من المظاهر المؤسفة التي استفحلت، في الآونة الأخيرة، اكتظاظ مدارات فاس بأطفال وطفلات تتراوح أعمارهم بين أربع وست سنوات ، ملابسهم رثة ، وشعورهم شعثاء ، لفحت أشعة الشمس أجسادهم الغضة ، وهم يحملون في أيديهم «مضخات» بلاستيكية مملوءة بالماء ومكانس صغيرة في انتظار الأضواء الحمراء حيث يقف السائقون لحظات وجيزة في انتظار الأضواء الخضراء لاستئناف رحلاتهم ، وخلال هذه الفترة تندفع أجساد تلك البراعم الصغيرة نحو السيارات دون مراعاة للخطورة التي يمكن أن يتعرضوا لها نتيجة السياقة المتهورة لبعض الأشخاص ؟ يرشون الزجاج الأمامي، يكنسونه بسرعة ،يستجدون السائقين والسائقات ليمدونهم ببعض الدريهمات . يحدث هذا أمام أعين «أمهاتهن» أوالنساء اللائي تقمن باستغلال طفولتهن البريئة ، وهناك من السائقين والسائقات من ينفحهم درهما أو درهمين بعد أن يتأثر لوضعهم الاجتماعي ،وهناك من ينهرهم ويصب جام غضبه على من دفعهم لطلب الصدقة واستغلال براءة طفولتهم وسنهم الصغير . ويظل هؤلاء الأطفال على امتداد ساعات طويلة وهم يقومون بهذه العمليات تحت لهيب أشعة شمس الصيف الحارة التي تعرفها فاس خلال هذه الأيام القائظة ، في وقت كان من المفروض أن يكون هؤلاء الصغار والصغيرات يقضون عطلتهم الصيفية بالشواطئ او الغابات على غرار أقرانهم من الصغار.
الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة المؤلمة انضافت إلى عدد من المظاهر السلبية التي باتت تسود صورة الحياة بالعاصمة التاريخية للمملكة المغربية، التي أصبحت مدينة تعاني الفقر والهشاشة في ظل غياب وعود المنتخبين الذين عجزوا ، لحد الآن ، عن حل عقدة مطالبة الحكومة بتوجيه جزء من الاستثمارات الخارجية لفاس لإعادة الاعتبار إليها حتى تستعيد إشراقتها الاقتصادية وتتمكن من التخلص من كبوة الفقر والركود الاقتصادي .
من المؤسف ألا تتحرك وسائل الإعلام لتوعية من يقف وراء هذه الظاهرة و الدفع بالطفولة للانحراف ، ومن المؤسف أيضا أن تقف جمعيات المجتمع المدني مكتوفة الأيادي وهي تتفرج على وضعية طفولة بريئة تجب حمايتها من تداعيات المسلكيات الاجتماعية الخطيرة ، ومن المؤسف كذلك أن يتواري بعض «المحسنين « ممن لا يظهرون إلا في الحملات الانتخابية ، حيث يغدقون الأموال الكثيرة على الطبقات الهشة ليس لوجه الله ، ولكن للفوز بمقعد انتخابي في المجالس أو البرلمان ؟