عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة -26- اعتماد المخزن على القائد (عيسى بن عمر) لمواجهة المهام الصعبة داخل عبدة وخارجها

نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..

1) ارتباط القائد بالوزير الوصي أحمد بن موسى

كانت فترة الوزير أحمد بن موسى، تتميز بنهج سياسة: (تضعيف القبائل وإطلاق أيدي العمال بالسلب والنهب لأجل أن يأتوه بأيديهم (مملوءة) ليملأ خزينته، وتسبب ذلك في ظهور شتى أشكال الظلم والجور والتعسف، وكان على القائد بدوره أن يجمع الأموال، ويدفع أغلبها للوزبر أحمد بن موسى. لأن الغرض لا يقضى إلا على يده وبإذنه… ومع ترامي الناس على بابه كل يوم، لا يقبل، الا الذهب الخالص في ذلك أو ما يقوم مقامه من التحف …
وأكثر الحاجب من زبنائه، وبالأخص منهم قواد الحوز، وبسبب ذلك طغت سياستهم، وتزايدت شراستهم لتجمبع الثروات قصد حماية مناصبهم، أو الاقدام على شراء مناصب أخرى لتوسيع دائرة نفوذ أيالتهم، ومني الحوز أنذاك بعمال مستبدين، فنصبوا على الرعية يرهقونها ظلما وجورا، ويمطرونها نهبا وتعسفا، فسفكت الدماء بسبب، وبلا سبب .
ونتيجة للعلاقة التي كانت للقائد عيسى بن عمر بالوزير أحمد بن موسى منذ عهد السلطان المولى الحسن، حيث كان القائد محظوظا لدى الحاجب ومن ببن حاشيته، وبنعم بثقة كبيرة من طرفه… فكان عيسى بن عمر لا يبخل عن تقديم كثير من الهدايا التي تبهر البلاط. وصار يعتمد عليه الحاجب في كثير من القضايا التي تهم عبدة، وأصبح القائد يتصرف بشكل مطلق، خصوصا بعد نجاحه في القضاء على انتفاضة أولاد زيد، وما أصبح بيده من أسلحة نارية، وصادف ذلك أن توجيهات المخزن المركزي كانت تؤكد على تحقيق هيبة المخزن، وذلك عن طريق تدعيم مركز القواد المحليين. وفي هذا الصدد أمر لسائر القواد والعمال، ومن بينهم عيسى بن عمر سنة: (1313 هجربة/ 1895 ميلادية). يقول: (فطالما أصدرنا أمرنا الشريف لك ولغيرك من العمال بشد عضد بعضكم بعضا… وأن يكون كل عامل منكم عونا للآخر، ويكون معه يدا واحدة.. دفعا للمضرة التي تلحقكم… لأن ذاك هو سبب ما وقع من انعكاس الأمر على بعض العمال التي مدت أيدي الفساد إلى ديارهم، بانتهاب الحرمة وانتهاب الأموال… وأصل ذلك كله هو الركوب الى سقاطة الطمع التي يكذبون بها على العمال ، فيدافعون عنهم لأجلها مدافعة تدليس وإخلال.. فمازال العمال بخير ما تعاضدوا على الصلاح والنصيحة، تعاونوا بسيرة حميدة ونية صحيحة، وتظافروا على سد الذاريع، دفع المضار وجلب المنافع، فتباتكم على هذا هو الكفيل بحصول الاستقامة المقصودة فيكم وبكم، والا فمن تساهل في أمر وتراخى في فتح باب الضرر، فانما فتح على نفسه .
ولا شك أن هذا التوجيه المخزني، كان بمثابة دعوة تسعى إلى إعاظة تقوية جهاز المخزن المحلي الذي أصيب بهزة عنيفة من جراء الأحداث التي عاشتها مختلف جهات الحوز، بعد موت السلطان مولاي الحسن، وقيام انتفاضة الرحامنة وما تلاها. والمخزن بذلك كان حريصا على اعادة الاستقرار وتثبيت الأمن داخل القبائل ، اذ لم تكن الحالة العامة بها قد استقرت بشكل نهائي، حيث مازالت أعمال النهب وقطع الطرق مستمرة، لذلك أصدر المخزن المركزي أمرا معمما الى قواد الحوز، ومن ضمنهم القائد عيسى بن عمر د، وذلك سنة: ( 1314هجرية/ 1896 ميلادية) يقول فيه: (فمما شاع وذاع، وملأ الأسماع أن بعض الصعاليك اخوانكم اشتغل بالضرب على دواوير الضعفاء ليلا ونهب أموالهم – أثاثا – وأنعاما – وخيلا ، وربما أدى ذلك الى قتل الرجل لأجل الدفاع عن حريمه وماله ، وكل هذا بمرأى ومسمع من غير نكير ولا مدافع، وكأنكم امرون لهم بذلك، مغرون لهم على بشاعة تلك السلوكات، ومن رفع اليكم من الضعفاء تظلمه لم يحصلوا سوى على شماتته ، وفني ان لم يتغافل عن حقه بهيكلته لابد وان يعطي على رد متاعه عطية ربما أدى عنه ما لا يساويه، فلو كان يباع ، حيث أن كلا من السارق ووساطته مشدود العضد على حيازته ذلك المتاع ، وكل ذلك محرم شرعا ، ممنوع عقلا وطبعا ..وعليه فنأمرك بالقيام على الجد في البحث عن هؤلاء الفاسدين .واحصائهم بأسمائهم وأنسابهم والقبض عليهم وتوجيههم لأعتابنا الشريفة في أكبالهم وهذا أول انذار لك في هذه القضية ، فان قمت لتنفيدها على ساق الجد بالكل والكلية ، فقد
استبرأت لدينك وعرضك ، والا لم يبق فرق بين التابع والمتبوع وبحثت عن حتفك بنفسك .
ان هذه الرسالة تبرز الى أي حد استفحلت الفوضى وأعمال النهب داخل القبائل وأصبح الجهاز المخزني المحلي غير قادر على ضبط الأمن، بل كان أحيانا متورطا في مثل هذه الأعمال،حيث لم يبق فرق بين (التابع والمتبوع)، ولعل صيغة الانذار الواردة في النص ، استلزمت من بعض القواد ضرورة الاهتمام بالحالة الأمنية داخل أيالتهم ، والقبض على كل من هو معروف بالسرقة أو القطع وتوجيههم في السلاسل للحضرة الشريفة ، فقبصوا على عدد كثير من ذلك ووجهوا الى مراكش ، فامتلأت السجون بهم ، وبذلك عادت الهيبة من جديد الى المخزن المحلي حيث سيطر القواد على الموقف داخل ألياتهم ، وادعن الرعية لسطوتهم حتى صار الرجل يبيع ببته ويأتي بما وجب عليه في الفريضة . لذلك يمكن اعتبار هذه الفترة بمتابة تركيز جديد لنفود القواد تخص جهات الحوز عموما ، وفي هذه الفترة تألق نجم القائد عيسى بن عمر بصفة أكثر ، حيث امتد نفوده لشمل كل قبائل عبدة وما جاورها.


الكاتب : إعداد : محمد تامر

  

بتاريخ : 03/05/2023