عُثْمانْ

 

ها أَنْتَ نَزيلُ غِيّابٍ في ضيافَةِ الْأَبَد،
غِيّابٌ لا إِيّاب مِنْه،
وَسَفَرٌ بِتَذْكِرَةِ الْوَداع.
كُنْتَ،
بِرَغْمِ شَراسَةِ الدَّاء،
تُمَنّي النَّفْسَ بِالْحَياة،
تُمَنّي النَّفَسَ،
كَما الرِّئاتِ،
بِما يَكْفي مِنْ هَواء.
تُمَنّي الْمَآل،
كَما الْغامِرَ فيكَ بَهْجَةً،
بِالصّاخِبِ مِنَ الْأَنْخاب،
تُمَنّي الْأَحْضانَ بِالْعِناق،
كَما تُمَنّي الْخَطْوَ بِالْقادِمِ مِنَ الْأَيّام.
مَنْ خانَ إِذَنْ يا عُثْمان؟
الطَّريقُ أَمِ الْخُطى؟
الْبَشُّ في النَّوايا أَمِ الْهَشُّ في الْيَقينِ؟
قادَكَ مَسْحُ الطّاوِلَةِ إِلى نَباهَةٍ أَنارتِ الْمَجْهولَ في الْفَهْم،
كَما في الطَّريق.
أَشَرْتَ بِالسَّبّابَةِ إِلى الَّذي يَنْبَغي أَنْ يَكون،
وَتَرَكْتَ وَراءَكَ أَوْهامَ الْآخَرين.
تَرَكْتَ التَّشابُهَ لِلتِّكْرارِ،
كَما تَرَكْتَ الْيَوْمِيَّ لِلاجْتِرار..
انْتَزَعْتَ مِنَ الْعابِرِ ما يَليقُ إِقامَةً في الْوُجودِ،
فَكُنْتَ ما تُريدُ لا ما يُريدُ الْمَجّانُ في الأعْراف.
آمَنْتَ بِأَنَّ الْحَياةَ،
وَإِنْ طالَتْ،
وَمْضَة،
فَكانَ الْحِرْصُ عَلى الَّلحْظَة.
كُنْتَ كَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَقْوَةِ النَّمْلَةِ،
وَغِبْطَةِ الصَّرّار،
اِخْتارَ شِرْعَةَ الصَّرّارَ،
فَعاشَ،
حَتّى قَضى،
مَباهِجَ الْحَياة
أَيا هذا الْمسافِرُ إلى وِجْهَةٍ مِنْ غَيْرِ عُنْوان،
مِثْلُكَ لَيْسَ كَمَنْ مَضى وَانْتَهى.
أَنْتَ،
وَإِنْ غادَرْتَ،
الْقادِمُ،
كَما الْعَوْدُ الْأَبَديُّ،
مِنَ الَّذي كانَ،
وَما سَيَكون.
الْمَشّاءُ لا يَتْعَبُ مِنَ السَّيْر،
وَإِنْ شارَفَ الْمَسيرُ عَلى الانْتِهاء.
عَلى سَجّادِ الْمَعْنى يَتَرَجَّلُ،
وَالدَّليلُ صَهيلُ الْفُصول.
يَطْوي،
تِلْوَ الْأُخْرى،
الْمَسافَة،
وَحينَ يَوَدُّ راحَةً تَسْنِدُ ظَهْرَهُ التّلال.
يَتْعَبُ مِن امْتِدادِهِ الطَّريقُ،
وَلا يَتْعَبُ مِنْ خَطْوِهِ الْمَشّاء.
جِئْتَ مِنْ صَمْتِ الصَّحْراء،
وَمِنْ واحاتِ السَّكينَة.
مِنَ التّيهِ جِئْتَ،
وَمِنِ امْتِدادِ الْمَدى.
مِنْ زَوابِعِ الرَّمْلِ،
وَزَحْفِ التِّلال،
لِتَنْسِفَ كُلَّ اسْتِرْخاءٍ في الْمُعْتاد.
أَقَمْتَ في الْعابِرِ،
فَأَحَبَّتْكَ الْحياة.


الكاتب : محمد بوجبيري

  

بتاريخ : 18/08/2023