقع 1,1 درجة مئوية منذ الفترة ما قبل الثورة الصناعية.
لكن هذا المجموع العام يخفي في طياته تفاوتا مجحفا، فالبلدان الأكثر عرضة لتداعيات التغير لمناخي هي تلك الأكثر فقرا التي تبلغ انبعاثاتها المسببة لمفعول الدفيئة أقل مستويات، بحسب محمد أدوو.
أما إفريقيا، «فهي أيضا محور أقل نسبة من الأبحاث العلمية ويؤث ر هذا النقص في قدرة القارة على التكي ف»، وفق ما يفيد محمد أدوو.
ويصر ح الأخير «لا بد لنا من حل هذه المشكلة على جه السرعة وضمان استثمار جهود الباحثين والمانحين في سد هذه الثغرات في الأبحاث المناخية».
وتعكس أيضا توليفة القي مين على هذا التقرير تفاوتا، على صعيد الجغرافيا والنوع الاجتماعي على حد سواء. فمن أصل 116 مساهما معتمدا، يأتي 13 لا غير من بلدان خارج مجموعة الدول العشرين. و72٪ من المشتركين في وضع هذا التقرير هم من الرجال.
غير أن جهودا بذلت في هذا الصدد، «فهم حاولوا فعلا إشراك مزيد من النساء وتحقيق تمثيل إقيلمي أكثر تنو عا»، على ما تقول مايسا روخاس كورادي، القيمة الرئيسية على الفصل الأول من هذا التقرير.
ومن بين الحواجز التي تعرقل هذه الجهود، عدم نشر الدراسات بالإنكليزية أو في مجلات علمية معروفة، بحسب روخاس كورادي.
وليس تحسين التمثيل في أوساط واضعي تقرير هيئة المناخ الأممية مسألة إنصاف فحسب. فمن شأن خطوة من هذا القبيل أن تسمح بالحصول على نتائج علمية أعلى جودة مع مزيد من المعلومات والتصو رات الإقليمية، على ما تؤكد العالمة.
وتصرح مايسا روخاس كورادي «لا يمكنكم أن تراقبوا ما لم تعاينوه».
التوقعات المناخية
الجديدة … مخيفة!
وقد أثار تقرير خبراء الأمم المتحدة «المخيف» حول المناخ سلسلة من ردود الفعل راوحت بين الأمل بإمكان إبطاء الكارثة من خلال التحرك فورا، والدعوات إلى تعبئة المواطنين لمواصلة الضغوط.
قالت إنغر اندرسن مديرة برنامج لأمم المتحدة للبيئة «تكلموننا منذ اكثر من 30 عاما عن مخاطر احترار الكوكب. العالم سمع لكنه لم يصغ . العالم سمع لكنه لم يتحرك بقوة كافية. نتيجة لذلك المشكلة التي يمثلها التغير المناخي باتت هنا الآن. لا أحد بمأمن والوضع يزداد سوءا وبسرعة متزايدة».
ورأى رئيس المالديف السابق محمد نشيد باسم منتدى «كلايميت فالنربل فوروم» الذي يمثل مليار شخص في 48 بلدا «هذا التقرير مدمر للدول الضعيفة بازاء التغير المناخي لأنه يؤكد أننا بتنا على شفير الاندثار». شدد نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانز تيمرمانس في تغريدة «لم يفت الأوان للجم هذا الميل ومنع الاضطرابات الخارجة عن السيطرة الناجمة عن التغير المناخي شرط أن نتحرك جميعا بعزم الآن».
وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي تستضيف بلاده مؤتمر الأطراف السادس والعشرين الحاسم في نوفمبر «نعرف ما ينبغي علينا القيام به للحد من الاحترار المناخي، أي أن نتخلى عن الفحم وننتقل إلى مصادر الطاقة المتجددة وحماية الطبيعة وتمويل المناخ».
وأكد الموفد الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري «لا يمكننا الانتظار … على كل الدول اتخاذ تدابير جريئة».
وحض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على التوصل الى «اتفاق يستجيب للحال الطارئة» خلال مؤتمر كوب 26، معتبرا أن «وقت الاستياء بات خلفنا».
وقالت وزيرة الخارجية المستقيلة في هولندا سيغريد كاغ «نحن الجيل الاخير من السياسيين الذين يمكنهم حماية نمط عيشنا. الآن او أبدا».
لكن سلام الحق مدير المركز الدولي للتغير المناخي ومقره في بنغلادش رأى أن «فقاعة الوعود الفارغة على وشك أن تنفجر».
وقالت الناشطة الشابة غريتا تونبرغ في تغريدة «علينا أن نتحلى بالشجاعة وأن نتخذ قرارات ترتكز على أدلة علمية. لا يزال بإمكاننا تجنب أسوأ العواقب لكن لن يحصل ذلك إذا استمررنا في النهج ذاته ولم نتعامل مع الأزمة على أنها أزمة».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ان هذا التقرير «يجب أن يعلن نهاية الفحم ومصادر الطاقة الأحفورية قبل ان تدمر كوكبنا» معتبرا أن مصادر الطاقة هذه وقطع أشجار الغابات «تخنق الكوكب».
وأضاف «لا يمكننا الانتظار ولا مجال للأعذار» بعد هذا «الإنذار الأحمر للبشرية».
ورأى وزير البيئة الهندي أن هذا التقرير هو «نداء للدول المتطورة لتقلص فورا وبقوة انبعاثاتها وتستغني عن الكربون في اقتصاداتها»، محملا هذه الدول مسؤولية تراكم ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وردت سونيتا ناران من مركز العلوم والبيئة الذي مقره في الهند أن «هذا لا يعني أن على الهند الا تتحرك».
واعتبرت حركة «اكستينكشن ريبيليين» أن «الحكومات نفسها التي تجاهلت اتفاق باريس لن تنقذنا. وحدها المقاومة المدنية قادرة على ذلك» داعية في تغريدة للانضمام إلى صفوفها. وقالت حركة «فرايديز فور فيوتشر» إنها مستعدة «للكفاح أقوى من أي وقت مضى».
أما منظمة غرينبيس المدافعة عن البيئة فتنوي رفع تقرير الهيئة الحكومة الدولية المعنية بتغير المناخ إلى القضاء وقالت «يا أوساط مصادر الطاقة الأحفورية موعدنا في المحكمة».
وأكدت عالمة المناخ كاثرين هايهو «في حال شعرتم باليأس عند قراءة هذا التقرير فهذا غير مفاجئ ولستم الوحيدين. إدراك ما نشعر به أمر أساسي. ومن ثم يجب تحويل هذا الخوف إلى تحرك».